الأقباط متحدون - ننفرد بأول حوار مع ممثل خدمة السجون منذ تجليسه.. الأنبا دوماديوس: كلنا مجرمون.. أسسنا مكتبة داخل كل سجن.. وأعددنا منهجًا لتأهيل المساجين
  • ١٢:١٣
  • الثلاثاء , ١٩ سبتمبر ٢٠١٧
English version

ننفرد بأول حوار مع ممثل "خدمة السجون" منذ تجليسه.. الأنبا دوماديوس: "كلنا مجرمون".. أسسنا مكتبة داخل كل سجن.. وأعددنا منهجًا لتأهيل المساجين

أخبار مصرية | البوابة نيوز

٥١: ٠١ م +02:00 EET

الثلاثاء ١٩ سبتمبر ٢٠١٧

الأنبا دماديوس
الأنبا دماديوس

الخدمة قائمة على التبرعات.. ولا تقتصر على المسيحيين

السيرة الذاتية
1961 ولد الأنبا دماديوس فى قويسنا بالمنوفية
1985 وصل إلى دير السريان بوادى النطرون
1993 نال درجة القسيسية
1995 خدم فى إيطاليا ومن بينها السجناء حتى عام ٢٠٠١.
2000 نال درجة القمصية
2005 شغل منصب أمين دير العذراء والأنبا موسى بتكساس أمريكا
2013 رسم بيد البابا تواضروس

يحلم بالحرية.. والتى من الممكن أن يكون تنازل عنها من هم خلف القضبان، ينتظر يوم الإفراج، وكأنه سجين لسنوات، يبحث عن مجالات العمل والتأهيل، وكأنه عاطل يبحث عن «لقمة العيش»، يحمل هموم الناس فى بساطة وهدوء، يؤمن أن الحرية تكمن بالداخل، يحمل عبء الآخرين، يكرس وقته لسماعهم. إنه الأنبا دماديوس، أسقف كاتدرائية الشهداء، المعروفة فى 6 أكتوبر.

رغم أنه رشح كمقرر لجنة السجون منذ عام، إلا أن الخدمة تعنى له الكثير، وأثرت فى حياته وأثر فى حياة المساجين.. فى حضرته هدوء وبساطة، ورغم رتبته الكنسية إلا أنه يقول «أنا خاطئ والله سترني»، حلمه أن يساعد كل سجين. فى إصرار من «البوابة» على عرض «الكنيسة التى لا يعرفها أحد».. تلك الكنيسة التى لا تحيطها جدران ولا تُرفع فيها الصلوات وتمارس الطقوس، الكنيسة التى تعيش فى المجتمع بدون حواجز، فى الحلقة الأولى لهذه الكنيسة، بدأنا بـ «خدمةالسجون»، فيروى ممثل الخدمة بالمجمع المقدس، لنا حكايات من خلف القضبان وقصص لأناس تغيرت حياتهم بعد أن وجدوا من يهتم بهم، وحلمه أن يساعد كل سجين، وشغفه تأهيل خريجى السجون.. والى نص الحوار:

■ فى البداية.. حدثنا عن اختيارك مقررًا لخدمة السجون؟
- لم أعرف عن خدمة السجون شيئًا لحين تكليف البابا تواضروس الثانى بتولى مهام الخدمة، كمقرر للجنة المنبثقة من لجنة الرعايا بالمجمع المقدس، ويرأسها الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية. فوجئت منذ عام بإخطار الأنبا رافائيل لى بأن البابا كلفنى بذلك الأمر، وتعد الخدمة ضمن عشر خدمات منبثقة من لجنة الرعاية التابعة للمجمع المقدس، وبعد تولى تلك المسئولية أدركت عظمة هذه الخدمة بجميع مجالاتها.

■ ما الركائز الأساسية لتلك الخدمة؟
- هناك أربعة محاور رئيسية تدور حولها خدمة السجون، أولها الاعتماد على الوقاية، وفيها نحرص أن نتواصل مع الأشخاص الذين فى طريقهم للانخراط فى أعمال توفر لهم بالسجون، وبعضهم عليه ديون، والآخر وقع إيصالات أمانة، والبعض الآخر عليه قضية شيك بدون رصيد، فالكنيسة تتدخل محاولة أن تحل ذلك الأمر، ففى بعض الأوقات يتم تسديد المبالغ قدر المستطاع، قبل أن يتم الحكم على الشخص، ويتم التواصل عن طريق الخدام فى الكنائس المختلفة، يتواصلون مع الشعب بحكم معرفتهم بهم، وفى حالة أخرى يقوم المتضرر بالتواصل مع الكنيسة وعرض مشكلته.

وفى أوقات أخري، يتم تقديم النصيحة، ففى إحدى المناطق الشعبية رصدنا عددًا كبيرًا، وخاصة من السيدات اشترين أجهزة كهربائية بالتقسيط، وفى النهاية تعثرن فى دفع الأقساط وكان مصيرهن السجن، فتم عمل برنامج توعية لتلك المنطقة، وتم تقديم النصح، بحساب النفقة حتى لا تكون النهاية خلف القضبان.

■ وما المحور الثانى للخدمة؟
- الخدمة تعتنى بالسجناء من داخل المحبس، وتهتم بالجوانب الروحية والنفسية والمادية، وتساهم فى دعمهم العينى بصورة محدودة، والخدمة الروحية تستهدف إعادة تأهيل السجين، وخاصة المحبوسين بسبب قضايا نصب واحتيال أو أعمال مخلة بالآداب، وتقويم هؤلاء بالتركيز على التعاليم المسيحية، ومساعدتهم فى الاعتراف بالذنب والتوبة، ودائمًا نركز أن الله مراحمه واسعة، وعلى استعداد أن يقبلنا بالرغم من جرمنا الذى ارتكبناه.

وأؤكد أن الكنيسة نجحت فى التأثير على عدد كبير من المساجين، فقد أعلن معظمهم توبته، ومن ثم تغير سلوكه، فمعظمهم رجع إلى الله بسبب ضيقتهم ووجودهم فى السجن، وتقوم الرعاية الروحية بزيارة الأب الكاهن للمساجين بصفة دورية كل أسبوع.

وكل شهر يتم عمل صلاة قداس داخل السجن، ويتم عمل مكتبة تحتوى على كتب روحية والإنجيل، ففى كل سجن هناك مكتبة بها كتب مسيحية، ويوجد إقبال كبير على القراءة من المساجين، وفى بعض الأوقات يطلبون كتبًا بعينها، ومن أهم الكتب التى يطلبها المساجين كتب للبابا الراحل شنودة الثالث.

وهناك مناهج خاصة تم عملها للمساجين تعيش معهم يومًا بيوم، اشترك فى إعدادها عدد من الأطباء النفسيين والخدام، وهذه المناهج يتم توزيعها على المسيحيين فى السجون، وقد طلب منا عدد من المسئولين تلك المناهج حتى تعمم على جميع المسجونين، ونقوم بطباعتها وإرسالها لهم.

■ وماذا عن الرعاية الجسدية أو المادية؟
- يزور الخدام المساجين كل أسبوع، وخلال هذه الزيارة يتم تحضير وجبة غذاء شهية، قد تكون غير متوفرة لديهم، كما يتم وضع مبلغ فى حساب كل سجين بـ«كانتين السجن»، حتى يتسنى لنا مساعدتهم خلال الأسبوع.

وعلى مستوى آخر، هناك بعض المساجين من الممكن أن يخرجوا بعد قضاء نصف المدة أو ثلاثة أرباعها، وهم يحتاجون إلى مبلغ مالى بسيط ليتم الإفراج عنهم، وهنا نتدخل ككنيسة ونساعدهم فى تسديد المبلغ والخروج من السجن. وهناك مجموعة من المحامين يساعدون فى الخدمة، فيقومون بعمل استئناف أو أى إجراءات لمن حالاتهم المادية لا تمكنهم من توفير محامٍ يدافع عنهم.

■ هل يقتصر توزيع الوجبات على المسيحيين فقط؟
- لا.. هذا لا يحدث، فالمساعدة للجميع، والخدام دائمًا يحرصون على عمل وجبات كثيرة لا علاقة لها بعدد المسيحيين، ولكن تترك لرغبة المساجين، فمن يريد أن يأخذها لا يمنع، ولكن لا نستطيع فرضها على أحد.

■ ما المحور الثالث فى الخدمة؟
- المحور الثالث للخدمة، هو خدمة «أسر المساجين»، قد يكون رب الأسرة بالسجن، وترك أولاده، ليس لهم من يعولهم، هنا نقوم بخدمتهم بداية من توفير الطعام والملابس، وحتى التعليم وإجراءات ومصروفات عملية الدراسة. فالسيدة التى يتركها الزوج من الممكن أن تبيع نفسها حتى توفر حياة لأبنائها، والمسجون يأكل ويشرب وينام وليس لديه هموم، بالمقارنة بحالة أسرته بالخارج، والتى تحتاج الكثير حتى تستكمل حياتها.

وهنا من الممكن فى بعض الأوقات للجنة المركزية لخدمة السجون، والتى تجتمع مرتين بالشهر ويتم عرض مشاكلهم، ومن الممكن أن تتوصل اللجنة لعمل مشروع صغير، يمكن من بالخارج أن يعيش، من الممكن أن تكون «ماكينة خياطة - تربية طيور» ويتم تعاون اللجنة كلها لتوفير المبلغ.

■ وماذا عن المحور الرابع الذى تساعد به الكنيسة المساجين؟
- المسجون بعد خروجه من السجن المجتمع يلفظه، ولا يقبل أحد أن يجعله يعمل معه، مؤخرًا توصلنا إلى عمل منزل لهؤلاء نعيد تأهيلهم نفسيًا وسلوكيًا، وتعليمهم مهنًا بسيطة تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم، وعمل مشاريع خاصة ليستكملوا حياتهم العامة. وما زالت اللجنة تبحث عن مكان هادئ ومميز، ومن هنا من الممكن أن يعود السجين للاندماج فى المجتمع.

■ من المفترض أن السجن يؤهل المساجين.. فلماذا تعيد الكنيسة عملية التأهيل؟
- طبعًا السجن يبذل مجهودًا فى ذلك، ولكن الجو العام للتعليم غير مؤهل للتغير، فكيف لشخص بين أربعة جدران أن يتغير، بالإضافة إلى أن المساجين يؤثرون على بعضهم البعض من حيث السلوكيات الخاطئة، وهذا يعيق عملية التأهيل، وما نفعله هو عملية تكميلية لما بدأ فى السجن.

فزرع الأمل فى القلوب لا يأتى خلف القضبان، وهذا يختلف من شخص لآخر، فهناك من كان السجن مفيدًا لهم وفرصة للتغيير، وآخرون السجن دمر نفسيتهم، فالفرق كبير بداخل النفوس. وإعادة التأهيل شاهدته خلال خدمتى بإيطاليا، فقد كنت أخدم بالسجون هناك، وكانت الدولة تؤهلهم بعد خروجهم من السجن بتحديد إقامتهم لفترة زمنية لتحد من تعرضهم لارتكاب الجرائم مرة أخري، وكانوا يساعدونهم على إيجاد عمل.

■ هل هناك تعاون بين السجون والكنيسة؟
- طبعًا.. السجون تسهل علينا الخدمة بإصدار التصريحات وفتح السجن للصلاة، فمأمورو السجون يتيحون لنا الفرصة فى التواجد ومساعدة المساجين، وفى بعض الأوقات طلبوا منا زيادة عدد الكتب.

كل سجن يوفر لنا حجرة وأدوات لإقامة هيكل، للصلاة، وكذلك يسمحون للمساجين بالصلاة، وهذا شيء عظيم، ويتم رفع الصلوات فى كل الأعياد، ويتم قبل العيد بيوم أو بعده بيوم حتى يتسنى لهم الاحتفال.

■ ما مصدر تمويل الخدمة؟
- الخدمة قائمة على التبرعات للكنائس، فهناك أشخاص يخصصون تبرعاتهم لخدمة السجون، وكل كنيسة تقوم بالخدمة على حدة، فلا توجد ميزانية واحدة لخدمة الكنائس، ولا تصب عندى كمقرر للجنة الخدمة تلك الأموال، ولكن كل كنيسة بها الخدمة، تعتمد على نفسها فى عملية جمع التبرعات، ومن ثم المساهمة فى تخفيف أعباء المساجين سواء بتسديد ديونهم، أو تقديم مساعدات مادية لهم بمحبسهم.

■ كم سجنًا تخدم الكنيسة؟
- مصر بها ستون سجنًا، والسجون فى محافظات مختلفة، ومن هنا فإن فكرة الخدمة لا مركزية، فتقوم إحدى كنائس المحافظة التى بها السجن، بتسديد احتياجات المساجين، بجهودها الذاتية. وفى كل سجن هناك خادم من الكهنة مسئول عنه، وهو يتولى جمع التبرعات والصرف، فالخدمة قامت على اللامركزية، فالمركزية من الممكن أن تعطل الخدمة.

■ هل الكنيسة تقوم بتسديد كل مديونيات المساجين؟
- لا.. الكنيسة مواردها محدودة وهي قائمة على التبرعات، وهناك أولويات فى السداد، فلا يمكننا أن نسدد شيكات بمئات الآلاف، فهذا المبلغ الذى من الممكن أن أدفعه لشخص واحد، يمكن أن يكون لعدد كبير من المحتاجين، كما أن محدودية التبرعات تتحكم فى الأمر. ومن هنا تم اتخاذ قرار على أن يتم تسديد الديون البسيطة، فهناك من سجنوا بسبب عدم قدرتهم تسديد ١٠٠٠ جنيه، فالكنيسة خصصت ميزانيتها لخدمة هؤلاء وتقوم بدفع المبالغ البسيطة لهؤلاء.

■ ما أهم زيارة قمت بها وتركت أثرًا فى نفسك؟
- زرت سجن النساء بالقناطر، وكانت زيارة لها تأثير كبير على نفسي، وقد قابلت سيدة قاتلة، وكان محكومًا عليها بالإعدام، ولكنها تحولت إلى قديسة، وكان الأب الكاهن الذى يأخذ اعترافاتها، قال إنها تغيرت تمامًا وكتبت مذكراتها قبل أن تعدم، فذهبت إلى حبل المشنقة، وهى فرحانة وغير خائفة، نتيجة توبتها عن الخطايا التى ارتكبتها.

■ ما الرسالة التى توجهها للمساجين؟
- رسالتى لهم إن الله يقبلهم ويحبهم، فكلنا خطاه، هم خطاياهم واضحة أمام الجميع، وتم الحكم عليهم بالسجن، ونحن خطايانا مستورة «ربنا سترنا»، فكان من الممكن أن أكون مثلهم، كلنا مجرمون وأنا لست أحسن منهم.

وفى كل زيارة كنت أؤكد لهم، أننى بزيارتى لهم أكون قد زرت المسيح، لأنه قال «كنت محبوسا فزرتمونى بما أنكم فعلتم بهؤلاء فبى قد فعلتم». وبعد كل زيارة للسجن أشعر بفرح كبير يملأ قلبى لأننى زرت المسيح.

■ ما شعورك وأنت تصلى بالمساجين داخل السجن؟
- من أروع القداسات التى صليتها، كانت فى سجن وادى النطرون، كان الشعور مختلفًا تمامًا، الصلاة من قلوب خاشعة طالبة الله، مختلفة عن أى صلاة أخري.
وفى برج العرب مقابلتى مع مساجين قضايا القتل من أصعب الحالات التى قابلتها، ولكن جمع بينهم أنهم نادمون على ما فعلوا، والبعض يقول «لا أعرف كيف فعلت هذا».

■ ما حلمك؟
- حلمى أن أساعد كل مسجون حتى يخرج ويرى النور، وما أعنيه هنا هو ولادة نور الأمل فى المستقبل. فالمشاكل كثيرة وأنا لا أملك من الإمكانيات ما يساعدنى على مساعدة الجميع، فهناك من هم خلف القضبان مغيبون تماما عن الحياة، لا يعرف المدة التى قضاها أو المتبقية له، ومن الممكن أن يكون محتاجًا إلى إجراءات بسيطة ويخرج فى ثلث المدة.

■ ما رسالتك للمجتمع فى تعاملهم مع الخارج من السجن؟
- رسالتى أننا كلنا خطاة، من فى السجن تم القبض عليه وعوقب على جريمته، ولكن مثله الكثير والكثير خارج الأسوار ولم تثبت جريمتهم بعد.
كلنا مجرمون، ننظر لشخص على أنه قاتل، ولكن هناك الآلاف الذين يقتلون الروح والنفس ولا يعاقبون، ولكن فى النهاية، «كلنا مجرمون»، وهذا ما نعلمه للخدام، حتى يعرف الخادم أنه ليس أفضل من المساجين.

وعلى المجتمع أن يقبلهم وينظر لهم نظرة إنسانية كلها احترام، فكل نظرة سيئة له تجرح نفسيته، وهناك من يلقى الرفض حتى من أسرته فيعيش وكأنه عار، وهذا من الممكن أن يؤثر عليه بالسلب، فمن الممكن أن يكون أكثر عنفًا، فيدخل إلى قلبه النقمة على المجتمع، ولا بد من العمل على تغيير ثقافة المجتمع عن السجين، فالعنف يولد عنفًا.. والحب هو الوحيد القادر على تغيير القلوب والنفوس.

تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.