الأقباط متحدون - علي أكروبات مدرس الألعاب
  • ٠٤:٤٧
  • الخميس , ١٤ سبتمبر ٢٠١٧
English version

علي أكروبات مدرس الألعاب

فاروق عطية

مساحة رأي

٣٩: ١٠ ص +02:00 EET

الخميس ١٤ سبتمبر ٢٠١٧

 النادي الأهلي المصري
النادي الأهلي المصري
فاروق عطية
   بمناسبة حصول النادي الأهلي المصري علي بطولتي الدوري العام وكأس مصر وطمعه في الحصول علي البطولة الأفريقية، وفشل غريمه نادي الزمالك في جميع البطولات، بفضل رئيس النادي مرتضي منصور وتدخله في كل كبيرة وصغيرة، وإقالة الكوتش لأتفه الأسباب، وتدخله في تشكيل الفريق، وخلق خصومات بين اللاعبين بعضهم البعض، وبينهم وبين المدربين، ذكرني ذلك بأيامنا الخوالي، أيام الصبا والشباب، واهتمام المدارس في ذلك الوقت بالرياضة خاصة كرة القدم.
 
   في العام الدراسي 1952/1853م انتقلت للصف الثالث الثانوي (ثالثة أول). حدث انقلاب الجيش علي الحكم الملكي إبان العطلة الصيفية للعام الدراسي السابق "في 23 يوليو وغادر الملك البلاد منفيا إلي إيطاليا في 26 يوليو بعد تنازله عن العرش"، وذلك الأمر أحدث لدينا ونحن في سن الصبا وبداية الشباب الكثير من الحيرة والارتباك. كنا قبل العطلة الصيفية كل صباح نحيي العلم ونهتف لمليكنا المفدي فاروق الأول ملك مصر والسودان، الذي كنا نحبه ونعتبره قدوة للشباب، واليوم نواجه بالنقيض، يُتهم قدوتنا بالفساد، ونحيي العلم كالعادة ونهتف لمن ثار علي الملك، ويا لها من حيرة تملكتنا ونحن في بداية سن النضوج، ورغم ذلك الحياة مستمرة ومفاهيم جديدة ترسّخ في العقول.
 
   سارت الدراسة كالمعتاد بلا تغيير يذكر في المناهج. كان من ضمن ما ندرسه حصتين أسبوعيا للتربية الرياضية وكنا نطلق عليها في تلك الأيام حصص الألعاب، وكان مدرس الألعاب الأستاذ علي مرزوق وكنا نلقّبه بعلي أكروبات لما كان يتميز به من ليونة عضلية وجسمان ممشوق يؤدي الحركات الرياضية في يسر ورشاقة.
 
   في حصص الألعاب نبدأ ببعض التمرينات السويدية ثم يوزع الطلاب إلي نشاطات جماعية مثل كرة القدم أو كرة السلة أو الكرة الطائرة، أيضا لبعض اللعبات الفردية كالملاكمة أو الجمباظ وألعاب القوي، ويتوقف ذلك علي رؤية الأستاذ علي أكروبات لما يمتلكه أي منا من مقومات. نظر إليّ أستاذنا علي أكروبات بعينيه الفاحصتين وقال لي: أنت تمتاز بطول القامة ويمكنك أن تكون ملاكما جيدا بعد تلقي التدريبات الأولية. أحضر إلي زوج من القفازات الخاصة بالملاكمة التي كنا نطلق عليها كلبظات (تحريف للكلمة الإنجليزبة جلفز) ودربني كيف أستخدم قبضتي اليمني للكم الخصم حين أجد ثغرة متاحة لتوجيه لكمة، مع تغطية وجهي بقبضة يدي اليسري مع الحركة الدءوبة لمحاولة النيل من الخصم. استمر معي في التدريب هو يهاجم وأنا أحاول صد لكماته، وفجأة لمحت تراخيه في حماية وجهه بقبضته اليسري فاستغليت ذلك ولكمته بقوة فاستشاط غضبا وكال لي العديد من اللكمات السريعة المتتالية التي لم أستطع التعامل معها لقلة خبرتي ونحن في اليوم الأول للتدريب، أصابت إحدي لكماته السريعة أنفي فسقطت علي الأرض ومسحت علي أنفي فوجدت الدماء تسح منه فصرخت غاضبا: يابن الـ ... وجريت مهرولا إلي منزلي وأنا في شدة الخوف والألم، ورفضت جميع محاولاته لاستعادة تدريبي وكرهت الملاكمة وكل من يمارس هذه الرياضة الغير إنسانية.
 
   كان مدرس مادة الأحياء الأستاذ إبراهيم وصفي "ضابط احتياط" قام بجمع عدد من الراغبين في التدريبات العسكرية فانضممت لتدريباته ليس حبا في الحياة العسكرية ولكن حبا وتقديرا له كمعلم متميز في معاملته ولطريقة تدريسه لمادته. كنت جادا في التدريبات العسكرية مما حدي به لترقيني مرتين، الأولي حصلت فيها علي شريط (وكيل أمباشي) وبعد أجازة نصف السنة رُقيت مرة أخري بشريط آخر وأصبحت (أمباشي)، كنت فخورا برتبتي وملابسي العسكرية.
 
   كان للمدرسة فناء واسع يشمل ملاعب قانونية لكل اللعبات الجماعية وأماكن خاصة (حلبة) لألعاب القوي وأخري للجمباظ. كان لكل سنة دراسية فريق لكل اللعبات الجماعية وخاصة كرة القدم، وكانت تجري مباريات بين السنوات الدراسية علي شكل دوري مدرسي وتجري المباريات بعد انتهاء اليوم الدراسي يومي الإثنين والخميس حيث ينتهي اليوم الدراسي في هذين اليومين بعد الحصة الخامسة (الساعة الواحدة بعد الظهر)، يحصل في نهايتنه الفصل الدراسي الفائز علي لقب بطل المدرسة في كرة القدم. ومن هذه الفرق يختار الأستاذ علي أكروبات الفريق الممثل للمدرسة ليدخل منافسات كرة القدم علي مستوي المديرية التعليمية.
 
   لم أكن لاعبا لكرة القدم في يوم من الأيام ولكنني بالطبع كنت أحضر المباريات لتشجيع فريق السنة الثالثة ضد فرق السنوات الدراسية الأخرى. لم تكن الخطط التدريبية كما هي عليه اليوم من تداخل بين الخطوط، كان اللعب يعتمد علي الخطوط الواضحة، خط الدفاع "الباكات"أمام حارس المرمي، مكون من ثلاث باكات واحد شمال وواحد وسط وآخر يمين، أمامهما أربع لاعبين للربط بين الدفاع والهجوم، أمامهما ثلاث مهاجمين، وكان كل خط من الخطوط يلتزم بواجباته فقط.  كان فريق السنة الثالثة فريق قوي، غالبا ما كان يفوز بالمباريات، حتي وصل للمباراة النهائية بينه وبين فريق السنة الخامسة، ومن يفوز بها يحصل علي بطولة المدرسة.  

  حضرت قبل بدء المباراة بحوالي 15 دقيقة للتشجيع، كنت مرتديا الزي العسكري استعدادا لحضور طابور تدريبي. علِمت أن المدافع اليمين (الباك رايت) للفرق حدثت له وعكة صحّية مفاجئة منعته من الحضور ولم يكن هناك بديل جاهز ليحل محله. لمح الأستاذ علي أكروبات وجودي وخاصة الحذاء العسكري الذي أرتديه، فأشار علي أن ألعب بدلا من زميلي المتوعك. حاولت التملص من هذه المهمة لعدم خبرتي باللعب ولكنه طمأنني بأنني سوف أقف علي خط الباكات وأي من مهاجمي الفريق الخصم لن يجازف بالاقتراب مني لأنه يعلم أنني غشيم لعب وخشية من حذاءي الغليظ، وفعلا قمت بالمهمة خير قيام دون أن أبذل مجهودا يذكر والبركة في الحذاء العسكري وكسبنا المباراة وبطولة المدرسة في كرة القدم.   
 
   رغم ما حدث بيني وبين الأستاذ علي أكروبات من مقاطعة للعبة الملاكمة التي أراد تعليمي إياها، ورغم ما بدر مني من ألفاظ أثناء وقوعي أرضا واعتذاري له عن ذلك وقبوله الاعتذار ضاحكا ورابتا علي كتفي، إلا أننا أصبحنا أصدقاء كما الأخوين. في حصة الألعاب يقوم بعد تمرينات السويدي بتوزيع الطلبة علي اللعبات المختلفة، ثم نتوجه معا إلي البوفيه بالدور الثاني لنلعب سويا الشطرنج أو الطاولة، ورغم انشغاله في اللعب معي إل أنه لم يغفل مراقبة اللأعبين والصيح من علي لتصحيح أي خطأ يراه.
 
   كان الأستاذ علي أكروبات يقوم بحراسة مرمي فريق المدرسة، وكان بارعا في الزود عن مرماه لما يتميز به من ليونة ولياقة بدنية فائقة. وفي يوم مباراة مدرستنا مع مدرسة سوهاج الثانوية، كانت المباراة تقام علي أرض مدرستنا حيث تجمّع كل طلبة المدرسة وناظرها ومدرسيها وفراشيها لتشجيع فريقنا الواعد. كان فريق سوهاج فريق قوي يمتاز بخط هجومه النشط، ورغم تواجده معظم فترات المباراة أمام مرمانا إلا أن دفاع فريقنا الباسل وخلفه حارس مرمي قدير متمكن حال دون التهديف. وفي هجمة مباغتة شنها فريقنا أودع مهاجمنا المنفرد بالمرمي هدفأ أثلج صدورنا فرحا. بعد هذا الهدف شن فريق سوهاج عدة هجمات خطيرة أحبطها ببراعة علي أكروبات باقتدار. وفي إحدي هذه الهجمات التحم أحد مهاجمي سوهاج مع علي أكروبات فأصابت قدم المهاجم وجه أكروبات فسقط علي الأرض يتلوي فصرخت خوفا عليه، واستيقظت من نومي مفزوعا وابتسامة أم العربي تزيدني خجلا. 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع