لقد ظلمت عبدالناصر يا أسامة!
مقالات مختارة | حمدي رزق
الخميس ٢٧ يوليو ٢٠١٧
لست ناصرياً، ولم أتلق دروساً فى نوادى الفكر الناصرى، ولا شملتنى قوائم عضوية الحزب الناصرى، ولم ألف رأسى يوماً بشال عبدالناصر، فلست درويشاً فى الحضرة الناصرية، ولم أرتد يوماً قميص عبدالناصر تحت الجلد، ولا تاجرت باسم الزعيم والتجارة باسمه رابحة وتربح منها كثيرون.
ولكن هالنى، وأنا المحب لناصر زعيم الفقراء، ما كتبه الصديق الأريب أسامة غريب ساخراً من حقيقة فقر خالد الذكر وتعففه، وهى حقيقة ثابتة تحدث بها وعنها معاصروه، وسمعنا منهم الكثير عن زهد عبدالناصر وتعففه عن المال العام، وارتضى فقراً وهو الغنى بحب الناس، ولم يغترف من المال تحت يديه، ولم يغتن أولاده فى عصره!
يروى «حسن عباس زكى»، وزير المالية فى عهد جمال عبدالناصر، حرفياً: عندما كنت رئيساً لبنك مصر اتصل بى ذات مرة «سامى شرف»، سكرتير الرئيس جمال عبدالناصر، وطلب منى الحضور لمقابلة الرئيس.. وذهبت وأنا أرتعش وقلت لنفسى لماذا يطلب الرئيس عبدالناصر مقابلتى شخصيا؟؟!!
وعندما دخلت عليه، وهى المرة الأولى التى أقابله فى حياتى، وجدت فى عينيه بريقاً لم أره فى حياتى فى أى إنسان وله شخصية تهز من أمامه.. وقال لى: اجلس يا حسن.. فجلست وقلت له: خير يا ريس.. فقال لى: خير يا حسن.
ثم سألنى: لو موظف كبير فى الدولة أراد أن يعمل سلفة (قرض) من البنك إيه هى الإجراءات؟ فقلت له: يا ريس مين ده الموظف اللى سيادتك جايبنى هنا وبتوصى عليه شخصيا أكيد شخص يهمك؟ ففوجئت به يقول: أنا!!! قلت له: سيادتك يا ريس؟ فقال لى: أيوه مش أنا موظف فى الدولة وباخد 500 جنيه مرتب.
المهم رديت عليه: حاضر يا ريس، وحسبت له القرض طلع 7200 جنيه، فقال لى: بس أنا عاوز 10000 جنيه علشان هاجوز بنتى وفيه أشياء أخرى تحتاجها عائلتى.. فقلت له: ممكن لما يبقى الشخص مضمون نرفع مبلغ القرض، وسيادتك رئيس الجمهورية. وطلبت من جمال عبدالناصر صورة البطاقة العائلية واستمارة طلب قرض موقع منه، فأمر عبدالناصر بإحضار المطلوب من السكرتارية ثم وقّع على استمارة طلب القرض شخصياً، فأخذت الأوراق وانصرفت، وذهبت للبنك، وثانى يوم عند الظهر كانت الفلوس جاهزة، وتوجهت بها لمكتب سامى شرف.
جلست لحظات فى مكتبه، ثم فوجئنا بقدوم المشير عبدالحكيم عامر وكان يعرفنى شخصياً فقال لى: حسن زكى؟ بتعمل إيه هنا؟ فاضطررت أقول له القصة باختصار، فهاج عامر وقال لى: ناصر يستلف!! ده أنا عندى ميزانية فى الجيش مفتوحة أعطيه منها ما يريد.
ودخل عامر عند عبدالناصر وأنا واقف أنتظر ما يسفر عنه لقاؤهما، ثم أطل عبدالناصر من فتحة الباب وأشار لى وقال: تعال يا حسن.. وهنا اتضح أنه قد رفض عرض عامر له، فدخلت وأعطيته المبلغ ومعى استمارة تسلم النقدية أخذها منى ووقع عليها وسط ذهول عبدالحكيم عامر. وانصرفت بعد أن شكرنى كثيراً.
هذا هو عبدالناصر يا صديقى، عبدالناصر الذى يقترض لزواج ابنته مثل رب أسرة مصرى، يقترض بنسبة مقررة من راتبه ليجهز عفش بنته، لم يغترف من المال العام ليبنى قصورا لأولاده، ولم يشأ أن يوافق المشير عامر أن يطلب حاجته من ميزانية الجيش.. تخيلوا رئيس الجمهورية يستلف مبلغا علشان يجهز عفش بنته!!!.. مطمئناً أقول: «لقد ظلمت عبدالناصر يا أسامة»، لا عن حقيقة ذكرت، ولكن عن موقف استبطنته من الزعيم، وأخشى أن تكون السخرية حرفت القلم فكتب ما أحزن محبين كثرا للزعيم، وأنا آخرهم، فقط أنقل ما رواه الثقات عنه وهو كثير.
نقلا عن المصري اليوم