الأقباط متحدون | عقلية المتحرش.. وثقافة النار والبنزين
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٩:٥٣ | الأحد ٢٠ مارس ٢٠١١ | ١١ برمهات ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٣٨ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

عقلية المتحرش.. وثقافة النار والبنزين

الأحد ٢٠ مارس ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: إبرام رأفت
من منطلق إرادتي الصادقة في أن أكون إيجابياً، وشعوري بالمسئولية تجاه هذا البلد الذي تركه الفاسدون – سامحهم الله – يصاب بكل أنواع الأمراض المجتمعية القادرة على هدم المجتمعات وتخلفها، عاهدت نفسي وعاهدت الله أن أبذل ما في استطاعتي – ولو كان بسيطاً – للمشاركة في إعادة بناء هذا المجتمع.

ولو أخذت في سرد الأمراض المجتمعية الخطيرة من فقر وجهل وتحرش وبطالة وعنوسة وبلطجة وتطرف وفتنة طائفية وغيرها لاستطعت أن أكتب مقالي كله في سردها فقط. ولكني آثرت أن أخصص مقالي هذا للقضية التي تؤلمني شخصياً كلما قررت أن ألقي بنفسي إلى التهلكة وأنزل إلى الشارع الذي أصبح في السنوات الأخيرة بمثابة مسرح لعرض فنون الفساد الأخلاقي بكل أنواعه. ومن دراستي للطب لسنوات، تعلمت أن التشخيص الصحيح هو بداية العلاج الصحيح. وأن الطبيب الفاشل هو من يعطي مريضه علاجاً لأعراض المرض ولا يستطيع التوصل للسبب الذي أدى إلى تلك الأعراض واستئصاله. ولهذا قررت أن أجتهد في إيجاد السبب الرئيسي وراء التحرش الذي استشرى في شوارعنا وأصبح ظاهرة، ولا أكتفي بمحاولة حجب الأعراض فقط.

أثناء سيري في الشارع في أحد الأيام، لاحظت شاباً يرسل بتعليقات لشابة أثناء صعودها للتاكسي. ولأنني كما ذكرت أريد أن أكون إيجابياً، توجهت لذلك الشاب لأتحدث معه لأوضح له أن ما يفعله يتنافى مع الأخلاق ومع التدين الذي ينغمس مجتمعنا فيه للثمالة. فكان رده بكل بجاحة: (وأنت مالك، أنا عايز أعمل كدة، والبنات بتتبسط من كدة). لم يكن أمامي خياراً كانسان يود أن يكون متحضراً إلا أن تمالكت أعصابي من رده الذي يعكس بجاحة شديدة وانحدار أخلاقي كبير بل وجهل شديد بطبيعة البنات وقلت له: (زي ما أنت سمعتها كلام هي مش عايزة تسمعه، سيبني أسمعك كلام أنت مش عايز تسمعه). وانتهى الموقف، ولكنه بالنسبة لي كان بداية لتفكير طويل ومحاولة لفهم عقلية المتحرش، وطريقة تفكيره التي ترى في المرأة ملكاً مشاعاً له ولغيره من الرجال من حقه استعمالها في الوقت الذي يريده وبدون إذن منها وبالطريقة التي تحلو له لإشباع هوسه الجنسي.

وأثناء تفكيري الذي امتد لفترات طويلة، قفذ إلى ذهني الحل لقضية التحرش كما طرحه بعض الذين يعشقون علاج أعراض المرض وترك السبب الرئيسي له مستشرياً. فتذكرت الجملة الشهيرة التي يرددها الجميع: (ليه نحط النار جنب البنزين؟!). وحينها أيقنت أنني بدأت في التوصل للسبب الرئيسي للمرض، ألا وهو ثقافة النار والبنزين.

فالثقافة التي تصنع من الرجل بابور جنسي جاهز للاشتعال بمجرد اشتمامه لرائحة النار المتمثلة في أي امرأة، هي السبب الرئيسي في صنع العقلية المستبيحة للمتحرش. والثقافة التي تنظر للمرأة على إنها مجرد جسد مثير للشهوة وصانع للفتنة، هي من تعطيه الحق للاستباحة. والثقافة التي تنادي بإبعاد النار عن البنزين هي السبب الرئيسي في تغذية وإنماء تلك الفكرة. فإبعاد البنزين عن النار ليس الحل، لأنه في النهاية سيظل البنزين بنزيناً قابل للاشتعال في أية لحظة، وستظل النار ناراً تلهب البنزين بمجرد أن يشتم رائحتها. بل الحل في تغيير جوهر الإنسان وأفكاره بحيث لا يصبح هنالك لا نار ولا بنزين.

وكم قضينا من سنوات – بل قل عقود – نطبق بكل حرفية ثقافة إبعاد النار عن البنزين. تارة بفصل الأولاد والبنات في المدارس، وتارة أخرى بتنقيب المرأة وإخفائها عن الأنظار العامة في الشارع، ثم بالخجل من ذكر اسمها (يعلم تماماً من تربى في ثقافة شعبية مدى العار الذي يصيب الرجل إذا تم معرفة اسم أمه) وإطلاق مسميات عجيبة عليها كالحكومة والجماعة وغيرها، وسجنها في المنزل. وخذ في جعبتك ما تستطيع من تبكيت (وبهدلة) أي بنت تحاول التكلم مع ولد، وحدث ولا حرج عن كم الممارسات التمييزية والعنصرية ضد المرأة ليس لأي ذنب ارتكبته إلا لأنه قدر لها أن تحوي كروموسوماتها جينين من النوع (إكس) بدلاً من (إكس واي) في ثقافة ذكورية عفا عليها الزمن.

ولكن ماذا جنينا على مر السنين من رعاية تلك الفكرة وذلك الخوف الهستيري من الاختلاط الطاهر النقي بين الجنسين؟ لم نجن منها إلا أن يشتاق البنزين أكثر وأكثر لاشتمام رائحة النار إلى أن وصل لمرحلة البحث عنها وإلقاء سخافته عليها ليطفئ ظمأه وهوسه بها. وصلنا لشباب على جهل تام بطبيعة ذلك الكائن الغريب المسمى امرأة، وشابات على جهل تام بذلك الكائن الغريب المسمى رجل. وصلنا لعقلية ذكر تختلف تمام الاختلاف عن عقلية الأنثى. ثم وفجأة نطلب منهما المستحيل بالزواج والتعايش معاً ولأول مرة رغم عدم احتكاكهما من قبل. ثم نبدأ في مرحلة أخرى من جني ثمار إبعاد النار عن البنزين وهي استحالة التفاهم بين الرجل والمرأة وتفشي المشاكل الأسرية والعنف الأسري التي قد تصل إلى الطلاق، ثم جيل جديد من الأبناء شاهد بأم عينه استحالة التناغم بين الرجل والمرأة فكره الجنس الآخر وانعزل أكثر وأكثر برعاية أب وأم مشوهين نفسياً، فمزيد من الاختلاف وعدم التوافق، وهكذا تستمر الدائرة المغلقة إلى ما لا نهاية. لتصبح معدلات الطلاق والتحرش في بلادنا العزيزة في أعلى نسبها عالمياً.

ولكن في المقابل ماذا جنت المجتمعات الراقية (التي أسميناها فاجرة) من استبدال فكرة فصل النار عن البنزين بتغيير طبيعة النار والبنزين؟ أرى – وذلك رأيي – أن تلك المجتمعات جنت ثمار التقدم والرقي والحضارة والإنسانية لتصبح سيدة العالم كله (لا أتحدث عن حكومات بل عن شعوب). تلك المجتمعات فهمت أن تربية الأولاد مع البنات منذ الصغر في مساواة تامة وكاملة ينسف كل هوس جنسي. تلك المجتمعات علمت الأطفال في كتب العلوم أن الجهاز التناسلي لا يختلف عن الجهاز الهضمي إلا في وظيفته الحيوية، فجميعها خلقها الله لاستمرار حياة الإنسان. فلم يصبح الرجل في نظرهم بابور جنسي ملئ بالبنزين متلهفاً من يشعله، ولم تصبح المرأة بالنسبة لهم جسد ناري يلهب نتاج سنوات من الكبت والفصل والعزل والتشويه النفسي. أصبحوا مجتمعات تفهم معنى الإنسان – ذكراً وأنثى – وحقوقه لتنتقل بالبشرية إلى عصر جديد سطره التاريخ بحروف من نور وهو عصر حقوق الإنسان. ولكن للأسف مازلنا نتمسك بنظرية النار والبنزين لتزداد الفجوة بيننا وبين عقلية إنسان القرن الحادي والعشرين، لنصل في النهاية إلى درجة الفشل الذريع في مجرد فهم عقلية ذلك الإنسان الراقي المتحضر. ولتبرير فشلنا تفننا في طمس الحقائق وقلب المفاهيم ووصف ذلك الإنسان بالفاجر السافر الداعر لنصبح أمة ضحكت من جهلها الأمم




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :