بقلم: حامد الحمداني
 يسود المواطن العراقي حالة من القلق الشديد بسبب تصاعد موجة التفجيرات للسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والعبوات المزروعة في الشوارع والطرق، وعمليات القتل والاختطاف، هذه العمليات الإجرامية التي عانى منها الشعب العراقي خلال السنوات السابقة التي أعقبت سقوط نظام صدام واحتلال العراق، من الويلات والمصائب ما يعجز القلم عن وصفها. كما أن العلاقات القائمة حالياً بين حكومة المركز وحكومة إقليم كردستان العراق يسودها التوتر وانعدام الثقة، جراء الخطوات التي اتخذتها حكومة الإقليم، والمتعلقة بتواجد قوات البيشمركة في العديد من المناطق التي أطلقت عليها القيادة الكردية بالمناطق المتنازع عليها في محافظات الموصل وكركوك وديالى وميسان، وقد أوشكت الوصول إلى حالة الاصطدام مع قوات الجيش،

وما زالت الخلافات تتعمق بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، ولاسيما بعد أن عقدت حكومة الإقليم اتفاقيات مع العديد من شركات النفط الأجنبية لاستخراج واستثمار النفط من دون موافقة الحكومة المركزية، وخلافاً للدستور، وزاد من تلك الشكوك وعدم الثقة لدى الحكومة المركزية الأخبار التي أكدت على شراء حكومة الإقليم للأسلحة في مخالفة ثانية للدستور الذي ينص على شراء السلاح من قبل الحكومة المركزية دون غيرها. وجاءت تهديدات رئيس الإقليم مسعود البار زاني بأن الحرب الأهلية ستندلع من هنا في كردستان إذا لم تعد إلينا كركوك، وتبعتها تصريحات نجرفان بارزاني رئيس وزراء الإقليم تارة بالتهديد بالقوة وتارة أخرى بالانفصال لتزيد في عمق الخلافات بين حكومة المركز وحكومة الإقليم، وبات الإقليم دولة مستقلة بكل مقومات الدولة ولم يبق سوى الإعلان الرسمي للانفصال عندما يتهيأ الوقت المناسب لإعلانها. وفي المحافظات الجنوبية تتصاعد عمليات تهريب الأسلحة من إيران من قبل ميليشيات أحزاب الإسلام السياسي الشيعية استعدادا لرحيل القوات الأمريكية من داخل المدن، وانسحاب أغلبية القوات من العراق خلال العام القادم، وقد استطاعت القوات العراقية والأمريكية تتبع هذه الميليشيات والاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة الإيرانية الحديثة الصنع، مما يهدد بعودة العنف الذي ساد الشارع العراقي خلال السنوات الماضية، والذي أدى إلى إزهاق أرواح مئات الألوف من المواطنين الأبرياء وتهجير الملايين من بيوتهم ومدنهم هرباً من عصابات القتل.
 
ومن حق الحكومة المركزية أن ينتابها شعور بالقلق والريبة إزاء سياسة التسلح السري التي تتبعها القيادة الكردية من خلال عقد صفقات أسلحة مع دول أجنبية، وبالأخص بعض الدول الأوربية الشرقية، وعن طريق تجار الأسلحة الدوليين، ولاسيما بعد الخبر الذي نشرته قبل عدة أشهر صحيفة [ واشنطن بوسط ] الأمريكية والذي تضمن معلومات استمدتها من ثلاثة مسؤولين أمريكيين كشفوا لها أن القادة الكرد قد تسلموا في أيلول الماضي شحنات سلاح تم استيرادها من بلغاريا، وأن تلك الصفقة قد تمت خارج ضوابط شراء السلاح التي تتولاها حصريا الحكومة العراقية، ومن دون علمها بالأمر، والذي أثار قلق المسؤولين الأمريكيين لحجم كميات السلاح ولتوقيت شحنها، وللأوضاع السياسية القلقة التي يمر بها العراق، والتي تتسم في جانب منها بحساسية لدى

الحكومة العراقية تجاه سياسات القيادة الكردية التي تجري بعيدا عن سلطة الحكومة المركزية، وأحكام الدستور الذي يضبط العلاقة بين الإقليم والمركز. .
وأضافت الصحيفة نقلا عن المسؤولين الأمريكيين الثلاثة أن ثلاث طائرات عسكرية من طراز C-130 وصلت إلى مدينة السليمانية في شهر أيلول سبتمبر الماضي وعلى متنها حمولات من الأسلحة التي تم استيرادها من بلغاريا، وقد أحيط وصول شحنات الأسلحة بالسرية التامة، وتكتم المسؤولون الأكراد عليها. . وتضيف الصحيفة قائلة أن القادة الكرد رفضوا الإجابة الصريحة على الأسئلة التي وجهتها لهم الصحيفة بشأن هذه الشحنات، إلا أنهم أرسلوا بيانا أوضحوا فيه أن حكومة إقليم كردستان ما زالت في صدارة الحرب على الإرهاب في العراق!،

ومع تواصل هذا التهديد ليس هنالك في الدستور ما يمنع من حصولها على تجهيزات دفاعية!! . وقد ردت وزارة الدفاع العراقية، المسؤولة حصرياً عن تسليح الجيش العراقي، قائلةً أن القيادة الكردية تدعي انتماء قوات البيشمركة للجيش العراقي لكنهم يعملون بالسر لبناء جيش منفصل، وتسليحه بعيدا عن سلطة وزارة الدفاع، وهو سلوك انفصالي واضح، من هذا يمكن فهم لماذا يصر القادة الكرد على عدم إخضاع البيشمركة لسلطة وزارة الدفاع، وفي نفس الوقت يطالبون بميزانية لميليشاتهم من ميزانية العراق. كما يمكن فهم لماذا احتج الأكراد على مشروع شراء الطائرات القتالية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع العراقية، وتساءل المراقبون لماذا يتسلح الأكراد بالسر، ويشترون السلاح من ميزانية الدولة العراقية، وفي نفس الوقت يحتجون، ويرفضون قيام وزارة الدفاع العراقية بتعزيز قدرات الجيش القتالية؟ كما أن وزير الداخلية العراقي جواد البولاني، كان قد رد عبر صحيفة [واشنطن بوسط] أن مثل هذه الصفقة تشكل خرقا للدستور، و للقانون العراقي، لان وزارتي الداخلية والدفاع لهما الحق حصريا في استيراد الأسلحة. . و تقترن مخاوف المسؤولين العراقيين من التسلح الكردي الذي يجري بسرية مع شكوك بأن حصة الأكراد من ميزانية الدولة والتي تبلغ 17% من الميزانية ينفق جزء كبير منها على شراء السلاح بدلا من أنفاقها على التنمية والخدمات في منطقة كردستان. كما تشير الشكوك أيضا إلى أن سياسة القيادة الكردية المتشددة، والتي تتسم بالتهديدات بين حين وآخر فيما يخص مدينة كركوك الغنية بالنفطِ، وما يسمى بالمناطق المتنازع عليها في الموصل وديالى والتي يطمحون بالسيطرة عليها، وقد يكون هذا التوسع الكردي في التسلح له علاقة بهذا الطموح، ولا أخال أن التسلح الكردي يستهدف محاربة جيرانها تركيا أو إيران. .

ورغم أن صحيفة الواشنطن بوسط قالت أن المسؤولين الأمريكيين أظهروا عدم علمهم بصفقات السلاح التي يقوم بها الأكراد مع جهات خارجية، غير أن المراقبين يعتقدون أن هذا النفي الأمريكي هو لدرء الحرج الذي يسببه سكوتهم على القيادة الكردية. كما أنهم تستروا على استيلاء قوات البيشمركة على أسلحة الفيالق العراقية الثلاث التي كانت تحيط بالمنطقة الكردية، والتي ألقت سلاحها بعد احتلال القوات الأمريكية للعاصمة بغداد، والتي ضمت كميات ضخمة من الأسلحة الثقيلة بينها مئات الدبابات والمدفعية وحتى الطائرات السمتية، وأكداس هائلة من الأسلحة الخفيفة. وليست المخاطر التي تهدد الاستقرار الهش في العراق تأتي من الجانب الكردي فقط ، بل أن هناك مخاطر حقيقية من اندلاع الصراع المسلح من جديد بين أحزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنية، بالإضافة إلى عناصر حزب البعث والقاعدة التي بدأت تنشط من جديد ، والكل ينتظر إكمال الانسحاب الأمريكي من العراق لملئ الفراغ الذي يحلمون به، ولاسيما بعد انتخاب [باراك أُوباما] رئيساً للولايات المتحدة ، وعزمه على تنفيذ وعوده الانتخابية بسحب القوات الأمريكية من العراق، وما زال الرئيس الأمريكي اوباما يتحدث عن الانسحاب، مع إبقاء قوة عسكرية أمريكية صغيرة قد لا يتجاوز عددها 35 ألف ضابط وجندي.

كما صرح الجنرال [ريموند اوديرنو] القائد الأمريكي الأعلى في العراق، انه يرغب في مكوث حوالي 30 ـ 35 ألف جندي في العراق لغاية 2014 ـ2015. . ويخشى الكثير من الخبراء أن يتفاقم توجه العراقيين نحو العنف مع انسحاب القوات الأمريكية. ففي أيلول 2008 تنبأ جون ماكرري، وهو محلل مخضرم في وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية بأن الإجراءات التي تفرضها الحكومة الأمريكية، على الطوائف العراقية ينبغي أن تقلقنا لأكثر من سبب: أولا: لأنها تنتج ما يشبه السلام، لكنه ليس سلاما. ثانيا: إن أحد الطوائف في مثل هذا الوضع لا بد أن يحاول الخروج على هذه الإجراءات، لان المشاركة في النفوذ تصلح دائما كمقدمة للعنف، حسب رأيه. .

إن الكثير من المطلعين على الوضع في العراق يتوقعون حربا أهلية على نطاق واسع في السنوات المقبلة، ويقول أحد القادة العسكريين الأمريكيين لم يشأ ذكر اسمه: {لا اعتقد أن حرب العراق الأهلية قد وقعت بعد، وهناك آخرون يعتقدون أن العراق ينزلق باتجاه استيلاء عسكري على مقاليد الأمور}. ويشير [ديفيد كيلكولين]، الخبير في مكافحة الإرهاب إلى أن الشروط التقليدية للانقلاب العسكري تنمو في العراق. فهناك نخبة سياسية معزولة عن الشعب تعيش داخل المنطقة الخضراء، في حين ينتشر الجيش العراقي خارج جدران تلك المنطقة، ويزداد قوة واقترابا من الشعب عن طريق التعامل معهم، ومحاولة معالجة همومهم. . يضاف إلى ذلك أن تبني الأمريكيين للمتمردين السابقين في قوات الصحوة قد افرز مراكز قوى داخلية جديدة لا وجه لها، ويقول الكولونيل [مايكل غالوسيس]، قائد الشرطة العسكرية في بغداد، لقد أبرمنا الكثير من الصفقات مع أشخاص غامضين، والأمر مفيد لحد الآن، لكن هل سيستمر؟ هذا ما اشك فيه، ويضيف الكولونيل قائلاً: . إن احد أولئك الأشخاص الغامضين هو مقتدى الصدر، وقد أساءت الحكومة الأمريكية تقدير هذا الرجل عند الدخول إلى العراق، ثم في عام 2004 عندما تصدى لمواجهة القوة الأمريكية العظمى. . ولم يكتف الصدر بالبقاء حيا بعد تلك المواجهات، وإنما خرج منها أكثر قوة، وإذا ظل الصدر على قيد الحياة فإن من المرجح أن يحصل على المزيد من القوة. .

ولأسباب تتعلق بالوطنية، يمكن للصدر أن يكون حليفا للأمريكيين إذا أمكن اجتذابه إلى الساحة السياسية، لان آل الصدر هم الأعداء التاريخيون لإيران بين شيعة العراق، لكن هناك من يعتقد أن الصدر متوار عن الأنظار بانتظار مغادرة الأمريكيين كي يستأنف دوره القتالي. هناك مشكلة أخرى تتعلق بإيران التي يبدو أنها الرابح الأكبر في الحرب في العراق، وربما في المنطقة بكاملها. يقول [جيفري وايت] المتخصص في شؤون الشرق الأوسط الأمنية في وكالة الاستخبارات الدفاعية أن نفوذ إيران سيستمر ويتعزز، فالإيرانيون لديهم الكثير من العلاقات مع أحزاب الإسلام السياسي الشيعية، ووسائل التأثير في العراق، وحدودهم مع العراق ذات أهمية إستراتيجية، كما أن دورهم في الاقتصاد العراقي قد تنامى وتوسع منذ سقوط نظام صدام .
 
لكن الكثير من الخبراء العسكريين الأمريكيين الذين خدموا في العراق يعتقدون أن الخطر الأكبر على التطلعات الأمريكية بشأن ذلك البلد لا يأتي من الإيرانيين وحدهم، وإنما من العراقيين أنفسهم. فالجيش العراقي يتطور، لكنه مؤسسة مخترقة من عناصر ميليشيات الأحزاب السياسية، حيث يعتقد الميجور [مات وايتني] الذي عمل مستشارا للجنرالات العراقيين عام 2006 بأن القادة العسكريين العراقيين سوف ينكصون على أعقابهم إلى تلك الممارسات الوحشية التي كانت سائدة في الماضي، ويضيف الميجور وايتني: لقد علمهم صدام حسين كيف يقمعون سكان المدن، وقد قمنا نحن الأمريكيين بتعزيز ذلك الدرس خلال سنوات تواجدنا هناك، وهم مستعدون لقتل الكثير من الناس لفرض الاستقرار في البلاد. .
لكن الجنرال اوديرنو لم يوافقه على هذا الرأي، وهو يعتقد أن القادة العراقيين قد تغيروا وتحسنوا، وأنهم لن يرجعوا إلى أساليب صدام حسين بشكل أوتوماتيكي. . وأضاف يقول اعتقد أن ذلك كان صحيحا قبل عامين، لكنه اليوم ليس كذلك، ومع ذلك فان ثمة مشاكل ما تزال قائمة، ولهذا السبب أعتقد أن الوجود الأمريكي سيكون مطلوبا لبعض الوقت. . وتتعارض نظرة اوديرنو المتفائلة مع آراء القادة العراقيين أنفسهم، حيث يقول الميجور [تشاد كويل] الذي عمل مستشارا لوحدة عسكرية عراقية في بغداد عندما تقترب منهم فإنهم سيصارحونك بأنهم يعتقدون أن فكرة الديمقراطية وممثلي الشعب فكرة مثيرة للسخرية. .

أخيرا علينا أن نواجه السؤال المهم الذي طرحه بترايوس أثناء الغزو حين قال على أي وجه سينتهي هذا الأمر؟ . ويجيب الجنرال [تشارلي ميلر] الذي وضع المسودة الأولى لخطة عمل بترايوس حيث يقول:{لا اعتقد انه سينتهي، وسيكون هناك نوع من الوجود الأمريكي وبعض العلاقة مع العراقيين على مدى عقود مقبلة} كما إن هناك إجماع صامت بين العديد من الأمريكيين الذين خدموا في العراق على أن الجنود الأمريكيين سوف يظلون منخرطين في أعمال قتالية هناك إلى عام 2015 على الأقل. . فقد صرح السفير الأمريكي [رايان كروكر] في العام الماضي قائلاً:{إن ما سيحمله العالم عنا من أفكار، وما سنفكر به نحن بشأن أنفسنا، سوف يتقرر بما سيقع من الآن فصاعدا، وليس بما وقع لحد الآن،

وبكلمة أخرى، فإن الأحداث التي ستتعلق بذاكرة العالم حول الحرب في العراق هي تلك التي لم تحدث بعد!!}. فهل ستندلع الحرب الأهلية في البلاد من جديد؟ هذا ما ستجيب عليه الشهور القادمة، حيث ينتظر العراق الاستحقاقات الانتخابية التي ستجري في 30 كانون الثاني القادم والتي ستسفر بكل تأكيد عن تغير كبير في رأي الناخب العراقي، ورغبته الجامحة في التخلص من الميليشيات المسلحة، وفرض سيادة القانون، وإعادة الأمن السلام في البلاد، والتفرغ لإعادة بناء البنية التحية المخربة للبلاد. كما أن معركة إعادة النظر في الدستور المختلف عليه، وإعادة النظر في العملية السياسية القائمة حالياُ على أساس المحاصصة الطائفية، وما يسمى خطأً بالديمقراطية التوافقية، والتي انتقدها رئيس الوزراء السيد نوري المالكي مطالبا بالعودة عنها، واعتماد النظام الرئاسي، وانتخاب الرئيس بصورة مباشرة من قبل الشعب، والعودة إلى حكومة الأغلبية البرلمانية التي ستفرزها الانتخابات القادمة، والتي تعارضها بصورة خاصة الأحزاب الكردية والأحزاب الدينية السنية، مما يجعل الأوضاع حبلى بوقوع أحداث خطيرة في البلاد. .