حزب واحد....أم تحالف أحزاب؟
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (340)
بقلم: يوسف سيدهم
إذا كنا نسلم بأننا مقبلون الآن علي تعديل قانون الأحزاب بما يفتح الباب لتأسيس الأحزاب بالإخطار- وبما لا يتعارض مع الثوابت الدستورية- فإن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة الإعلان عن أحزاب متعددة في طور التكوين, بعضها أعلن عن نفسه بالفعل والبعض الآخر سوف نسمع عنه لاحقا...ولعل ما نشرته وسائل الإعلام الأسابيع الماضية حمل للرأي العام بوادر الموجة الأولي من الأحزاب الوليدة وما تحمله من معلومات حول الشخصيات المؤسسة لها وتوجهاتها والإرهاصات المبدئية لبرامجها...إيذانا بتوقع موجات أخري تالية.
ذلك كله جهد طيب يدعو للارتياح ويعكس تفاعل المصريين مع متطلبات المرحلة المقبلة, بل يعكس مدي اشتياقهم للمشاركة والممارسة السياسية ويدفع عنهم الاتهام بعزوفهم عن السياسة, فبالقطع أنه عند تحسن الأوضاع وإتاحة الفرصة للجادين والشرفاء أن يتقدموا للساحة السياسية سوف يظهر الكثيرون الذين تزخر بهم مصر والذين سبق إقصاؤهم من جانب نظام لايقبل الاختلاف ولا يحتمل المنافسة ولا يطيق تداول السلطة.
تكوينات حزبية عديدة تعد نفسها للظهور عندما يفتح الباب وبديهي أن يكون هناك أكثر منها في طور الميلاد أو يترقب الضوء الأخضر...الأمر الذي أفرز ردود أفعال متباينة لدي قطاعات كبيرة من المواطنين الذين فجرت ثورة 25يناير وتداعياتها حماسهم للمشاركة في ساحة العمل السياسي. هؤلاء انقسموا إلي فريقين: الفريق الأول يسعي لفحص الهويات الحزبية المختلفة من حيث مؤسسيها وبرامجها وقنوات اتصالها بالجماهير ليفاضل بينها ويقرر أيا منها يود الانضما م إليه, بينما الفريق الثاني يعبر عن مخاوفه من الاندفاع نحو فورة حزبية غير مسبوقة ينتج عنها تشرذم الجماهير وتفتت الكتل السياسية فننتهي إلي مشهد به كثير من الصخب وقليل من الفاعلية.
وكان من شدة حرص نماذج تنتمي إلي الفريق الثاني- ومنهم زملاء وأصدقاء وشخصيات مهنية مرموقة- أن عبروا عن رغبتهم في توحيد الجهود وضم الصفوف من أجل تأسيس حزب واحد قوي عوضا عن أحزاب عديدة أقل قوة, وأن مثل هذا الحزب الذي يمكن أن يجمع صفوة من خيرة أبناء هذا البلد ويقدم فكرا راقيا وبرامج عظيمة من أجل تحديث مصر, يستطيع أن يستقطب أعدادا غفيرة من المصريين ويقودهم إلي مشاركة قوية ومنافسة فعالة بين القوي الأخري في ساحة العمل السياسي.
المتأمل لهذا الكلام سوف يجد للوهلة الأولي أنه يقدم رؤية سديدة لخلق كيان قوي يستطيع التوازن مع القوي الأخري الموجود علي الساحة- وتلك التي أعلنت عن نفسها أنها قادمة- لكن تظل الآلية غير واضحة حول كيفية تحقيق هذه الرؤية, فليست الدعوة لتوحيد الجهود نحو حزب واحد وحدها كفيلة بإدراك هذا الأمل, إنما هناك من العوائق والصعوبات ما يجعل ذلك أقرب إلي التصور المثالي منه إلي الواقع العملي...فكيف لنا أن نرصد بدقة كافة المجموعات التي ترتب لتشكيل أحزاب في الوقت الحالي سواء منها ما يعمل في القاهرة أو ما يجري تكوينه خارجها في سائر المحافظات؟...وكيف لنا أن نقرب بين فكر ورؤي الشخصيات القيادية التي تحرك تلك المجموعات والتي تحدوها تطلعات وأحلام حتي إن اتفقت فيما بينها علي الأساسيات طبيعي أن تختلف حول الفرعيات والتفاصيل؟...وكيف نطمئن إلي أن الصراعات الإنسانية الناتجة عن نزعات الزعامة لن تستنزف الجهود الساعية إلي الوحدة والقوة؟...
إنني من منطلق واقعي وعملي لست قلقا من إتاحة الفرصة لظهور أحزاب عديدة عندما يفتح الباب ولست فزعا من التعددية التي ستنشأ في الحقل السياسي لأن ذلك هو الوضع الطبيعي الذي يفرزه اليسر بعد العسر, لكني أثق أن المجال سيكون متسعا من خلال الممارسة الفعلية وإدراك كل حزب صغير لمخاطر العمل منفردا لأن ينشأ فيما بين تلك الأحزاب احتياج حقيقي مصيري للتكتل أو الائتلاف في مواجهة القوي المنافسة, احتياج سيدفع كلا منها لأن ينحي جانبا الفرعيات والصغائر المختلف عليها أمام التحديات المحتم التكتل لعبورها...ولعل صندوق الانتخاب هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن نراهن عليها لإقناع الأحزاب الصغيرة بالتكتل والائتلاف, فقد تتعثر محاولات التكتل أمام اختلاف الأيديولوجيات أو تعدد الزعامات أو التضحيات المطلوبة من هذا أو ذاك, لكن الأمر الذي تتهاوي أمامه كل هذه العثرات هو صندوق الانتخاب لأنه لايكذب في قياس قوة كل حزب ونصيبه في الساحة السياسية...وهنا يواجه كل حزب مسئولية ما يتخذه من قرارات: إما المضي منفردا أو السعي للائتلاف.
أخيرا أقول إنه إن تعذر علينا بشكل عملي تحقيق الرؤية المثالية لحزب واحد يولد قويا عفيا قادرا علي المنافسة, لا يجب أن نحبط أو أن نتقاعس عن الفحص والدراسة للبدائل المتاحة بغية الانضمام والمشاركة ولنضع نصب أعيننا دائما أن التعددية ثراء وليست عيبا طالما أدركت أطرافها قواعد اللعبة وامتلكت حكمة إدارة المعارك السياسية والانتخابية بانتهاج سبل التكتل والائتلاف إدراكا للفوز.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :