الأقباط متحدون | ألف لام ودورها السياسي الخطير
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٦:٠٩ | الاثنين ٢٨ مارس ٢٠١١ | ١٩ برمهات ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٤٦ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

ألف لام ودورها السياسي الخطير

الاثنين ٢٨ مارس ٢٠١١ - ٤٥: ٠٦ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: منير بشاي
فى اللغة العربية، عندما تضع حرف الألف إلى جانب حرف اللام، تحصل على ما يطلق عليه أداة التعريف "الـ"، ويقابلها في اللغة الإنجليزية “The”، ويقابلها في اللغة الفرنسية في المفرد المذكَّر “Le” وفي المفرد المؤنث “La” وفى الجمع  “Les”، وتستعمل أداة التعريف عادة لتعني التخصيص والتحديد، فعلى سبيل المثال كلمة "كتاب" تعني أي كتاب، بينما كلمة "الكتاب" تعنى كتابًا بالذات.

هذه معلومات أولية يعرفها كل إنسان عند بداية تعلُّمه أي لغة. واستعمال أداة التعريف هذه يمكن أن يكون تلقائيًا بريئًا، ولكنه يمكن أيضًا أن يكون خطيرًا طبقًا لمقاصد من يستعملها. وفي السياسة كانت هذه الأداة هي الوسيلة المناسبة لفض النزاع والخروج من إشكاليات لا يمكن تحقيقها بدونها، وتأجيل التعامل مع الإشكاليات للمستقبل، عسى أن تستطيع الأيام علاج ما لم يستطيعه الإنسان، ولكنها أيضًا اُستعملت بطريقة ماكرة وبسؤ نية لحل مشكلة في الحاضر، بينما أدخلت المجتمع كله في دوَّامة من المشكلات في المستقبل يصعب الخروج منها، وهناك أمثلة من الحياة على هذا.

بعد حرب 1967 بين "إسرائيل" من ناحية و"مصر وسوريا والأردن" من ناحية أخرى، استطاعت "إسرائيل" أن تنتصر وتحتل كثيرًا من الأراضي العربية. فمن "مصر" تم احتلال شبه جزيرة "سيناء" وقطاع "غزة" الذي كان يخضع لإشراف "مصر"، ومن الأراضي الخاضعة لإشراف "الأردن" تم احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية، ومن الأراضي السورية تم احتلال هضبة الجولان. وكان من الطبيعي أن تصل المعارك إلى نقطة لا يُجدي معها القتال، ويكون من صالح الجميع وقفه. وصيغت مشاريع قرارات متنوعة لوقف القتال، لكنها كانت تُرفض من طرف أو آخر، وكان الذي يقف في الطريق مشكلة التعامل مع الأراضي المحتلة. كانت الدول العربية تشترط انسحاب الجيوش الإسرائيلية إلى حدود ما قبل الحرب، بينما كانت "إسرائيل" تُصر على رفض هذا؛ لأن هذه الحدود في رأيها كانت غير آمنة. ولكن قرارًا أعدته "إنجلترا" وصيغ بحرفية بارعة، استطاع أن يحوز قبول جميع الاطراف، وهو قرار (242)، ومن بنود هذا القرار بند ينص على أن تنسحب "إسرائيل" من "أراضي" (وليس الأراضي) احتلتها في الحرب، وكان سر قبول جميع الأطراف لهذا القرار هو إنه أتاح لكل طرف أن يفهمه بالطريقة التي تروق له، فكلمة "أراضي" في مفهوم الدول العربية كانت تعني "كل" الأراضي، أما بالنسبة لـ"إسرائيل" فكانت تعني "بعض" الأراضي.

كان الهدف هو الحصول على قرار فوري لوقف إطلاق النار، بينما يتم تأجيل التعامل مع قضية الأراضي المحتلة للمستقبل وتركها للتفاوض المباشر بين الاطراف المعنية.

 والآن، وبعد نحو (44) عامًا من هذه الحرب، ماتزال معظم هذه الأراضي تحت الإحتلال الإسرائيلي، فيما عدا شبه جزيرة سيناء التي استردتها "مصر" بموجب توقيع معاهدة "كامب ديفيد" للسلام بين "مصر" و"إسرائيل" بمساعدة وضمان "الولايات المتحدة".

على أن هناك مناسبة آخرى اُستعملت فيها أداة التعريف "الـ" لا تقل شهرة وخطورة عن ما ذكرناه. وقد تم ذلك على يد الرئيس "السادات". وغني عن القول أن الرئيس "السادات" كان سياسيًا مخضرمًا يتمتع بقسط وافر من الدهاء السياسي. وكان الدستور الذى عمله سنة 1977 يحد من مدة بقاء الرئيس في الحكم، فأراد "السادات" أن يمد هذه الفترة إلى أجل غير محدود. وفي سنة 1980، ولكي يمرِّر هذا التغيير، حاول "السادات" أن يغازل التيار الإسلامي بعمل تغيير في البند الثاني الخاص بالشريعة الإسلامية، وكان النص القديم يقول: إن مبادىء الشريعة الإسلامية هي "مصدر رئيسي" للتشريع، فاقترح تغييرها إلى "مبادىء الشريعة الإسلامية هي "المصدر الرئيسي" للتشريع، مضيفًا لها أداة التعريف "الـ"، وبذلك أعطاها نوعًا من التخصيص والتمييز. وإن كان هذا البند لم يفعَّل تمامًا، فلم نرَ مثلًا تطبيق الحدود مثل قطع يد السارق وجلد السكير ورجم الزاني وقتل المرتد، ومع ذلك كان دائمًا سيفًا مسلَّطًا على رقاب المصريين يمكن تفعيله في أي وقت، وبالفعل استند إليه قضاة عند إصدار بعض أحكامهم.

وبعد قيام ثورة الشباب في 25 يناير 2011، ونتيجة مطالبة الشباب بدولة مدنية ديمقراطية، ارتفعت أصوات من فئات كثيرة من الشعب المصري- وخاصة من الأقباط- تطالب بإلغاء هذا البند الثاني من الدستور، لأنه ينص على أن نظام الحكم هو ديني بينما المطلوب هو إقامة نظام مدني. وهنا ثارت حفيظة المعارضين من الإسلاميين، منذرين إنهم سيحولوا "مصر" إلى حمامات من الدماء إن تم المساس بهذا البند!! وهدَّد شيخ الأزهر بالاستقالة من منصبه إذا حدث هذا. وعلى ذلك حرصت القيادة العامة للقوات المسلَّحة على عدم التعرض لهذا البند الملغوم عند تعديل بعض مواد الدستور.

وقد تعرَّض الدكتور "يحيي الجمل"- نائب رئيس الوزراء- لهذه الإشكالية في حديثه مع الإعلامية "لميس الحديدي" في برنامج "من قلب مصر" يوم الثلاثاء 22 مارس 2011، قائلًا: إن إلغاء المادة الثانية غير وارد الآن، ولكنه اقترح إزالة أداة التعريف "الـ" منها، وهي التي كان قد وصفها في أحد كتبه بأنها كانت نوعًا من "النفاق السياسي"، مضيفًا القول: إننا كنا مسلمين قبل إضافة أداة التعريف هذه، واستمرينا مسلمين على مدى 14 قرن، وسنظل مسلمين بعد إزالتها. وقال دكتور "يحيى الجمل" إنه إتفق مع قداسة البابا "شنودة" في اجتماع معه مساء الأحد 20 مارس 2011 على عدم المساس بالمادة الثانية، مع إضافة فقرة تؤكِّد أن لكل أقلية الأحقية في الاحتفاظ بشريعتها، وأخرى لها علاقة بالأحوال الشخصية لأصحاب الديانات الآخرى.

واضح أن هناك تخوُّفًا من المساس بأداة التعريف (الألف واللام) في المادة الثانية من الدستور. وسترينا الأيام إن كان الدكتور "يحيي الجمل" ومعه مجلس الوزراء الجديد ستكون لهم الجرأة أن يحذفوها ويخلِّصونا من أداة متجبرة متفجرة، أو قل– من وحى موضوع هذا المقال - الأداة المتجبرة المتفجرة.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :