بقلم : نصيف هارون
جريمة نكراء والحل الصلح!
"وقد عٌقِدت جلسة مصالحة بين المتخاصمين بحضور نائب الحاكم العسكري بقنا، باعتباره حادث أهلي ليس له أبعادا طائفية". هكذا قد اختتمت صحيفة الأهرام خبرا منشورا في الصفحة الأولى في عدد الجمعة 20 من ربيع الأخر 1432هــ 25 مارس 2011 السنة 135 العدد 45399 وهو تحت عنوان "جريمة نكراء بصعيد مصر".
تعود أحداث القصة الي رجل قبطي يدعى أيمن نور متري بمحافظة قنا يمتلك شقة قام بتأجيرها لفتاتين قادمتين من أسوان بعقد إيجار ساري – مثل أي شخص يريد أن يستثمر ما لديه من ممتلكات- ولكن أشيع حول هاتين الفتاتين الشائعات والروايات. فقيل إنهما سيئتا السمعة ويستخدما الشقة في هذه الأمور، هذا خبر. وهناك رواية أخري أقول أن يمن نور متري هو الذي كان يدير هذه الشقة كبيت دعارة وهو ما لا يقبله أهل الصعيد والجيران. وهناك رواية ثالثة إن البيت ليس بيت دعارة ولا حاجة ولكن المشكلة أن أيمن نور الشاب المسيحي أقام علاقة آثمة مع الفتاة المسلمة.
هذا الإثم –الزنا إذا صحت رواياتهم- لا يقبله الجميع وخاصة الإيمان المسيحي الذي يحرم تماما الزنا مع المسيحيين أو المسلمين. ولكن جماعة السلفيين لم يعجبهم هذا مما دفعهم لفعلهم المشين. فكيف يقوم قبطي بالزنا مع مسلمة وهذا ما قاله البعض، وليس كيف يمارس اثنان الرذيلة؟ والمجتمع يرفض هذا وبالطبع يكون الرفض لابد أن يكون من خلال القنوات الشرعية. وليس كما فعل عشرات المتطرفين يوم 21 مارس 2011 بالذهاب الي شقة هذا الشخص وحرقها وقطع إذن الشاب وحرق شفته وإحراق سيارته بعد إحضار الفتاة وإجبارها تحت التهديد على الاعتراف بما أرادوا أن يسمعوه. وبعدها يهتفون ويكبرون قائلين إننا طبقنا الشريعة..إي شريعة يتحدثون عنها هؤلاء المجرمين؟
الروايات كثيرة جدا ولكن مهما كانت الروايات والشائعات تبقي الحقيقة وهي:
أولا: قيام أيمن نور متري بتأجير شقته هذا حق يكفله له القانون ولا يٌعاقب عليه، سواء أجرها لفتاة مسلمة أو مسيحية لرجل أو لامرأة. فليس من حق احد أن يعتدي على ممتلكاته ويحرق شقته وسيارته وأثاث الشقة كما فعل المتطرفون السلفيون على مراءٍ من الجميع ومسمع من الأمن والقانون والدستور ...الخ! ومع ذلك كان الحل الذي تم هو جلسة صلح بين المتخاصمين. يالا السخرية.
ثانيا: إذا ثبت فعلا قيام أيمن نور متري بعلاقة آثمة مع الفتاة أو غيرها أو استخدام هذه الشقة في بيت دعارة- وهذا إثم وجرم لا يقبله احد لا مسيحي ولا مسلم- ولكن المنوط بتطبيق العقاب والقصاص من المذنب ليس المواطن العادي بل القنوات الشرعية والسلطات القضائية. وإلا لما كانت هناك الحاجة الي قانون ودستور وسادت سياسية الغابات والأقوى يحكم ويفترس الضعيف والكبير يأكل الصغير، وهذا ما لم نقبله ولا يبشر بحرية وديمقراطية حقيقية لهذا لبلد.
ثالثا: الذين قاموا بتطبيق الحد وهو قطع أذن هذا الشاب وحرق شفته و وإصابته بقطع عرضي خلف الرقبة، هل أقاموا الحد على الفتاة المسلمة التي إذا ثبتت روايتهم تكون مشتركة مع هذا الشاب في نفس الجرم بل وأكثر منه. أم الحد لا يطبق إلا على الشباب القبطي المسيحي فقط في هذا البلد. ولماذا لا يطبقونه – وبالطبع هذا علي سبيل السخرية الاستنكار – على الكثيرين من المواطنين المسلمين وغيرهم ممن يرتكبون مثل هذه الأمور. فالايمان المسيحي يرفض ويحرم تمام الزنا بين المسيحيين أو غيرهم
رابعا: إذا صحة رواية ما قاله احد سكان المنطقة بان المشكلة في أنهم حذروه من تسكين هاتين الفتاتين القادمتين من أسوان الي قنا في شقته وطلبوا منه فسخ العقد وطردهم لأنهما يستخدما الشقة في الدعارة. فلماذا لم يتم إبلاغ الشرطة بهذه التفاصيل أو مباحث الآداب وهي المنوط بذلك؟ ويكون الأولى بهذا القصاص هما الجيران الصامتين والفتاتين الساقطتين! فالساكت عن الحق شيطان اخرس وليس البديل عن السكوت القتل والخروج عن القانون.
خامسا: علاج مثل هذه الأمور على إنها قضية خاصة وليست طائفية والاكتفاء بجلسات الصلح العرفية يبشر بقيام دولة عرفية وليست مدنية قوامها البداوة والجهل. نعم الجهل كما قاله فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية, أن ما حدث هو جريمة بكل المقاييس, وأن الشريعة الإسلامية منه براء, حيث إن الاعتداء بني علي خطأ جسيم في فهم وتطبيق آليات الشرع والقانون, إذ ليس من حق الناس أن يقتصوا من بعضهم بعضا, في حين أوضح الدكتور الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف الأسبق, أن الحكومة الشرعية هي المنوط بالمعاقبة.
أخيرا: الاكتفاء بجلسة صلح وإعلان إنهم كانوا متخاصمين لا يقبله العقل إننا ننتظر حكما عادلا وسريعا على جميع المتورطين في هذا الجرم الآثم. وأولهم القبطي أيمن نور والفتاة إذا ثبت ما قيل عنهما. فهل ستدار البلد "مصر" بالجلسات العرفية والمسكنات التي لا تحقق العدالة والمواطنة. بل تزيد المخاوف في نفوس الجميع. فلابد أن يكون هناك عقاب رادع لمرتكبي هذه الأمور للحفاظ على هيبة الدولة وسيادة القانون وإلا سادت الفوضى وشاع العنف والقتل والنتيجة النهائية جلسة خنوع من الضعيف أمام القوي وليس صلح. وبالطبع الضعيف لن يظل ضعيفا فانه ينتظر الفرصة التي تقوى فيها عضلاته وتشتد سواعده وسينتقم لنفسه لأنه سيدرك إن النتيجة جلسة صلح.
أقول إننا أمام سابقة غير مبشرة ولست أتحدث عن فتنة طائفية ولا غيره لكني أتحدث عن من أعطى لنفسه الحق في القصاص من الناس ومن روج لهذه الفتاوى والأحكام التي رسخت للفتن والاحتقان الكامن داخل النفس. نحتاج أن ننقذ ثورة 25 يناير من المفسدين الذين يدفعون البلد نحو نفق مظلم من البلطجة واستخدام خاطئ للنصوص الدينية لمصالح خاصة وسياسية من الدرجة الأولي وهذا ما حدث في إحداث الاستفتاء على التعديلات الدستورية يوم 19 مارس 2011 حيث تحولت أي صراع ديني وطائفي حتى قال احدهم وهو الشيخ محمد حسين يعقوب: " انتصرنا في غزوة الصناديق والبلد بلدنا واللي مش عاجبه يروح امريكا"، وهو ما نشرته صحيفة المصري اليوم عنوانا لمقال طويل حمل كثر من بشائر الفتن وغير المطمئنة لهذا الوطن ضحى في سيبل حريته الكثيرون بدمائهم من المسلمين والمسيحيين على مر العصور وأخرها في ثورة 25 يناير 2011. إنني أوجه نداء لكل عاقل يحب هذا البلد ويخلص له أن نحافظ على ممتلكاته وأولاهما المواطنة وممتلكات الجار القريب منى مهما كان مسلما أو مسيحيا. لا تعطوا فرصة للفتن أن تنمو فتهدد انجازات الثورة التي لم تنضج بعد.