الأقباط متحدون | رسائل تونسية:استقلال القضاء هو ُلبّ الديمقراطية العفيف الأخضر
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٠:١٦ | الجمعة ١ ابريل ٢٠١١ | ٢٣ برمهات ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٥٠ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

رسائل تونسية:استقلال القضاء هو ُلبّ الديمقراطية العفيف الأخضر

الجمعة ١ ابريل ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

 بقلم: أشرف عبد القادر
استقلال القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية،زائد حرية الإعلام،هو مضمون دولة القانون،التي يسمع بها الجميع في أرض العروبة ولا يراها أحد.دولة القانون ُوجدت في سنغافورة مع غياب الديمقراطية.وهي تجربة فريدة جديرة بالدرس وبأخذ الدرس منها.لماذا لا تطلب السفارة التونسية في هذا البلد من حقوقيين أهليين أو أجانب تزويدها بدراسة قانونية ـ سياسية عن هذه الظاهرة عسى أن تستطيع تونس تطبيقها منذ الآن.
الديمقراطية قد لا تكون في الموعد بعد حفلة الانتخابات القادمة.لماذا؟لسببين على الأقل: مازالت ثقافتها غائبة في تونس وباقي البلدان العربية ومازال أقصى اليمين الإسلامي السياسي يعاديها مبدئياً.

1 ـ ثقافتها هي ثقافة الحوار والنقاش الحر والمتعارض بعيداً عن استخدام العنف أو التهديد باستخدامه. الحوار غائب في العائلة،في المدرسة،في الأحزاب،في غالب جمعيات المجتمع المدني وفي المجتمع كله؛ ثقافتها هي جرعة معقولة من احترام المصلحة العامة، مازال التونسيون جمهوراً ونخبة لم يبرهنوا بعد على استبطانهم لها بما فيه الكفاية. تشهد على ذلك التدميرات الهائلة لبعض البنى التحتية والإضرابات والاعتصامات السريالية المدمرة للاقتصاد؛ ثقافتها هي الحلول الوسط التي تضاءلت في تونس اليوم؛ ثقافتها هي المساواة في حقوق المواطنة الكاملة بين الرجل والمرأة والمسلم وغير المسلم والعربي وغير العربي؛ثقافتها هي الفصل بين الفضاء العام، المشترك بين الجميع،والفضاء الحميم الخاص بكل فرد.إذن الفصل بين التخصصات الدينية والدنيوية،أي بين الدين والدولة.هذه الثقافة مازالت غائبة جزئياً أو كلياً.والحال أن حضورها جميعاً ضروري لاستنبات الديمقراطية وصيانتها.
2 ـ ومازال أقصى اليمين الإسلامي السياسي يعاديها مبدئياً:كتب راشد الغنوشي:"إن الكثير من المظالم والفواحش،مثل عدوان الشعوب على بعضها بالاحتلال أو الاستغلال،وانتشار الفسوق والفساد والرّشى والغش والضلال،تستمد شرعيتها من جهاز الديمقراطية ألم تزل أعرق الديمقراطيات،في بريطانيا وفرنسا،تحتفظ بوزارات للمستعمرات أو لما وراء البحار وتشرع للقمار وللواط والوأد المعاصر (=الاجهاض وتحديد النسل)؟."(انظر:"أزمة الديمقراطية في البلدان العربية ص 42"دار الساقي).
تبني الديمقراطية مبدئياً ثم تنزيلها في سياقاتها التاريخية،كما في حالتي،لا يعني الارتفاع بالديمقراطية إلى مرتبة المثال،والادعاء بأنها أفضل أداة حكم في أفضل العوالم الممكنة.كلا،فمازال أمام الديمقراطية مشوار طويل،وطويل جداً،لكي تغدو قادرة على تلبية المتطلبات العقلانية الضرورية للاجتماع البشري في حقبتنا، والتي تزداد مع الأيام تكاثراً وتشعباً؛مازال عليها أن تجتاز بنجاح سلسلة كاملة من التطورات التاريخية الأساسية مثل:مقرطة Démocratisation  العلاقة بين المواطن والمؤسسات لحماية حرياته وحقوقه الإنسانية، في الأمم التي مازالت فيها هذه العلاقة سلطوية؛مقرطة العلاقة بين الطبقات الإجتماعية،بتذويب الفوارق الهائلة بينها،حتى لا يبقى التطاحن بينها هو القانون الأبدي الذي يحكم هذه العلاقة؛مقرطة العلاقة بين الدول حتى لا يبقى قانون موازين القوة،الذي هو محاكاة بشرية لقانون الغاب،هو العلاقة الوحيدة الممكنة بين الضعيف والقوي من الدول؛مقرطة العلاقة بين البشرية كلها والبيئة كلها، بتعميم التنمية المستدامة التي تقرأ حساباً لحقوق أجيال الغد في بيئة نظيفة وموارد طبيعية وفيرة؛ وأخيراً القضاء على ديكتاتورية رأس المال المالي،المضارب والمحارب،الذي يدفع الاقتصاد العالمي إلى هاوية لا قرار لها:في 1981،اُنتخب فرنسوا ميتران رئساً للجمهورية،فتحت معه زوجته، دنيال،حواراً جاء فيه:رداً على دانيال التي سألته:"ها قد امتلكت الحكم،فلماذا لا تستخدمه لتغيير البلد؟" أجابها:"الحكم ليس لي،فرنسا،كباقي بلدان العالم،خاضعة لديكتاتورية مالية تدير كل شيء"
« Un dialogue entre François et Danielle  Mitterrant. A Danielle  qui lui demandait : « Puisque que tu as le pouvoir, pourquoi tu ne t’en sers pas pour changer le pays ? » François répondit « : Je n ai pas le pouvoir. La France, comme le reste du monde, est assujettie à une dictature financière qui gère tout ».
ستغدو الديمقراطية ديمقراطية حقاً،وانسانية حقاً و كونية حقاً يوم تخلص البشرية من مخالب الديكاتورية المالية.

قد يقول قائل أقصى اليمين السياسي الإسلامي:أوكي،أوكي،دع ديمقراطيتك تنجز هذه المهام وعندئذ سنتبناها بديلاً عن الشورى.سأرد بالمثل التونسي الهازئ بالشروط التعجيزية:"شرط العازب على  الهجالة(=الأرملة)ارجعي صبية(=بكراً) واتجوزك"!
الانتصار على آخر الديكتاتوريات،ديكتاتورية رأس المال المالي،مشروطة بنجاح البشرية في تحقيق "ُُأمّ المهام":عولمة الحلول كرد على عولمة المشاكل، (انظر:الحلقة الأولى من:هل سيكون خلفاؤكم خيراً منكم؟).حتى لا نسقط في الفُصام ،علينا أن نقبل بالديمقراطية كما هي اليوم دونما انتظار انتحاري لما ينبغي لها أن تكونه غداً.حسبنا الآن الديمقراطية كما هي في الواقع:انتخابات شفافة،تعددية سياسية،تداول سلمي على الحكم،إعلام حر وقضاء مستقل في إطار الفصل بين السلطات الثلاثة.وبعد ذلك  لكل حادث حديث.لكن بإمكاني التأكيد،دون خوف من الوقوع في الخطأ،بأن الديمقراطية الواقعية كما تعيشها البلدان الديمقراطية، بكل نقائصها، هي أفضل من جميع الأنساق السياسية الأخرى التي اكتوت بنارها البشرية منذ 7 آلاف عام كانت كلها حروباً طاحنة باستثناء 375 عاماً كانت هدنة بين حربين ! والديمقراطية،يقيناً هذه المرة،أجدى لنا بما لا يقاس من الشورى المسؤولة عن مأساة الفتنة الكبرى،السنية الشيعية،المتواصلة منذ 14 قرناً (انظر:جورج طرابيشي في "هرطقات:عن العلمانية كإشكالية إسلامية ـ إسلامية" دار الساقي).

لم يفكر نبي الإسلام في اختيار نظام لإنتقال السلطة من بعده.لماذا؟بعض المستشرقين فسر ذلك بكونه لم يكن له ابن ذكر.
لا أرجح هذه الفرضية،بل أفهم عدم تفكير محمد في مسألة انتقال الحكم تحت إضاءة أخرى: لم يفكر في ذلك لأنه كان مهجوساً بنهاية العالم،كأسلافه أنبياء بني إسرائيل الذين لم يأتوا إلا لسبب واحد وحيد: تحضير الشعب اليهودي للقاء ربه،لأن نهاية العالم اقتربت؛ هُذاء نهاية العالم ملازم لجميع الأنبياء. بدوره كان نبي الإسلام يعتقد بأن نهاية العالم وشيكة:"اقتربت الساعة ..."؛المهم إذن بالنسبة له ليس تنظيم كيفية انتقال السلطة من خليفة إلى آخر،بل تنظيم كيفية الانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء؛بولس الرسول كان هو أيضاً يعتقد أن المسيح سيعود في حياته!.

حاول معاوية الإفلات من قبضة كابوس الشورى البدوية بتطويرها إلى:"ُملك عضوض" محاكاة لبيزنطة التي كان مولعاً بتقاليدها في الحكم،لكن التقاليد البدوية كانت أقوى من إرادته السياسية ونظرة البعيد. وهكذا،ومنذ 14 قرناً إلى اليوم،مازال غياب ضوابط ثابتة لإنتقال الحكم تشكل عائقاً هائلاً أعاق استمرارية الدولة في الفضاء العربي الإسلامي.والحال أن تغيير الطواقم الحاكمة، لتجديد النخب، واستمرارية الدولة، لمراكمة التراث السياسي وصيانة الأمن والاستقرار ،هما رافعة التقدم .غياب آلية مستقرة لنقل الحكم إبتلى الفضاء العربي الإسلامي بحروب السلالات المتواصلة،صريحة حيناً وكامنة حيناً،منذ حرب الأمين والمأمون التي دامت 5 سنوات واستنزفت موارد الدولة ودمرت عاصمتها ...،إلى الانتفاضة الثالثة الجارية اليوم والتي كانت خلفية قماشتها غالباً هي معارضة"التوريث"!.
حققت أوربا استمرارية الدولة،التي هي إحدى أهم أسرار تقدمها،منذ عدة قرون،بتوريث البكر،ابناً كان أو بنتاً،الحكم والثروة حفاظاً على عدم تفتيتهما معاً.اعترف "الراعي والرعية"في  أوربا بشرعية هذا التوريث السياسية وجدواه الاقتصادية.
منذ بضعة أسابيع أوصى"المجلس (=البرلمان) الإيراني السلطة القضائية بالحكم بالإعدام على زعيمي المعارضة الإصلاحية،حسين موسوي ومهدي خروبي.! حكومة أقصى اليمين الإسلامي السياسي الإيراني حائزة على إعجاب بعض قادة أقصى اليمين الإسلامي السياسي التونسي،كراشد الغنوشي،الذي وصف حكومة أحمدي نجاد،بمناسبة المذبحة التي نظمتها لقتل مائة شاب من عشرات الألوف الذين تظاهروا احتجاجاً على تزوير الرئاسيات،بأنها:"حكومة حقيقية" (انظر تصريح الغنوشي في"الوطن العربي 2010").لذا على المشرفين على تحضير الدستور الجديد أن يكونوا أكثر حذراً بإعطاء جميع الضمانات الدستورية لتأمين استقلال القضاء، كالتنصيص على عدم قابلية القضاة للعزل.والأفضل من ذلك،هو إشراك القضاة أنفسهم في تحرير المواد الخاصة بهم.إذا نجحت التجربة التونسية في تحقيق استقلال القضاء فعلا،فسيشكل ذلك سابقة تاريخية وقفزة نوعية إلى الأمام لم تعرفها تونس في كل تاريخها.اذ كان قضاة الإسلام،الا نادرا،كما وصفهم حجة الإسلام أبو حامد الغزالي:"يفضلون دراسة الفقه على دراسة الطب لأكل أموال اليتامى"! .

الرشوة وتنفيذ إرادة "ولى الأمر" هما السرطان الذي أودى باستقلال ونزاهة القضاء في أرض الإسلام قديما وحديثا ومازالا هما الدائين العضالين اللذين ينبغي على الأخصائيين تقصي أسبابهما لاتخاذ التدابير الكفيلة بقطع دابريهما.
القضاء المستقل والإعلام الحر هما الرجلان اللتان تخطو بهما الديمقراطية خطواتها الأولى الواعدة.فراغ القضاء المستقل يملؤه الظلم وفراغ الإعلام الحر تملؤه الإشاعة.القضاء المستقل يجعل الحقوق والحريات مضمونة والإعلام الحر يجعل الحياة المدنية،اي الحياة العامة أو الفضاء العام أو "سياسة الدنيا"،كما اسماها الماوردي،تحت الأضواء،مرئية من الجميع وكل احد.إذن قابلة لأحكام القيمة،لأنها غدت قابلة للقياس بمعايير حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
القضاء المستقل والعادل والإعلام الحر والنزيه يتكاملان لحماية الفضاء الخاص من التلصص عليه من ثقب الباب،سواء أكان المتلصص هو الإعلام الفضائحي أو هو البوليس المغرض.وهكذا يكوُنان ترياقا لانتهاك الحقوق والحريات وللفساد والاستبداد،وبذلك يضمنان شروط العيش معا في مجتمع حر،عادل ومنفتح على كل جديد في الفكر والحياة،على مؤسسات وعلوم وقيم العالم الذي نعيش فيه.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :