الأقباط متحدون | حول "إهداء" أربع فرق عسكرية إلى الصدريين!!
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠١:٠٣ | الخميس ١٧ مارس ٢٠١١ | ٨ برمهات ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٣٥ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

حول "إهداء" أربع فرق عسكرية إلى الصدريين!!

الخميس ١٧ مارس ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم : د. عبد الخالق حسين
لقد ورث الشعب العراقي كماً هائلاً من المشاكل والكوارث المتراكمة عبر قرون، وبشكل مكثف لما يقارب من أربعة عقود من حكم البعث الفاشي، وفي هذه الحالة لا بد من أن يمر الشعب بإرهاصات وحالة من الفوضى بعد التحرير، إذ ليس من المتوقع أن تتحقق الديمقراطية الناضجة بمجرد سقوط الفاشية البعثية، بل حتماً ترافق العملية أخطاء كثيرة وكبيرة، لأسباب أهمها: قلة الخبرة والتجربة لدى المسؤولين الجدد، وفساد الأخلاق، وتفتيت النسيج الاجتماعي، والتجهيل المتعمد من قبل النظام الساقط، إضافة إلى الإرهاب، وتكالب بعض دول الجوار عليه، وفلول البعث لإجهاض التجربة.

ولكن مع ذلك، هناك حملة مستميتة من جهات مختلفة في محاولة متعمدة لشخصنة هذه المشاكل المزمنة، وتلبيسها على شخص واحد وهو رئيس الوزراء، السيد نوري المالكي، وإعطاء انطباع بأنه هو وحده سبب كل هذه المشاكل (البطالة، والفساد، ونقص الخدمات، والماء والكهرباء..ووو.) وبمجرد إزاحته سيتحول العراق إلى جنة ديمقراطية وارفة!!. هذه النظرة فيها الكثير من التبسيط والتسطيح، إما ناتجة عن السذاجة والجهل في أحسن الأحوال، أو لأغراض كيدية في أسوأها.

لقد أكدنا مراراً أن الخراب البشري لا يمكن إصلاحه بين عشية وضحاها، وحتى ثمان سنوات هي فترة قصيرة في عمر الشعوب، فالشعوب تتعلم من أخطائها، وعن طريق النقد البناء، والتوجيه العقلاني من قبل المثقفين العقلانيين الحريصين على إنجاح العملية السياسية، ورعاية الديمقراطية الوليدة، لا بالتحريض والتخوين والتسقيط وتهييج الشعب، لكي لا يتم إجهاض التجربة الجديدة كما أجهضت ثورة 14 تموز من قبل. كما إننا لا ندعي أبداً أن الحكومة الحالية المنتخبة هي كاملة وخالية من الأخطاء، وأن الديمقراطية العراقية بلا نواقص، إذ أكدنا مراراً أن الديمقراطية لا تولد متكاملة وسوف لن تكتمل، بل هي صيرورة تراكمية مستمرة نحو التكامل.
 
مرة عممت مقالاً استلمته عبر الإيميل، كان ضد شخص قام بعمل صبياني أساء لسمعة العراق، وبعد ساعات من تعميمه وصلتني رسالة من الصديق الدكتور كاظم حبيب، ينتقدني فيها أنه رغم اختلافنا مع الشخص المقصود في المقال، ولكن مع ذلك ما كان عليَّ تعميمه، لأن هذا يدل على اتفاقي مع محتوى المقال الذي كان يفتقر إلى مصداقية. فشكرت الدكتور على نصحيته الأخوية، وكانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي عممت فيها مقالاً يخلو من مصداقية!.

مناسبة هذه المداخلة، أن الصديق الدكتور كاظم حبيب، استلم قبل أيام، وحسب قوله، خبراً ما نصه:
"لقد سلَّم المالكي قبل ثلاثة أيام قيادة أربع فرق عسكرية إلى الصدريين وكان شرطهم على المالكي أن يتسلموا قيادة الفرق التي شاركت في صولة الفرسان لضرب جيش المهدي والعصابات المرتبطة به وقد تسلم إحدى هذه الفرق المدعو قيس المحمداوي الفرقة  الثامنة في الديوانية. المالكي في خطى حثيثة لإحداث فوضى في البلاد لا أحد يعلم حدودها الكارثية." (انتهى الاقتباس).

شخصياً، أكن للدكتور كاظم حبيب كل الاحترام ورغم اختلافي معه في بعض الآراء والمواقف السياسية، فكلنا نسعى لمصلحة الشعب العراقي، ولكننا نختلف في الأساليب. ولكونه أستاذ جامعي، فالمفترض به أن يذكر لنا المصدر الذي استقى منه الخبر، وذلك حرصاً على مصداقيته، ومنهجيته العلمية في البحث، لذلك استغربت أنه لم يكتف بتعميم خبر خطير جداً في محتواه، وبلا سند، بل حوله إلى مقال بعنوان: (ماذا يراد للعراق؟) مع ذكر نص الخبر، وذلك لتعميمه على أوسع نطاق. والغرض واضح من نشر الخبر وتعليق الكاتب.

تزامن نشر هذا المقال مع خبر آخر تم توزيعه على القراء مع دعوة: (أنشروها رحم الله والديكم....وحتى كلشى يبقى بذاكرتنا..)، ومفاده أن مجلس إدارة (فندق سفير السيدة زينب) في سوريا أقال في يوم واحد جميع الكادر العراقي البالغ عددهم 31 شخصاً يعملون في الفندق، واكتشفوا أن السبب هو أن ابن المالكي أحمد (18 سنة) اشترى الفندق بـ 35 مليون دولار، وشرطه على المالك الأول أن يطرد الكادر العراقي!! ويحل محلهم عمال إيرانيين وسوريين وبنغاليين (كذا). ورسالة أخرى بعنوان: (هل تعلم ماذا يملك احمد نوري المالكي) حافلة بالتحريض، والادعاء أن ابن المالكي يمتلك شبكة واسعة من الفنادق الضخمة في أنحاء مختلفة من العالم!!

وبدوري قمت بالاستفسار عن صحة هذه الأخبار، وتبين لي عدم صحتها بالمرة. وإذا صح الخبر الأول الذي ساقه لنا الدكتور كاظم حبيب، فهذا يدل على أن السيد المالكي فقد عقله، ومقدم على انتحار ينفذه له الصدريون!!
وليس صعباً تفنيد هذا الخبر الذي ساقه لنا السيد كاظم، وبمحاجة عقلية. لقد صور لنا السيد كاظم الفرق العسكرية الأربع وكأنها بضائع اشتراها المالكي من إحدى الأسواق وقدمها هدية للسيد مقتدى الصدر لقاء دعمه لحكومته، وليست قوات مسلحة مؤلفة من عشرات الألوف من الضباط والجنود والمعدات!!. أما الخبر الثاني (فندق سفير السيدة زينب) فقد استفسرت عنه من عدد من أصدقاء متابعين للشأن العراقي، فكان خلاصة أقوالهم بأنهم قرؤوا هذا الخبر قبل عام، وهو عار عن الصحة، وقال أحدهم أنه يعرف عائلة المالكي، وهم لا يملكون أي شيء في سوريا أو في الغرب.

وقبل عام نشر "تقرير" على مواقع الانترنت أنه تم اعتقال صهر المالكي في مطار دبي وبحوزته قطع أثرية ثمينة مسروقة من المتحف العراقي!. وتقرير آخر نشر إثناء زيارة المالكي إلى واشنطن مفاده أن الصهر الثاني للمالكي، صفع سفيرنا في مكتب السيد جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي. وما كان من البعض، وبينهم عدد من ذوي النوايا الحسنة، إلا وقاموا بنشر هذه التقارير على مواقعهم وتوزيعها عن طريق الإيميلات على أوسع نطاق. وقد أثبت الزمن بطلانها.

وقد كتبنا في وقتها مقالاً عنوانه: (تجيير الأخيار لخدمة الأشرار)، حذرنا فيه الناس الطبيين من الفخ الذي نصبه لهم أعداء العراق. فاتهمنا عدد منهم بأننا صرنا في جيب المالكي، وندافع عنه منذ زيارتنا القصيرة (أربعة أيام) إلى بغداد أواخر عام 2009، وبذلك فقد "تخلينا عن ثوابتنا الوطنية" على حد قول أحدهم.
إن حملة نشر أخبار مفبركة ضد المالكي وأفراد من عائلته هي ليست جديدة، بل هي حملة متواصلة في مواقع الانترنت، ولكنها تصاعدت إثناء التحضير للتظاهرات الاحتجاجية الأخيرة، وتصاعدت أكثر بعد مطالبة الحكومة للحزب الشيوعي العراقي وحزب الأمة بإخلاء المباني الحكومية التي تشغلها منذ سقوط حكم البعث عام 2003. وقد نشرنا مقالاً بهذا الخصوص (تضامنا مع الحزب الشيوعي) انتقدنا فيه الحكومة، وقلنا أنه كان عليها التريث حتى يستعيد الحزب ممتلكاته التي صادرها حكم البعث المقبور.
وقد وصلني بيان صادر من مكتب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ما نصه: يكفل الدستور نشاط جميع الأحزاب السياسية، وما نقل عن حظر نشاط الحزب الشيوعي العراقي لا أساس له من الصحة، وان وزارة الدفاع  طالبت منذ عدة اشهر وبالطرق القانونية استعادة جميع المباني العائدة إليها ومن بينها المبنى الذي يشغله الحزب الشيوعي . http://www.pmo.iq/ArticleShow.aspx?ID=119

وكنا نأمل وضع حد لحملة التصعيد. ولكن مع الأسف استمرت الحملة، وليس هناك أية علامة تشير على التخفيف من حدتها، الأمر الذي نعتقد أنه يضر بمصلحة الجميع، ويفسح المجال لأعداء العراق بالتصيد بالماء العكر.

من المؤسف القول، أن العنف، وبالأخص في أوساط المثقفين أصبح سمة عراقية بامتياز. فقد قرأنا في السبعينات أن التقى عدد من الأدباء العراقيين في إحدى مقاهي بغداد، يتجادلون حول قضية أدبية بحتة، انتهى الجدال بالضرب بالكراسي! إن الاختلاف في المواقف والآراء السياسية والفكرية مسألة طبيعية، والمفروض بنا كمثقفين أن نؤمن بحق التعددية في الرأي والمعتقدات، وأن نتعامل مع الاختلاف بروح رياضية بعيدة عن التخوين والتسقيط والتحريض. ولكن الملاحظ  مع الأسف، أن هناك البعض يصر على امتلاك الحقيقة المطلقة، وإلغاء كل من يختلف عنه في الرأي والآيديولوجيا، بل وحتى اتهامه بالردة والوقوف ضد مصلحة الشعب. وهذا ما قاله عني السيد داود أمين، في مقال له بعنوان: (بدأت الردة !!! قراءة في تأملات الدكتور عبد الخالق حسين)، وليختتم مقاله بالقول: "أما الدكتور عبد الخالق حسين، فلا زال لدي أمل، أن يعود كما كان في السابق، كاتباً وطنياً لشعبه ولوطنه وللخيرين فيهما، وأن يكون موضوعياً ولا ينحاز لأحد، مهما علا قدره أو كبُرت مكانته، دون تمحص وتدقيق." وهذا يعني أني الآن لست كاتباً وطنياً لشعبي ووطني وللخيرين فيهما، ولست موضوعياً!! إلى أن أنضم إلى تلك الجماعة التي يرضى عنها السيد داود أمين! وإنا لله وإنا إليه راجعون!!
 
أؤكد مرة أخرى إني لم ولن أدافع عن السيد نوري المالكي، ولا عن حكومته الحالية أو السابقة، ولكني في نفس الوقت، لا يمكن أن أتقبل أو أصدق افتراءات أو مقالات وتقارير لا يقبلها العقل السليم، إذ كما تفيد الحكمة: "حدث العاقل بما لا يليق، فإن صدق فلا عقل له". فإذا ما كتبنا ضد مقالات وتقارير مبنية على الكذب ولن يقبلها العقل السليم، فإننا ندافع عن عقولنا وليس عن المفترى عليهم فقط، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، وحبل الكذب قصير، ولا بد أن تنكشف الحقائق، وبالتالي سوف يفقد الكتاب الذين خدعونا مصداقيتهم. وهذا الكلام ليس موجهاً لأعداء العراق الجديد من البعثيين وحلفائهم أتباع القاعدة، فهؤلاء الكذب ديدنهم، وهدفهم حرق العراق وشعارهم (عليَّ وعلى أعدائي يا رب... وليكن من بعدي الطوفان"، ولكن كلامنا هذا موجه إلى الحريصين على إنجاح العملية السياسية والديمقراطية، لنقول لهم أن إصلاح الوضع لا يتم عن طريق نشر الأكاذيب وفبركة تقارير ضد الحكومة ورئيسها، بل من خلال النقد البناء، وكشف الأخطاء الحقيقية، ووضع البديل الصحيح لها.

قالوا لنا أنهم بحملتهم الاحتجاجية ضد الحكومة لم يقصدوا إسقاط النظام بل إصلاحه. وجوابي هو أنه هذا هو هدفنا جميعاً، ولكن الحملة الشرسة الموجهة ضد المالكي، والحكومة والبرلمان، بل وحتى الانتخابات وتجريدها من كل مصداقية والاستعداء على هؤلاء جميعاً، كلها أدلة على تهيئة الأجواء لإسقاط النظام وإجهاض الديمقراطية وليس إصلاحهما، إذ كما جاء في مقال السيد إبراهيم الزبيدي الموسوم: (العملية السياسية فاشلة كلها، ولا تصلح لترقيع ) فقد قال كل ما هو المطلوب من هذه الحملة، حيث وصف الكاتب السيد المالكي والأجهزة الأمنية بأنها أسوأ من نظام صدام حسين والقذافي، إذ قال ما نصه: " نعرب عن تقديرنا البالغ لظروف المتظاهرين العراقيين الشرفاء، وتفهمنا الأكيد لحساسية أوضاعهم في مواجهة تحفز حكومي جاهز للتنكيل بهم، بأكثر مما فعل القذافي بشعبه، إذا تجاوزت التظاهرات حدودها التي يمكن أن يتحملها السيد نوري المالكي وأجهزته الأمنية التي أثبتت أنها لا تقل همجية ودموية عن أجهزة الراحل أبي عدي، ولا عن كتائب القذافي عند الضرورة."

ونحن إذ نسأل، هل القصد من حملة التصعيد الضارية هذه هو إصلاح النظام أم إسقاطه؟ فإذا كان القصد هو الإصلاح، فالإصلاح لا يتم بهذه الطريقة التحريضية، وإرباك الوضع، ونشر الأضاليل الباطلة، بل بالنقد البناء، ومن بينها التظاهرات السلمية. وإذا ما تم لهم إسقاط النظام الحالي بدلاً من إصلاحه، فهذا يعني العودة إلى المربع الأول، ونعيد مآسي الثمان سنوات الماضية من البداية... وهكذا.

إن الذين يحرضون على إسقاط النظام الديمقراطي، فإنهم ينفذون اقترحاً قدمه أحد المنظرين الأمريكان من خصوم الرئيس جورج دلبيو بوش، وأعداء الديمقراطية في العراق، إذ قال إن أفضل طريقة لحل المشكلة العراقية هي أن ندفع العراق إلى حرب أهلية كاسحة، تتقاتل فيها جميع مكونات الشعب العراقي، إلى أن تتغلب واحدة منها وأقواها، فتخضع جميع المكونات الأخرى لهيمنتها بالقوة الغاشمة. يعني العودة إلى ما قبل 2003. هل هذا ما يريده السادة من أصحاب حملة التسقيط والتخوين والتحريض؟

وبالعودة إلى الدكتور كاظم حبيب، فقد أثار قبل سنوات سجالاً معي حول نقطة خلافية، استغرق عدة مقالات، وقد نسب لي في إحداها أقوالاً لم أقلها. ولما عاتبه، أجاب قائلاً أنه قال ذلك من باب المجاز وليس الحقيقة!! ولا أدري هل هذا "النبأ العظيم" حول تسليم المالكي أربع فرق عسكرية للتيار الصدري هو الآخر من باب المجاز!! وهل يجوز لأستاذ جامعي، قضى معظم حياته الأكاديمية في الغرب أن يكيل الاتهامات لمن يختلف معهم، وإذا أثبتنا عدم مصداقيتها فيجيبنا بالقول أنه  كان يقصد مجازاً؟

نعم إن الشعب العراقي يواجه مشاكل كثيرة وكبيرة ومؤلمة، ولكن هذه المشاكل لا تحل عن طريق كيل الافتراءات، والشتائم، والأكاذيب، وتضليل الشعب، وإرباك الحكومة، وإلغاء المؤسسات الديمقراطية، كما يدعو لها البعض، بل عن طريق النقد البناء المسؤول.

قال نيتشة: «ما هزني ليس انك كذبت عليّْ، بل إنني لم اعد أصدقك».




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :