د. يحيي الوكيل
وُجد هذا التعبير فى العقل الجمعى المصرى جراء ما عانته بلجيكا فى الحرب العالمية الأولى من وجود عدة جيوش أجنبية على أرضها تتقاتل فيما بينها، و هى لم تكن من الأساس طرفا فى الصراع، فنرى المدينة تتبادلها أيادى القوات الإنجليزية و الفرنسية و الألمانية بينما هم، أصحاب الأرض، ليس لهم على مدينتهم سيطرة.
و الآن يمكن تغييره إلى حيرة المسيحيين المصريين.
فلا أحد منهم - إلا القليل - يفهم لماذا يتم منعهم من الصلاة و يحتاجون لترخيص بها، و لماذا يتم منعهم من بناء الكنائس!
و سأحاول تقديم التفسير هنا بصراحة؛
المصرى العادى كان يزور الكنائس بشكل طبيعى قبل كارثة الصدام بين الكنيسة و الرئيس المدمن سليل العبيد، و محاولة للحفاظ على الشعب المسيحى و هويته بدأت مرحلة "يا نحلة لا تقرصينى و لا عايز منك عسل" و انغلق المسيحيون رويدا رويدا داخل كنائسهم، يمارسون فيها الأنشطة الاجتماعية كافة من أول مباريات كرة القدم إلى أنشطة البحث عن شريك الحياة ابتعادا عن الصدام مع العالم الخارجى؛ الصدام الذى جربوه و انتهى بدموية و وحشية فى حالات كثيرة و لم تتصدى الدولة و لا القانون لمن انتهك أموالهم و أعراضهم و حياتهم ذاتها - فأنا لا أحملهم اللوم كله هنا؛ بل و لا أبحث عن تحميل اللوم أساسا، إنما أقدم تحليلا من الجانب الآخر من التل حيث تصعب على المسيحيين الرؤية.
هذا المصرى العادى تعرض للآتى: أولا قابليته لسماع و تصديق الإشاعات و غموض ما يجرى فى الكنيسة حيث أنه لم يعد يشارك فيه، و ما ينشر بسذاجة عن جلسات استخراج العفاريت و الشياطين و معجزات الزيت و السمن و غير ذلك، خلق عنده تصديقا لما يشاع عن أن القساوسة يمارسون السحر و أنهم من الممكن أن يضاروا من هذا السحر.
ثانيا أتت الهجمة الوهابية بنظرة جديدة للمسيحيين الذين صاروا كفارا لأنهم لا يعبدون محمدا و ليس لأنهم لا يعبدون الله، فقد تغيرت الأولويات على يد أتباع بن عبد الوهاب و من لا يصدق عليه أن ينظر إلى علم داعش. و بازدياد دعوات محبة رسول الله و الصلاة عليه زاد طرديا كراهية من لا يؤمن به و لا يعبده و يقدسه كما يفعل السلفيون، فازداد العقل الجمعى فى الشارع المصرى احتقانا ضد المسيحيين.
من الطبيعى إذن بسبب هذه الحالة الذهنية أن يرفض المسلمون البسطاء أن يبنى المسيحيون كنائس أو حتى أن يصلوا.
حتى هنا فلا بأس، ففى مصر يأتى التغيير من فوق و ليس من القاعدة الجماهيرية؛
لكن القمة خذلت الجميع، فصدامها مع الإخوان لم يكن لإقامة دولة مدنية يشعر فيها الجميع أنهم مواطنون متساوون فى الحقوق و الواجبات، بل كان صداما بين طائفتين إسلاميتين فى عرض مستمر لموقعتى الجمل و صفين، و ضحكت على المسيحيين كما فعل بن المتعاص مع أبى موسى الأشعرى فلم يكن تمثيل المسيحيين فى لجنة كتابة الدستور سليما لا من ناحية النسبة و لا القوة إذ كان الممثل عن الكنيسة من هيئة كبار المنبطحين، و خرج دستور قندهارى مشوه طالبت كثيرا بالاحتشاد الكامل من أجل التصويت عليه بلا و خرج موقف الكنيسة معارضا لذلك و امتثلت جموع الشعب المسيحى للأسف ومر دستور جلب عليهم قانونا لمنع بناء الكنائس و ليس لتسهيل بنائها، ومرة أخرى بموافقة الممثلين عن الطوائف المسيحية! حتى مطالبتى أن يشمل القانون بنودا تسمح ببناء الكنائس الملحقة بمدارس أو مستشفيات بمجرد الإخطار - إذ أن المدارس و المستشفيات هو ما نحتاجه فعلا، و كتبت عن الدور الذى ستقوم به هذه المؤسسات من إزالة لأسباب الاحتقان أو حتى تخفيفه - لم يأخذ أحد بما كتبت ومن قرأوه سجلوا الغريب من الاعتراضات كمثل أنه لا يصلح أن يقوم راهب بالتدريس لأنه قد اعتزل العالم! بينما فهمى أنا أنه يخدم المسيح برهبنته، و سيخدمه أكثر بالتدريس.
هذه هى المشكلة و أسبابها فى رأيى..
أما عن الحل فسأكتب عنه بعدما استطلع آراءكم فى الردود على هذا المقال.