CET 00:00:00 - 09/03/2009

مش كده ولا ايه

بقلم / شفيق بطرس
سنة 2000 نزلت مصر بعد طوال غياب عنها وعن الأهل والأحباء والأصدقاء، عن الأرض والنيل والعشق والدفء والحنان والأحضان والإحتواء، نزلت مصر وكانت معى في كياني كل الأجران الفارغة وجهزتها وجمعتها لتكون معي في الرحلة لكي أملأها بالحب والحنان والعاطفة والرقة التي قد افتقدتها منذ أوائل الثمانينات حين هاجرت لأرض العم سام، ورجعت لبلدى ولحلمي الذي طالما حلمت به سنين وسنين طويلة.
كانت جلستى مع أقرب الأقرباء وسألته عن أولاد العم وكيف أخبارهم وما هى أحوال أولادهم وأولاد الخالات والعمات والأخوال فكان تأتيني الردود كصفعات قوية تصدمني بعنف "مش عارف، مين عالم، مين يهمه حد، مين عايز يعرف عن حد"، أخذت الردود كلكمات ملاكم محترف يوجهها لخصمه الضعيف المسكين الذي لا حول له ولا قوة.

ترنحت تحت ثقل وهول اللكمات وقلت له كفايه يا أخي الحبيب، بالله عليك كفايه، ماذا دهاكم؟ لماذا تبدلتم هكذا وتبلدتم؟ أفهل أصبحتم جميعاً أبناء الأبالسة؟ قال لى القريب الحبيب الفيلسوف دائماً: أنت قد خرجت من مصر في أول العام الأول من الثمانينات، يعني كل ما أخذته معك من زاد و زواد وذخيرة وحصيلة عن مصر كانت هي نتاج فترة الستينات والسبعينات حيث قد إحتفظت بها وضممت عليها حجرات قلبك وفكرك وعشت بها ومعها إلى الآن، ولكن الزمن قد تغير والظروف قد تغيرت ولكنك ما زلت محتفظاً في ذاكرتك وكيانك وقلبك بذخيرة السبعينات والثمانينات حيث الواجب والشهامة والعيب والجدعنة والحب والتعاطف والإخاء والمشاركة.
كل هذا قد تغير وأصبح تاريخاً فقط وكلمات نقرأ عنها في كتب التراث، الزمان قد غيرنا وغير أخلاقياتنا وأخلاقيات أولادنا، الجهل والتخلف والتدهور الأخلاقى والتكدس والجوع والغلاء والحاجة واليأس وعدم وجود الأمل بمستقبل أفضل أو حال أحسن في الغد، هذا كله قد جعلنا نتغير.
وتغيرنا وأصبحنا نختلف ولكنكم قد أحتفظتم بما كنتم عليه من أخلاقيات عند هجرتكم ووضعتموها داخلكم ولم تتغير معكم وكذلك قد علمتموها لأولادكم في المهجر وللأسف قد أفتقدها أولادنا هنا في مصر.

كنت واجماً حزيناً ليس عندي ما أرد به وقلت له تُذكرني يا أخي الحبيب بقصة الرجل الذي هاجر من بلده التي كانت تلبس الطرابيش وقتها، هاجر وعلى رأسه طربوشه وأحبه وأحتفظ به، وعند رجوعه لوطنه بعد طول غياب رجع لابساً طربوشه وإذ به يفاجأ بأنه الوحيد في كل البلد الذى يلبس الطربوش، وقف وسط أكبر الميادين حزيناً دامعاً يتمسك بكل حب بطربوشه ويصرخ للجميع يا ناس يا عالم...فين الطرابيش؟؟
هل نجد هذه الأخلاقيات مرة أخرى في مصرنا الحبيبة؟ هل ترجع لنا أم ستنمحى كما انمحت الطرابيش بلا رجعة؟
نريد رجوع الأخلاقيات لمصرنا ولن نسأل مرة أخرى عن الطرابيش...... مش كده ولا إيه

 

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٢٣ تعليق