بين دولة "خربستان " ودولة " عربستان " مشوار صعب
مدحت بشاي
٥٠:
١١
ص +02:00 EET
الأحد ٦ اغسطس ٢٠١٧
مدحت بشاي
لقد جاء في مجلة الاثنين والدنيا في عدد مايو 1947 تحت عنوان " إبراهيم باشا أول من فكر في الوحدة العربية " أن محمد علي باشا وابنه إبراهيم قد فكرا في ضم الأقطار العربية التابعة للسلطنة العثمانية في ذلك الوقت ، في دولة واحدة أو في اتحاد تكون مصر على رأسه ، وتولى إبراهيم تنفيذ الفكرة بقوة السلاح ..
وتستطرد المجلة فتصف إبراهيم باشا أنه الفاتح العظيم أول من فاه بكلمتي " الوحدة العربية " في أحاديثه مع الأمير بشير الشهابي وغيره من الأمراء والحكام الذين انضموا تحت لوائه في حملته المشهورة من سنة 1832 إلى سنة 1841 .. وبعد معركة قونية في أواخر عام 1832 كتب محمد علي إلى إبراهيم يقول : إن عليه أن يتوقف عن الزحف عندما يبلغ حدود الأقاليم " التي يتكلم أهلها اللسان العربي " ومعنى هذا الأمر واضح جلي ، فمحمد علي كان يطمع في فتح الأقاليم العربية الواقعة على البحر المتوسط بعد ما تمت السيطرة على الأقاليم الواقعة في الجزيرة العربية كنجد والحجاز وكان يسمي ابنه " سر عسكر الجيش العربي " .. وكانت النية منصرفة إلى إنشاء كتلة تضم سيناء ، وفلسطين وسوريا إلى نهر الفرات ، وجبال طوروس وجزءاً من كيليكيا ، ثم الحجاز وجزءاً كبيراً من الجزيرة العربية إلى تخوم اليمن جنوباً ، وقلب نجد شرقاً بحيث تؤلف من ذلك كله دولة " عربستان " المنشودة وتتم به " الوحدة العربية " ..
وينهي محرر المجلة هذا العرض قائلاً " هذه لمحة عاجلة ، للتاريخ والذكرى ، أردنا بها أن نعيد إلى الأذهان ذلك المشروع العظيم الذي بدأه إبراهيم باشا لتحقيق الوحدة العربية ، وإنشاء دولة عربية كبرى ، منذ أكثر من قرن كامل ..
ماذا بعد مرور أكثر من قرن ونصف القرن على الحلم بدولة عربستان وهو الحلم الوحيد الذي استعصى تحقيقه على محمد علي ومن خلفوه رغم العديد من إنجازاتهم التي كانت تُعد أحلاماً عند التفكير فيها في زمانهم ؟! ..
إن إعادة سيرة الوحدة العربية ليس لاجترارالأحلام الحزينة ، فأنا لست من المؤمنين بجدوى تحقيقها واعتبرها من المستحيلات ، وأنه لابد من تجاوز هذا الطرح وبشكل خاص على المستوى السياسي بعد أن حققت مؤامرة " الربيع العربي " الكثير من أهدافها في تفتيت قوى دول المنطقة عبر حروب بينية وأهلية ودينية .. لكن لا شك أن هناك أهمية لإعادة النظر إلى الواقع العربي بشكل أكثر موضوعية دون ضوضاء وجلبة شعاراتية تتحدث عن التاريخ التليد والجغرافيا المترابطة واللغة المشتركة والمناخ العليل ، فهي كلها أمور لا يمكن وحدها أن تصنع مستقبل نأمله لشعوب هذه المنطقة ولا تمثل شروطاً أو مؤهلات لصناعة وحدة ، بدليل واضح نراه متمثلاً في تجربة الاتحاد الأوروبي مجموعة من الدول لا يجمع شعوبها لغة أو ثقافة أو تاريخ ، حتى التماسك والتجمع الجغرافي المتاح في المنطقة العربية ، ومع ذلك نجح الاتحاد الأوروبي في الوصول إلى صيغة اتحادية تعاونية في تحقيق كافة مصالح دول الاتحاد في تزاوج رائع لتحقيق المصالح القطرية والمصالح الكلية للقارة الأوروبية التي تضيف عوامل القوة والبأس لكل أعضاء الاتحاد..
العرب مصرون على عدم قراءة الواقع من خلال تصور أننا أمة واحدة ونحن في الحقيقة لسنا أمة واحدة ولكن شعوب توجد بينها رابطة ثقافية وتاريخية وجغرافية فقط ، ولايمكن تجاهل هذا الرابط الثقافي واستثماره ..
العرب عليهم أن يعملوا على التقارب الثقافي بدلا من الانشغال بأمر التقارب السياسي المستحيل ، وأن يحاولوا تفعيل الترابط الاقتصادي ، و دعوة كل من يؤمنون بالحداثة والعلم والمدنية والإنسانية أن يعملوا معاً لصالح هذه الأمة ، وأن نترك مجانين الشعارات الفلكلورية وحدهم إما لمصيرالضياع المحتوم ، وإما إلى مشاهد ضياع رأينا بعضها بالأمس القريب ، حيث فكرة التلاحم الوهمي الكاذب مع أفكار تجاوزها الواقع الإنساني حدوتة ملتوتة وبايخة وكمان خطيرة ..
إن المواطن العربي يأمل أن يأتي اليوم الذي يتفق فيه القادة العرب على أن يتم في كل اجتماع سنوي لهم على مشروع عربي تنموي واحد على الأقل ويكون قابل للتنفيذ الفوري دون تحويلها للجان تعاون وإجراءات بروتوكولية تعوقها .. والمشاريع المأمول طرحها كثيرة في مجال الاتصالات والبحث العلمي والاستفادة بأوراق الخريطة الاستثمارية التي أعدها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية وغيرها ..
إن الغذاء ــ على سبيل المثال ــ يُعد من أهم المشاكل وأكبرها التي تواجه العالم العربي ، بالإضافة لمشكلة كبرى أيضاً هي البطالة .. الحقيقة أن الزيادة السكانية بمعدل 2.4% في العام بينما إنتاج العرب من المواد الغذائية لا يتزايد بشكل يغطي هذه الزيادة نشأ عنه فجوة غذائية هائلة تُقدر قيمتها 16 مليار دولار ، لابد من الاهتمام بمشاكل الاستثمار في مجال الزراعة وبشكل خاص في الأقطار التي يمكن فيها الاهتمام بالاستثمار الزراعي وتُعد واعدة..
على العرب أن يدركوا أن عدوهم الأول في الداخل وليس خارجهم .. عدوهم الأول هو التخلف بكل ما يعنيه تعريف التخلف في التعليم والثقافة والفعل السياسي ..إن إنشغال العرب بنظرية المؤامرة يساهم في ضياع الوقت والجهد وكل فرص التقدم .. التقدم يصنعه العلم والإدارة وهم يفتقدون تلك المعطيات ولديهم فقط تعبيرعاطفي وجداني جامح وجانح وهذا لا يكفي .. لانود الحلم بدولة " عربستان " ولا انتظار أن تتحول منطقتنا إلى دولة " خربستان "بعد إهدار كل فرص الإصلاح ..