بقلم: هاني سمير
"عشان تعرفوا إن حتة الدين والالتزام به لها دور في رفض التزوير، وكمان في التغيير السياسي".. قالها الدكتور "محمد البلتاجي"- القيادي بجماعة الإخوان المسلمين- خلال ندوة عقب الانتخابات التشريعية في شهر ديسمبر الماضي.. ظل يعظ الحضور ويتفاخر برفض مندوبي أحد مرشحي الجماعة بأحد اللجان تلقي رشاوي حتى يسمحوا بتسويد البطاقات، ومع ذلك لم يفز أي من مرشحيهم، بالطبع لأن النظام القديم وصل لدرجة كبيرة من العته والغباء السياسي للانفراد بمقاعد المجلس، الأمر الذي يفضحه أمام العالم ويعجِّل برحيله.
حقًا، الإخوان متواجدون ومنظمون في الشارع المصري، لكن لسببين: أولاهما- سخط الشارع على النظام السابق، وثانيهما- قدرتهم على اللعب بالوتر الديني وكسب تأييد البسطاء لهم.. ولكن يبدو أن ما كان "الإخوان" يتفاخرون به قد خسروه، وأكَّدوا إنهم يوظِّفون الدين لتحقيق مآرب أخرى، بدليل ما حدث خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية الأخيرة التي أُجريت يوم 19 مارس.
أين ذهب الالتزام الديني باحترام القانون الذي يدَّعونه، وعدم إعلان الرأي حول الموافقة أو رفض التعديلات قبل الاستفتاء بيوم؟. اختفى.. ببساطة لم يعد هناك مجالًا للالتزام.. حشدوا البسطاء للموافقة على التعديلات لأنها واجب شرعي، وإنقاذًا للمادة الثانية من الدستور، وكأن حربًا ضروس قد أُعلنت بين طرفين على أساس ديني، وليس مستقبل وطن يضم الجميع، إن أغرقناه أصبحنا كلنا من الماضي قبل أن نصل لبر الأمان.. المهم أن تكون النتيجة الموافقة على التعديلات؛ لاقتناص الفرصة بدخول معترك الانتخابات التشريعية، وهي التي من المزمع إجراءها بعد 6 شهور حسب التعديلات نفسها..
نعم، وصلوا لما يربون إليه، إنها الانتخابات على مجلس الشعب الذي سينتخب اللجنة التي ستعد الدستور الدائم لـ"مصر"، وهم مازالوا الأكثر تنظيمًا في الوقت الحالي.. الأمر ليس ببعيد عن الانتخابات الأخيرة التي زوَّرها الحزب الوطني وسوَد البطاقات الانتخابية وأيقظ الأموات ليدلون بأصواتهم، لكنه تزوير بشكل آخر "ولكل شيخ طريقة".. الأمر لا يختلف، فتسويد البطاقات وإحضار البلطجية لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم، عن حشد البسطاء وإقناعهم أن الموافقة على التعديلات هي الجنة، وأن العلامة الخضراء للمسلمين حتى يكون طريقنا أخضر وسنة خضراء ونحافظ على الشريعة.. لا يختلف عن تجنيد مجموعات من الشباب تحت مسمَّى لجان شعبية على اللجان خلال الاستفتاء تنصح الناس بالموافقة على التعديلات، وتمنع- ولننتبه- من يوافق على التعديلات أن يرفع صوته أو يتحدث مع من حوله، وهو ما حدث بالفعل في الكثير من اللجان حتى إن الداعية السلفي "محمد حسين يعقوب" أطلق عليها "غزوة الصناديق"!!! أين الفضيلة؟!! ذهبت مع منْ ذهبوا!
لكن على جانب آخر- في تصوُّري- فإن الكنيسة ورجالها أيضًا خالفوا شرط عدم التحدُّث عن التعديلات قبل الاستفتاء بيوم، حتى أن القمص "مكاري يونان" خلال اجتماعه الذي يُذاع على قناة "سات 7" مباشرةً، وكان يوم الجمعة 18 مارس في السابعة مساء- أي قبل الاستفتاء بساعات قلائل- استضاف الدكتور "إيهاب رمزي"- أستاذ القانون الذي نصح الحضور وبالطبع المشاهدين برفض التعديلات، وهو حال الكثير من رجال الكنيسة الذين حشدوا أيضًا البسطاء لرفض التعديلات في مناطق كثيرة، ليأخذ الاستفتاء طابعًا طائفيًا، رغم أن الكثيرين من المسلمين- ومنهم الداعية "عمرو خالد"- وشباب الثورة، أعلنوا رفضهم التعديلات باعتبارها إحياء لدستور نظام مستبد، بخلاف كونه مهلهل، وكل تعديل يزيده سوءًا على سوء.
لكن المرحلة القادمة تحتاج الجميع بمن فيهم الإخوان والسلفيين، لكن كمواطنين.. الوطن سفينة تمر بعاصفة تكاد تمزِّق هيكلها، وعلى الجميع أن يُلقي ما يفيض عنه لينقذ الباقين ونفسه قبلهم.. لسنا في حرب ولا معركة من أجل بقاء أو إلغاء مادة، لكن لنعلم أن الدستور وثيقة تنظِّم العلاقة بين المواطنين جميعهم؛ المؤمن والملحد.. المرأة والرجل.. الطفل والشاب والشيخ.. الأبيض والأسود وقمحاوي البشرة دون أي تمييز من أي نوع.. على الجميع أن يستيقظ من الحلم الذي يعيشه حتى لا ينقلب لكابوس، نصحو منه لنجد أنفسنا في الأعماق حولنا الأسماك تنهشنا جميعًا دون تمييز!