الأقباط متحدون - الأقباط- غرباء فى ديارهم
  • ٠٩:٤٩
  • الأحد , ١٣ اغسطس ٢٠١٧
English version

الأقباط- غرباء فى ديارهم

منير بشاي

مساحة رأي

٠٩: ٠٨ م +02:00 EET

الأحد ١٣ اغسطس ٢٠١٧

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

(من كتاب "رحلة حياتى" تحت الطبع)

بقلم منير بشاى

        لمن لا يعرفونها فكلمة قبطى معناها "مصرى" والكلمة مشتقة من الكلمة اليونانية آيجبتوس  Aigyptos التى جاءت منها كلمة Egypt .

منذ الغزو العربى لمصر فى القرن السابع الميلادى  وسكان مصر الأصليون من الأقباط يعيشون فى صراع مع الحكام الجدد يزداد ضراوة او يقل وطأة طبقا لتوجهات الحاكم.  كان واضحا من البداية أن الهدف من إحتلال مصر هو نهب ثرواتها لصالح العرب الذين يعانون الفقر فى شبه الجزيرة العربية.  كان تحصيل الجزية من كل قبطى هدفا اساسيا لمن تولوا حكم مصر.  أما نشر الدعوة الاسلامية بين المصريين فكان هدفا ثانويا يقل فى الأهمية.

        إستمرت معاناة الأقباط إلى أن ضعفت الإمبراطورية العثمانية ثم سقطت فى النهاية.  فى هذه الأثناء تمكن محمد على أحد الضباط فى الامبراطورية العثمانية من الإستقلال بحكم بمصر.  وكان محمد على رجلا تقدميا يؤمن بوضع الرجل المناسب فى المكان المناسب وبالتالى تحسن حال الاقباط نسبيا ورأينا بعضهم يشغل المناصب الهامة فى مصر.  وظهر فى بداية القرن العشرين بوادر حياة ديمقراطية وتغيير للأفضل فى حياة الأقباط.

        ولكن من ناحية أخرى ظهرت بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية حركات إسلامية لم يعجبها إتجاه مصر نحو العلمانية وابتعادها عن الدين.  ومن هذه كانت جماعة الاخوان المسلمين التى لم تخف أجندتها فى محاولة إحياء الخلافة الإسلامية والعودة بمصر الى الإسلام بكل وسيلة ممكنة بما في ذلك الجهاد الدموى.

        تزامن هذا مع قيام دولة إسرائيل سنة 1948 وإعلان العرب الحرب عليها لصالح الشعب الفلسطينى.  ومنى العرب مع كل قوتهم العددية بالهزيمة.  وأدى هذا إلى ثورة الجيش المصرى سنة 1952 التى أطاحت بالملكية وأسرة محمد على واعتلاء جمال عبد الناصر سدة الحكم.

        كان واضحا أن الاخوان المسلمين لهم ضلع فى هذه الثورة ولكن بعد خلاف مع عبد الناصر أدى لمحاولتهم إغتياله قرر عبد الناصر حل هذه الجماعة وأعدم بعض قادتها ووضع العديد منهم  فى السجون.

        ولكن لا يستطيع احد إنكار أن الثورة الجديدة أدخلت تغييرات فى المجتمع المصرى كانت لها نتائجها السلبية على الوجود القبطى فى مصر.

        احس الأقباط ربما أكثر من أى وقت مضى أنهم غرباء فى أرض أجدادهم.  أحسوا أنهم غير مرغوب فيهم وأن وجودهم يتصادم مع الأجندة الواضحة للثورة لتأكيد  الهوية العربية على حساب الهوية المصرية وتاكيد العقيدة الإسلامية على حساب التعددية الدينية.

وتزامن هذا مع إعلان إمريكا مصر كدولة إشتراكية بعد التقارب بين عبد الناصر والاتحاد السوفييتى وتاميمه للكثير من المنشئات وتبنيه العديد من الأفكار الإشتراكية.  فتحت أمريكا الباب على مصراعيه لمن يريد أن يهاجر إلى أراضيها فهاجر العدد الكبير خاصة من بين الاقباط بداية بالأثرياء الذين أمم عبد الناصر ثرواتهم فى خمسينات القرن الماضى ثم المهنيين من ذوى المؤهلات العليا ألذين أحسوا أن المستقبل أصبح موصدا فى وجوههم فقرر العدد الكبير منهم الهجرة بداية من الستينات.  وبعد ذلك هاجر الكثيرون هربا من الاضطهاد او تهديد الاسلاميين حتى أصبح عدد المهاجرين من الأقباط حوالى 2 مليون فى العالم نصفهم تقريبا فى الولايات المتحدة.

        عندما هجر بعض الأقباط مصر كان هدفهم أن يبتعدوا عن مناخ الكراهية الذى أصبح علامة مميزة للحياة داخل مصر.  فلا يستطيع منصف إنكار أن هناك فرزا ممنهجا على أساس الدين وأن المسيحى يحرم من وظائف بالذات لا لسبب سوى أنه مسيحى.  كما ان هناك وظائف تحد من نسبة التحاق الأقباط بها.  بل حتى اللعب فى النوادى الكبرى كان وما يزال محظورا على الأقباط. 

وحتى مجرد حق الحياة لم يعد مكفولا للأقباط الذين أصبحوا يتعرضون للموت كل يوم.  هذا بالاضافة إلى المشاكل المزمنة مثل خطف البنات وبعضهن من القاصرات وتحويلهن قسرا إلى الإسلام.  وهناك مشكلة عدم قبول المجتمع لمنظر الكنائس مما أدى إلى تقييد بنائها من قبل الدولة وتعرضها  للتفجيرات من قبل المتطرفين. 

ومع كل هذه المظالم نادرا ما يلقى القبطى عدالة ترد له حقوقه.  فعندما حاولت الدولة تجريم إزدراء الاديان وجدنا هذا القانون لا يطبق على من يسبون المسيحية ليلا ونهارا بل على حالات مثل مسيحي يضع كلمة إعجاب (لايك) على مقال فى الفيسبوك رأت المحكمة انه ينتقد الإسلام.  كما رأينا القضاء يحكم على أطفال بالسجن لمجرد أنهم كانوا يلعبون تمثيلية تسخر من داعش.

        لا يوجد من يحب ان يهجر بلده خاصة الاقباط الذين يربطهم بمصر تاريخ يعود إلى الوراء آلاف السنين.  ولكن كل قبطى قد هاجر لم يكن يفكر فى نفسه بل فيمن سوف ياتى بهم الى الحياة من بعده.  ومع ذلك فكل قبطى تمكن من الهجرة يقابله عشرات من الذين لا يستطيعون الهجرة لأسباب عديدة منها أنهم لا يملكون الكفاءات الازمة.

        أولئك الذين استطاعوا أن يفلتوا من الفخ مثلنا لن ينسوا يوما أخوتهم فى مصر ممن يعانون كل أصناف الألم.  مساعدتهم ماليا وحقوقيا ومعنويا هو واجب مقدس على كل قبطى أينما وجد.  وهم يؤمنون أنه "لوقت مثل هذا" أوجدهم الله حيث هم الآن.

عندما يدافع أقباط الخارج عن أخوتهم بمصر فهم لا يهدفون إلى الاساءة لمصر كما يدعى البعض.  ولكن كل هدفهم أن يعيش أقباط مصر مع شركائهم فى الوطن فى مساواة على أساس تطبيق مبدأ المواطنة على الجميع.  والمساواة مطلب لا يسىء إلى أحد.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع