بقلم: صفوت لطفي شاكر
تتحول مصر هذه الأيام عقب ثورة 25 يناير من نظام سياسي مستبد وقمعي إلي نظام اخر لم تتحدد أبعاده بعد. وفي اعتقادي الشخصي المتواضع أري أن الليبرالية هي طريق الحداثة والتقدم ومعظم الدول المتقدمة علميا واقتصاديا وسياسيا هي دول ليبرالية. لقد جرب العالم في العصر الحديث النظم الاخري وأثبتت فشلها الذريع .
باختصار نحن لا نعيد اختراع العجلة وعلينا أن نبدأ من حيث انتهي الآخرون. والليبرالية ترتكز علي3 عناصر شديدة الأهمية:-
1. الحرية الفردية: نعم إن الحرية هي التاج الذي يضعه الإنسان علي رأسه ليصبح إنسان كما قال أديبنا الكبير نجيب محفوظ. والليبرالية تقدس الحريات الشخصية والفكرية والدينية وغيرها من الحريات للأفراد لكنها تقف عند حرية الأخر بمعني أنت حر مالم تضر. فالحرية الكاملة مكفولة لك ولكن عليك احترام استقلالية الأخر.. لكن في المجتمع المصري هناك ثقافة متخلفة وقوانين أكثر تخلفا تتيح للبعض التدخل في شئون الآخرين ومحاسبتهم علي معتقداتهم وأرائهم . وأتذكر هنا الواقعة الشهيرة للمفكر الراحل د/ نصر حامد أبو زيد والذي اتهمه البعض بالردة بسبب أفكاره وكتاباته(و هذا حقه وليس لأي شخص دخل بهذا الشأن في حاله حدوثه فعلا)وأرادوا تطبيق الحسبة عليه والتفريق بينه وبين زوجته د/ابتهال يونس قسرا باعتباره مرتدا وبالفعل رفعوا قضية ضده وحكمت المحكمة للأسف بالحكم الجائر بالتفريق بين الزوجين مما اضطره للهجرة للخارج. إنها خير مثال للتدخل السافر والتعدي الواضح علي حرية الآخرين. ولعل البلاغ المقدم مؤخرا من محامي إسلامي ضد الدكتور/ يحي الجمل يتهمه فيه بالعيب في الذات الالهيه لأنه قال في برنامج تليفزيوني عن الاستفتاء الأخير(ربنا لو خد 70% يحمد ربنا) تأتي كحلقه جديدة في هذه السلسلة.في ظني انه حان الوقت لتطهير المجتمع من هذه الآفات الضارة والعمل علي اجتزازها علي مستوي الدستور وكذلك القوانين المكملة.
2. العلمانية: ويقصد بها فصل كامل للدين عن الدولة أو بمعني أدق حياد الدولة تجاه الأديان فلا تقف بجانب دين أو معتقد دون بقيه الأديان والمعتقدات والمذاهب وهذا لاشك أفضل فالدين يجب أن يكون مصدر للقيم والأخلاق ولا يقحم في أمور السياسة والحكم لأنه أسمي من ذلك وتضمن الدول حق كل فرد في المجتمع أن يمارس عقيدته أيا كانت.ولذلك المادة الثانية من الدستور المصري هي ماده غير مقبولة ويجب إلغائها وليس تعديلها ومن يريد تطبيق الشريعة الاسلامية هو حر أن يطبقها علي نفسه لكن ليس من حقه فرض هذا علي الآخرين. وهناك فوانيين ولوائح وممارسات ينطبق عليها نفس الكلام كتمويل الدولة بناء المساجد دون الكنائس ومنع الاقباط من دخول جامعه الأزهر علي الرغم من أنها ممولة من دافعي الضرائب سواء المسلمين أو المسيحيين.و كخانه الديانة في الأوراق الرسمية. وتحضرني هنا نقطة اندهشت عندها كثيرا حينما استلمت عملي كطبيب باحدي المستشفيات الحكومية ولاحظت انه عند حجز أي مريض في المتشفي يتم اخذ بيانات عنه بالمكتب الإداري الخاص بذلك ومن ضمن هذه البيانات ديانته. ولا ادري ما علاقة الدين بإقامة المريض في المستشفي وتلقيه العلاج والفحوصات الطبية.
3. الديمقراطية:وفي رأي أنها محصلة للعنصريين السابقين واجد أنه لا قيمة للديمقراطية بدون الحرية والعلمانية. وتتضمن الديمقراطية التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة داخل اللجان وخارجها(فلا يجوز مثلا منع الناخبين من دخول اللجان للإدلاء بأصواتهم أو إرهابهم أو التضييق عليهم قبل دخول اللجان كما حدث في الاستفتاء الاخيرا) - والتعددية الحزبية- والفصل بين السلطات- والمساءلة لأي شخص أي كان موقعه -وحرية مؤسسات المجتمع المدني كالنقابات والجامعات والصحف - والشفافية- واحترام حقوق الأقليات. وأعود لأكرر بان ديمقراطية الانتخابات بدون أن تسبقها الحرية والعلمانية وتصاحبها الثوابت السابق ذكرها من المساءلة وحرية مؤسسات المجتمع المدني المختلفة والشفافية الكاملة وتحقيق المواطنة الكاملة ( المساواة في الحقوق والواجبات) قد تؤدي إلي نتائج لا تحمد عقباها. أمام مصر الآن فرصة ذهبية لأن تسير في ركب التقدم والحضارة الإنسانية بشرط الاتجاه نحو الليبرالية وكبح جماح الغوغائيين وأصحاب الصوت العالي والمتاجرين بالدين للهيمنة علي المجتمع وفرض رؤيتهم الماضوية عليه والتي تنتمي للقرون الوسطي و سترجعنا قرونا للخلف في حاله تبنيها.