هل انتهى عصر المضاد الحيوى؟
مقالات مختارة | خالد منتصر
الجمعة ٢٢ سبتمبر ٢٠١٧
أصدرت منظمة الصحة العالمية بياناً تحذيرياً مفزعاً ومرعباً عن احتمالات اقتراب زمن عدم فاعلية المضاد الحيوى، وهذه كارثة، وكنت قد تنبأت منذ فترة بهذه المصيبة، لذلك أعيد عليكم التحذير مرة أخرى لأهمية الموضوع.
أكبر هواية يمارسها المصريون ليست هواية القراءة أو الرياضة أو مشاهدة السينما أو جمع الطوابع.. إلخ، لكنها هواية كتابة المضادات الحيوية! فما إن يشكو مصرى من زكام أو عطس أو مغص أو صداع أو زغللة أو بقللة، حتى ينتفض جاره أو صديقه أو رفيق الميكروباص أو حتى أى عابر سبيل، كاتباً على ظهر ورقة كراسة قديمة، أو علبة سجاير، وأحياناً يقولها شفوياً، وهو فخور منتفخ الأوداج، ناظراً إلى الأفق اللازوردى والكون السرمدى حتى تظنه «أبوقراط» خارجاً من قبره!! خد «أوجمنتين» أنا مجرّبه، يخففك فى يومين، على ضمانتى بلبع «يوناسين أو فيبراميسين أو دوكسمايسين».. المهم يكون فيها «مايسين»، وهتشوف المعجزة!!
لو كان «فلمنج»، مكتشف البنسلين، ما زال حياً يُرزق بيننا فى مصر لانتحر ضارباً نفسه بأطباق المعمل التى نما عليها الفطر المعجزة والدواء المنقذ، فما نبلبعه من مضادات دون احتياج طبى مُلح جعلنا الآن فى كارثة، فقد ظهرت أنواع جديدة من البكتيريا مقاومة لأى مضاد حيوى، وبتنا الآن على حافة وباء قد يأكل الأخضر واليابس إذا لم تتحرك شركات الدواء الكبرى، ومعامل الأبحاث لإنقاذنا. نحن كمن يلعب مباراة ملاكمة مع تايسون، ويريد أن يصرعه بمجرد صفعة على خده، فيرد تايسون بوابل من اللكمات يطير بها الفك العلوى والسفلى دفعة واحدة. المضاد الحيوى لا بد أن يكون موصوفاً لتلك البكتيريا الحساسة له، ولا بد أيضاً أن يؤخذ مدته كاملة، هذه بديهيات لا يتبعها ولا يطبقها أى مريض فى مصر!! لذلك أصدرت منظمة الصحة العالمية عدة توصيات حديثة منها:
- على الأفراد: عدم تناول أى مضاد حيوى دون وصفة طبية، إذا ما تناولت مضاداً حيوياً، فعليك أن تنهيه بكل جرعاته الموصوفة حتى لو استشعرت بعض التحسن.
- على المزارعين وعاملى الطب البيطرى: عدم استخدام المضادات الحيوية مع الحيوانات إلا إن كانت بالفعل تعانى من عدوى بكتيرية، وتحت إشراف بيطرى كامل، إساءة استخدام المضادات الحيوية مع الماشية والمزارع السمكية والمحاصيل تؤدى إلى تطور بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، كما تزيد من التلوث، حيث يتسرب للبيئة. تطعيم الحيوانات والنظافة يؤديان إلى تقليل تعرض الحيوانات للعدوى، وبالتالى استخدام المضادات الحيوية.
- الحكومات: عليها أن تضع خططاً قومية لتتبع ومنع ظهور بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، وعلى الحكومات كذلك وضع النظم ومراقبتها من أجل استخدام أمثل للمضادات الحيوية دون إساءة.
- الأطباء والعاملون بالقطاع الصحى: عليهم الالتزام بالتوصيات والخطوط الإرشادية لوصف المضادات الحيوية، ونشر الوعى الصحى بين مرضاهم، ومراقبة تنفيذ توصيات منظمة الصحة العالمية بهذا الخصوص، ومشاركة كل المعلومات فى هذا الشأن.
وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية قائمة بأنواع البكتيريا التى تمثل خطورة شديدة، نختار منها تلك المجموعة، وهى المقاومة لأدوية متعددة، والتى تفرض تهديداً خاصاً فى المستشفيات ودور رعاية الأطفال والمسنين، كما تنتشر بين المرضى الذين تحتاج رعايتهم إلى أجهزة من قبيل أجهزة التنفس وقسطرة الدم. وتشمل الجراثيم عديمة الحركة Acinetobacter (الراكدة)، والزائفة Pseudomonas، ومختلف أنواع الجراثيم المعوية Enterobacteriaceae (بما فى ذلك على سبيل المثال: الكليبسيلا Klebsiella، الإشريكية القولونية E. coli، السرّاتية Serratia، المتقلبة Proteus)، وهذه الجراثيم قد تسبب عدوى شديدة، وقد تكون مميتة فى كثير من الأحيان، مثل أنواع العدوى المتعلقة بمجرى الدم والالتهاب الرئوى، ولقد أصبحت هذه الجراثيم مقاومة لعدد كبير من المضادات الحيوية، بما فى ذلك الكاربابينيمات carbapenems، والجيل الثالث من السيفالوسبورين cephalosporins، الذى يُعتبر من أفضل المضادات الحيوية المتاحة لعلاج البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة.
نقلا عن الوطن