آدم وحواء بين الجنة والأرض: في نقد ما نعرفه من رواية التكوين
مساحة رأي | إيلاف
السبت ٩ سبتمبر ٢٠١٧
"صعود آدم وحواء وسقوطهما" كتاب مغامر، فيه يضع ستيفن غرينبلات تحت المجهر ما نعرفه عن رواية التكوين، وعن طرد آدم وحواء من الجنة، حيث كان العالم واسعًا أمامهما.
إيلاف: ما زال عالمنا متدينًا بشكل عام. وكما يبيّن البروفيسور ستيفن غرينبلات، المؤرّخ الأدبي وأستاذ الإنسانيات في جامعة هارفرد، في كتابه "صعود آدم وحواء وسقوطهما" The Rise and Fall of Adam and Eve (مكون من 432 صفحة، دار بودلي هيد، 25 جنيهًا إسترلينيًا) عن سفر التكوين، فإن أساطير كانت تفرض الإيمان بها تراجعت، لكن في حقبة "ما بعد الحقيقة"، ما زال الخيال والوهم يحددان حياة كثير من البشر، بينهم المتشددون من أتباع الديانات السماوية.
نقد الأسطورة
غرينبلات المعروف بكتابته سيرة حياة شكسبير وتأسيسه مدرسة "التاريخانية الجديدة" في النقد الأدبي لم تعد قائمة، يفكك أشد الخرافات رسوخًا وثقلًا. فإن سفر التكوين ابتدع قصة تروي أين نحن، ولماذا نحن، حيث نوجد الآن، وتحدد قواعد لسلوكنا. وكان التاريخ البشري في الغرب المسيحي تاريخ صراع مديد مع هذه الحكاية التي من عواقبها تحريم اكتساب المعرفة والتزمت الأخلاقي في العلاقات الجنسية، واعتبار آلام المخاض والموت المحتوم عقوبات إلهية على عدم الطاعة.
الأوهام لا تزال ترسم ملامح حياة بشر كثيرين
يتابع غرينبلات آدم وحواء بعد طردهما من الجنة، ويبيّن كيف أُثقل كاهلهما بعبء إضافي من الأثم على يد القديس أوغسطين صاحب الفكرة القائلة بالخطيئة الأصلية، ليجعلنا كلنا مسؤولين عن الانتصاب العفوي الذي أحرجه في أحد الحمّامات العامة.
يرحّب غرينبلات برد الاعتبار إلى آدم وحواء على أيدي فناني عصر النهضة، مثل مايكل أنجلو أو دورر، الذين نظروا إلى آدم وحواء على أنهما نموذجان للجسد الأمثل، وليسا ضحيتين طردهما إله غاضب من جنانه. في النهاية يستحضر غرينبلات دارون للإجهاز المبرم على أسطورة آدم وحواء.
نهاية الأسطورة
في أوغندا، يدرس غرينبلات عائلة أخرى أنجبها نظراء آدم وحواء، هي عائلة من قرود الشمبانزي، ما زالت محتفظة ببراءتها، كما يقول.
في الطريق إلى نهاية الاسطورة، كثيرًا ما يجد القارئ في كتاب غرينبلات روايات مثيرة عن محاولات لعقلنة اللامنطق في الأسطورة، وحشدًا من الهرطقات المسلية. فاستنادًا إلى أدلة إحفورية، قدر عالم رياضيات فرنسي عاش في القرن السادس عشر أن طول آدم كان 37.5 مترًا، وتوصل خبير آخر إلى أن آدم عاش 930 عامًا بالتمام والكمال.
في التلمود، تكهن أحد الحاخامات بأن آدم حاول، قبل أن يطلب من الله أن يخلق له شريكة، ممارسة الجنس مع جميع الحيوانات الأخرى.
كان صانعو الأيقونات يتوجسون من رسم آدم بسُرَّة، لأنه لم يولد من رحم أُم. وتساءل مارتن لوثر لماذا ساير آدم حواء وأكل الثمرة المحرمة، وخلص إلى أن آدم فعل ذلك ليرفض حياة عبودية من العرفان الدائم بالجميل عن طريق الصلاة والابتهال.
ألا نعرف أكثر
المثير في كتاب غرينبلات "صعود آدم وحواء وسقوطها" هو الإحساس بانقسام ولاءات الكاتب ومعتقداته. فالكتاب مسكون بالقلق وحيرة المؤلف، كما احتار جون ميلتون وتشارلز دارون من قبله، بين احترام المعرفة الرصينة وقبول الحكايات الأسطورية التي نعيد بها تصميم عالمنا الفوضوي الذي هجره الفرح.
لم ير دارون ضيرًا في أن نظريته عن أصل الأنواع تقوّض اللاهوت، ولكن ما كان يؤلمه أن عقله لم يعد يقدّر الشعر الرومانتيكي ويجد شكسبير "مملًا إلى حد لا يُطاق".
غرينبلات يذهب إلى حد التوصية بأن نأخذ على محمل الجد إدعاء ميلتون القائل إن قصيدة الفردوس المفقود أملتها عليه ربة إيحاء سماوية كانت تزوره ليلًا، وتجلس بجانب سريره.
يرى الأكاديمي بيتر كونراد، أستاذ الأدب الانكليزي في جامعة أوكسفورد في مراجعته لكتاب غرينبلات، أن هذه العبادة للعبقرية من جانب أكاديمي مثل مؤلف "صعود آدم وحواء وسقوطهما" غريبة بغرابة قبول ما يرويه سفر التكوين في الكتاب المقدس.
الكتاب المغامرة
لكن كتابه لم يُدبَّج لتمجيد التدين، بل للإشادة بمساعي مفكرين إنسانيين اتسمت مواقفهم بالتحدي، وإبداء الإعجاب بالمساعدة الذاتية لجنس لم يخُلق كاملًا، ويوضع في حديقة تظللها أشجار مثمرة، بل أمضى آلاف السنين من التجربة والخطأ، قبل أن يكتسب ببطء مهارات معقدة، مثل صنع الأدوات وممارسة الفن وتعلم اللغة والقدرة على استخدام العقل في التعليل.
يحق لغرينبلات أن يسمّي كتابه مغامرة، لأنه في مجرى تأليفه زار المتحف الأثنولوجي في هارفرد، حيث درس هياكل عظمية تعود إلى أسلافنا منذ غابر الزمن، وزار صحراء جنوب إيران، فاطلع على نسخة من جنة عدن، وهي ساحة ترابية مزروعة بأشجار الأرز يرويها جدول يصب في بحيرة مرصوفة ببلاطات فيروزية.
ينهي الكاتب مغامرته بزيارة جنة عدن من نوع متوحش هي غابات أوغندا. وهناك درس العادات الاجتماعية والجنسية لعائلة أخرى أنجبها نظراء آدم وحواء، أفرادها من قرود الشمبانزي، التي يقول غرينبلات إنها ما زالت في حالة من البراءة متحررة من عبء العيب والذنب الذي فرضه سفر التكوين على البشر. يختتم غرينبلات كتابه باقتباس ميلتون في وداعه المشجِّع لكل من آدم وحواء عند طردهما من الفردوس: "كان العالم كله أمامهما".