الأقباط متحدون - البنت مؤدبة والأم جاهلة!
  • ١٤:١٤
  • الجمعة , ٢٢ سبتمبر ٢٠١٧
English version

البنت مؤدبة والأم جاهلة!

مقالات مختارة | مفيد فوزي

١٦: ١٠ م +02:00 EET

الجمعة ٢٢ سبتمبر ٢٠١٧

مفيد فوزي
مفيد فوزي

(1)

عادة، لا تحظى القضايا المعنوية ذات الطابع الوجدانى باهتمام أصحاب القرار، فلا أحد «معنى» بمراقبة ما طرأ على البيت المصرى من تغيرات، وقد يهتم صاحب القرار لحظة وقوع كارثة، حيث إننا مجتمع «توقظه الكوارث»، والبيت المصرى يتعرض منذ زمن إلى هزات، من رياح وافدة عليه وقفزات اقتصادية أربكت موازينه وهجمة تكنولوجية التهمت بعض القيم التى كان يؤمن بها، رحم الله د.سيد عويس الذى كان اهتمامه بلا حدود بكل ظاهرة طفت على سطح المجتمع، يدونها ويحللها ويراها فى ضوء العصر وهل هى من ميراث متخلف أم ليست من سياقنا الأخلاقى.

كان فكر الرجل بحق كف المجتمع المصرى الذى يقرأ تعاريجه وخطوطه، وللإنصاف كان د. أحمد خليفة يقرأ بوضوح الجريمة فى مصر أسبابها وبواثعها وظروفها وكان المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجريمة «منارة فهم» للتحولات فى المجتمع، ثم فقد ظله، أما أساتذة علم النفس والفلسفة وعلم الاجتماع، فقد آثروا الصمت باستثناء أحمد عكاشة الذى مازال حاضراً بتحليلاته لظواهر المجتمع الجديدة الغريبة وقد توارى البحث الاجتماعى الجاد يوم صار المجتمع مهموماً بالسياسة خصوصاً تلك الفترة بين «تخلى» مبارك عن الحكم حتى 30 يونيو الذى تخلصت فيه مصر من حكم المرشد وتوابعه.

لقد «فرقتنا» السياسة واستحوذت علينا وصرنا زعماء ونشطاء وجلسنا فى مقاعد المتفرجين، «نتفرج» على ما «طفحت» به الأرض، كل هذا وأطفال هذه المرحلة بخوف بالغ يراقبون حتى احتوتهم العقد دون صرخة عالم تربية كيف نستعيد براءة أطفال هذه المرحلة. الأمور الوجدانية سقطت- يا ولدى- من اهتمامنا على خلفية السياسة واللهاث من أجل العيش، من هنا، أحاول بقلم متواضع الدخول فى أحشاء البيت المصرى أفتش بن جدرانه عن الطارئ والموروث عبر عنوان رمزى هو «البنت مؤدبة جداً». وأؤمن بأهمية الولوج فى البيت المصرى ولو استمر ذلك لأسابيع، فقد اعتاد كتاب هذا الزمن التخلص من المشكلة برأى فى مقالة وخلصنا، صرنا نهيم بالسطحى والقشور، أما النزول إلى الأعماق فهجرناه، صار المجتمع يتيماً بلا أب يرعى تقاليده وبلا أم تحافظ على التقاليد، وفى مجتمع تحكمه «أخلاق الزحام» على حد قول العالم الجاد د. يحيى الرخاوى.. صار كل شىء مستباحاً.

(2)

البنت مؤدبة والأم جاهلة رغم إلمام ضئيل بالقراءة والكتابة شأن ملايين البنات المؤدبات وملايين الأمهات الجاهلات، الأم الجاهلة، تعسة، الهم الأكبر أن يطلقها الرجل فى لحظة غضب لأنها غير مُؤَمَّنَة مادياً، ذلك أن عبودية المرأة فى احتياجها المادى للرجل و«الجواز ستر وغطا»، الأم الجاهلة «ترضى» الرجل بالسرير الموهبة الوحيدة لديها والنتيجة عدد من الأولاد «فوق رؤوس بعض» والجهل توأم لعدم الوعى، وفى هذا النموذج تنقطع الصلة بينها وبين البنت إلا عندما يدق على الباب شاب صغير أو رجل مطلق يطمع فى تجديد شبابه وليس للبنت رأى، فمصيرها كأمها، حياة جافة والخوف من الطلاق، وتدخل البنت تجربة الزواج بمعلومات مشوشة وحكايات متناثرة وانصياع كامل للرجل فى كل أطواره.

(3)

الموروثات القديمة تحكم الأمهات وتأتى «السيطرة» من الجدات، تحاول البنت أن تفلت من هذه القبضة المحكمة باللجوء لصديقة مرت بتجربة الزواج وتسقيها المعلومات وأحياناً تصحبها للنت للفرجة بين ضحكات أنثوية متبادلة، وحين تقلد البنت مشاهد النت يتشكك الرجل فى سابق حياتها وهناك حالات طلاق تمت بعد أســـبوع وفشل الأهل فى معرفة الأسباب لأن الزوج كتمها، ولكن السبب هو شكوك الرجل فى سيرة البنت ولا ذنب لها إن إرادت أن تجعل الزوج سعيداً وهى بنت خام، ولكن الطامة الكبرى تأتى عندما تكون البنت قد عاشت تجارب قبل الزواج وينصحونها بادعاء البراءة والخجل المصطنع أمام الزوج إتقاء شر ظنونه. هذه الحقائق موجودة بشدة فى حياتنا بين خجل حقيقى وجهل تام وانفلات على الجانب الآخر وتجارب حية ومؤشرات الطلاق تثبت الرصد لهذه الحوادث وبطلها الأم الجاهلة والوعى الغـائب والمدرسة التى تجاهلت حياة البنت، فمن الثابت أن «الصبى» يتلقى معلومات الجنس من الأصدقاء وفى أغلب الأحيان على يد الخادمات!

وفى العالم المتقدم معلومات عن الذكر والأنثى يتلقاها الأولاد والبنات فى فصول تعليم مشترك بحيث يتأهل الشاب والبنت للحياة الخاصة دون وسيط أو شكوك، ولو طالبت اليوم بإضافة تدريس الثقافة الجنسية لمناهج الدراسة على أساس علمى شأن كل نظم التعليم فى أوروبا وأمريكا، لهوجمت بشدة لأن هذا المجتمع- الآن- يمضى فى طور تخلف لا يسمح بالتبصير أو التنوير أو تفتيح الأذهان فى زمن الفتوى بالعلاقة الحميمة مع جثة!! هذا المجتمع الذى تحكمه أهواء سلفية فى العمق يتصور العلم خطيئة ويعتقد أن التنوير كفر، أخ يا بلد!!

(4)

بنت الخمسينيات كانت تلبس البكينى على الشاطئ، ومصطفى أمين نشر صورة لأمينة السعيد وهى تلعب التنس بالشورت، ولكن الزمن تغير وزحفت «أخلاق الزحام» بتوابعها، وفى المجتمع صراع خفى بين التنويريين الذين ينزعون الغمامة من فوق العيون والعقول وبين «الخلفيين» الذين يعودون بالمجتمع إلى الخلف باسم ما يعتقدون أنه الدين والأخلاق، وأنا لم أر ديناً سماوياً يبيح رمى الصبية من فوق أسطح البيوت كما فى فترة «خطف مصر». إن الأم فى البيت المصرى هى «رمانة الميزان» وأنا أتحدث عن الأم الأغلبية فليست أم «الكومبوند» أو «المنتجعات»! ربما كن يمتلكن مستويات أعلى فى المعيشة وقيما سفلى لا تخضع لمعايير، ذلك أن المال الوفيرمفسدة وأصل الشرور وضبطيات الرقابة الإدارية! وحزنى يكبر حين أكتشف ازدياد المعاهد الدينية فى الصعيد والنجوع، حيث يتعلم الصبيان ألف باء كراهية الآخر ويشب على هذه المشاعر دون أن ينبرى قصر ثقافة أو بيت ثقافة أو حتى عشة ثقافة لتصحيح المفاهيم وإرساء قيم التسامح، فهذا الصبى هو بروفة لإرهابى حين يكبر، أو ليس فى هذا المجتمع تربوى يعى ما أقول، حقاً إنه «الخطاب الثقافى» فى المجتمع وليس الخطاب الدينى.

(5)

البيت المصرى يحتاج لعملية اقتحام «اجتماعى» وليس اقتحاماً أمنياً ويحتاج منا إلى فكر «كاسترو»: تسليح المتعلمين بالوعى الاجتماعى قبل السياسى. لقد نسينا المجتمع لأننا نراه من السطح الكاذب «من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله»؟! لابد من تفعيل التربوى ورجل علم الاجتماع. غادة والى، وزيرة المعاشات، وعليها أن تتذكر أنها شؤون اجتماعية، ولكنها فى مصر خيال مآتة...!!
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع