الأقباط متحدون - شيوخ المزيكا... قرّاء قرآن عزفوا وغنوا وسمعوالأم كلثوم ولبيتهوفن
  • ١٤:٣٠
  • الأحد , ٢٤ سبتمبر ٢٠١٧
English version

شيوخ المزيكا... قرّاء قرآن عزفوا وغنوا وسمعوالأم كلثوم ولبيتهوفن

١٣: ٠٤ م +02:00 EET

الأحد ٢٤ سبتمبر ٢٠١٧

محمد عمران
محمد عمران

 نعرفهم يتلون القرآن بين ميكروفونات الإذاعة. هكذا تعودنا عليهم ولم نعرفهم في جلساتهم الخاصة، لم نعرف مكتباتهم الموسيقية وعلاقاتهم بالموسيقى والطرب.

 
كان بعض شيوخ التلاوة والإنشاد في مصر على علاقة بمطربين وموسيقيين، وقد عرف بعضهم طريق الأغنية الكلاسيكيّة والموسيقى والعزف. أدهش هؤلاء الشيوخ الوسط الفني بقدرتهم على التنقل بين المقامات والتلوين الطربي.
 
محمد عمران: "قول يا جدع"
 
بصحبة أصدقائه، المبتهل ممدوح عبد الجليل والموسيقار الكبير عبده داغر وعازف العود مدثر أبو الوفا، جلس المنشد والقارئ الراحل محمد عمران، في إحدى سهراته وطلب قهوته السادة، ثم بدأ يثني على تقاسيم أبو الوفا وداغر.
 
أشعل سيجارته الأولى ليستمتع بأداء عبد الجليل في مقطع لأغنية اسمها "حلم" لأم كلثوم.
 
عبد الجليل لم يقل في البداية إلا جملة واحدة: "خلصنا الكلام كله". بعدها أخذ عمران نفساً طويلاً من سيجارته، وتبادل مع صديقه نغماً هادئاً ومقامات لا آخر لها، تتوسطها آهات تعبّر عن حالة السلطنة، وجمل خفيفة متبادلة بينهما مثل "قول يا جدع"، كلّ هذا في تسجيل قديم مدته 14 دقيقة يعود إلى العام 1988 في منزل عبد الجليل.
 

"حلم" لم يكن التسجيل الوحيد لعمران، فالرجل الذي تعلّق بالقرآن حفظاً وتلاوة لم يجد عيباً في غناء القصائد وإنشاد بعض الموشحات بمرافقة آلات موسيقيّة. غنى قصيدة "يا من هواه أعزه وأذلني" بمرافقة كمان "عبده داغر"، الذي رافق أغلب تسجيلاته.
 
في هذا التسجيل، كان الموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي حار في طبقات صوت عمران، حاضراً، وكان يردد بين الحين والآخر عبارات إعجاب بأداء عمران، ومن فرط دهشته بالأداء وكيفيّة التنقل بين النغمات والمقامات بسهولة شديدة، قال أثناء التسجيل: "يا عيني... ح تروح على فين دلوقت".
 

في تسجيل ثالث بحضور موسيقار الأجيال، وبناءً على دعوة منه، لم يجد عبد الوهاب وصفاً لأداء عمران وتقاسيم داغر في ابتهال "يا سيد الكونين" إلا قوله: "الله عليكم انتو الاتنين".
 
عبد الوهاب كان تجاوب معهما سريعاً وحيّاهما: "الله الله"، فردّ عليه عمران: "إحنا مش مجهزين يا أستاذ، بس هنقول حاجة إن شاء الله هتعجبك". ضحك الموسيقار وقال: "كفاية تواضع"، وبعدها انطلق عمران يشدو.
 
كان الموسيقار هائماً في الموسيقى والغناء ويردد في كلّ حين بعفويّة: "يا واد يا واد" كلّما ذهب الشيخ إلى مقام جديد، فيرد الشيخ على مدحه بتواضع: "العفو يا سيدي".
 
الإعجاب كان واضحاً على ردود فعل "عبد الوهاب" في تلك الليلة؛ يصرخ: "يا جبار يا جبار"، ثم يستفزهما: "جاري كمان لو كنت شاطر".
 
وفي أدب شديد لم يجد عمران إلا كلمة "العفو" ليرد بها على الموسيقار الكبير الذي لم يمّل الثناء على الأداء بكلمات يعرف "السمعية" قدرها جيدًا كمثل: يا ساتر، آه ياحبيبي، كده كده.
 

ولد عمران في مدينة طهطا بمحافظة سوهاج في 15 أكتوبر 1944، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في سن العاشرة على يد الشيخ محمد عبد الرحمن المصري ثم جوّده على يد الشيخ محمود جنوط في مدينة طما.
 
انتقل إلى القاهرة قبل أن يتم عامه الثاني عشر، ليلتحق بمعهد المكفوفين للموسيقى، حيث تعلم أصول القراءات والإنشاد وعلم النغم والمقامات الموسيقيّة وفن الإنشاد الديني.
 
رحل الشيخ محمد عمران عن هذا العالم في 6 أكتوبر 1994، تاركاً مجموعة من التسجيلات النادرة. المدهش أنّ قرار اعتماده قارئاً في الإذاعة وصل إلى منزله بعد وفاته بعشرين يوماً.
 
النقشبندي وبليغ حمدي
 
 
"قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي/ روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ" من مقام النهاوند ممزوجاً بلمسة خفيفة من مقام الراست، يغنيها سيد النقشبندي بصحبة آلات وتريّة، ومساحة صوت كبيرة.
 
ولكن الأمر لم يقتصر على بضعة أبيات من هذه القصيدة لعمر بن الفارض، بل امتد ليشمل عشرات الابتهالات والقصائد التي أنشدها "النقشبندي" بالتعاون مع عدد من الملحنين والشعراء. كان أبرزها قد وُلد بفضل تجربة خاصة، بتوصية من الرئيس الراحل أنور السادات، مع الموسيقار الراحل بليغ حمدي والشاعر عبد الفتاح مصطفى.

"مولاي" قصيدة كتبها الشاعر عبد الفتاح مصطفى ووضع لحنها الموسيقار بليغ حمدي، وأنشدها النقشبندي بعد محاولات عدة، عندما تدخل السادات الذي كان مغرماً بصوته، لدرجة أنّ رئيس مصر حينها كان يصطحبه معه إلى قريته "ميت أبو الكوم" لينشد له ابتهالاته في مدح النبي في جلسات خاصة.
 
كان النقشبندي واحداً من خمسة شيوخ مقربين لقلب السادات مثله مثل الشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ عبد الحليم محمود.
 
وفقاً للمذيع وجدي الحكيم، سجل النقشبندي ستة أدعية مع بليغ حمدي، منها: أشرق المعصوم، رباه يا من أناجي، ليلة القدر، وقد قال الحكيم: "إن لم يسجل النقشبندي تلك الأدعية ما كان ليكون له تاريخٌ بعد رحيله".
 

كان النقشبندي يحفظ مئات الأبيات الشعريّة للإمام البوصيري ولابن الفارض ولأحمد شوقي، وكان قد قال في حوار قديم له مع الإذاعي الراحل طاهر أبوزيد، إن أحب المطربات إلى قلبه هي "أم كلثوم"، وكان قد غنى لها جزءاً صغيراً من قصيدة «سلوا قلبي» لأمير الشعراء، وقال بأنّه صارحها ذات مرة بعشقه لصوتها، خاصة في أداء القصائد.

ولد سيد محمد النقشبندي عام 1920، ويعدّ صاحب مدرسة متميزة في الابتهالات وأحد أشهر المنشدين والمبتهلين في تاريخ الإنشاد الديني. كانت لديه مكتبة كبيرة لإسطوانات بيتهوفن وخادشا دورين، ويراه الموسيقيون أحد أقوى وأوسع الأصوات مساحة في تاريخ التسجيلات.
 
هناك إجماع من خبراء الموسيقى على أنّ صوت النقشبندي يتكون من ثماني طبقات، وتتأرجح عذوبة صوته ما بين طبقات الميترو سوبرانو والسبرانو، وظهرت إمكانياته بشكل أكبر في غناء قصيدة "غير على السلوان قادر".
 
عبد الباسط عبد الصمد وصباح فخري وفيروز
 

 الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
"نعم أسمع أغاني، وأعشق كلّ صوت جميل" لم يتردد الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في الإجابة على سؤال وجّه إليه حول سماعه للأغنيات في حواره مع التليفزيون القطري الكويتي عام 1976.
 
قال إنه يعشق صوت أم كلثوم واصفاً إياه بـ"كوكب الشرق والغرب"، وقال إنّها الأقرب إلى قلبه، كما قال إنّه يُفضل الاستماع إلى محمد عبد الوهاب، وإنّ الدين لا يُحرّم الغناء لكن الغناء لا يتناسب مع قيمة قارئ القرآن.
 
في حوار صحفي مع مجلة "أهل الفن" عام 1955 رد عبد الصمد على سؤال متعلق بالتمثيل بأن أفضل ممثل في رأيه هو يوسف وهبي، وأحسن ممثلة فاتن حمامة، وقال إنّه يعشق صوت عبد الحليم حافظ ويحفظ بعض كلمات من أغنية "الحلو حياتي".
 
منذ سنوات تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً نادرة لعبد الباسط عبد الصمد وهو يعزف على آلة العود، وكان نجله اللواء طارق عبد الصمد قد علّق في حوار صحفي على أنّ والده كان يعزف آلة العود ويحب الاستماع إلى محمد عبد الوهاب وفيروز ووديع الصافي وصباح فخري، كما كان يحرص على حضور بعض حفلات كوكب الشرق أم كلثوم في الأوبرا.
 
عبد الباسط محمد عبد الصمد، ولد عام 1927، ويُعد أحد أشهر قُرّاء القرآن الكريم في العالم الإسلامي. ترك للإذاعة المصريّة ثروة من التسجيلات، إضافة إلى نسختين من القرآن واحدة مرتلة وأُخرى مجودة، وكان أول نقيب لقُرّاء مصر سنة 1984.
 
مصطفى إسماعيل: "أطلب عيني"
 
كانت زوجته فاطمة عمر لا ترتدي الحجاب، وكانت تعشق آلة البيانو لدرجة كبيرة، وأمام رغبتها فى تعلم العزف اشترى لها واحداً، وساعدها كثيراً في تعلم المقامات، ووقف إلى جوارها وقدمها لوسائل الإعلام، وكان يحرص على الاستماع لعزفها.
 
في 20‏ أبريل ‏1956‏، خصصت مجلة "المصور" ست صفحات لنجوم قراءة القرآن‏، وكان الشيخ مصطفى إسماعيل واحداً منهم. أثناء الحوار عزفت زوجته أمام ضيوفها، واختارت أغنية ليلى مراد الشهيرة "أطلب عيني"، وكان ابنها ووالده إلى جوارها، وكان الأخير يهز رأسه أثناء العزف إعجاباً بما يسمع‏، وعندما انتهت صفق وقال لها‏: أحسنت.‏

 
في تسجيل نادر، طلب من الشيخ مصطفى إسماعيل في إحدى الجلسات الخاصة مع أصدقائه أن يغني مقطعاً صغيراً، فوافق، ودندن على طريقة المواويل من مقام السيكا في مقطع مدته 60 ثانية تقريباً.
 
وفي عام 1952 اجتمع الشيخ مصطفى إسماعيل والموسيقار محمد عبدالوهاب مع عدد من الأصدقاء في جلسة طربيّة، يستمعون فيها لآخر ألحان عبد الوهاب وتلاوات إسماعيل.
 
حسن النادي: "ليلتك مهببة"
من أدوار الشيخ زكريا أحمد، وعلى مقام السيكا، غنى القارئ الشيخ محمد حسن النادي دور "أنت فاهم"، وفي خمسة وثلاثين دقيقة أمتع صحبته بمقامات شرقيّة عذبة.
 
ولد النادي عام 1921 في إحدى قرى محافظة الشرقية، وله تسجيلات عديدة في الإذاعتين المصريّة والسوريّة. تعلّم الموسيقى وعلم المقامات الموسيقيّة وأجاد العزف على العود قبل اعتماده عام 1951 مُقرئاً فى الإذاعة.
 
في إحدى  التسجيلات غنى النادي لأصدقائه موال "قم في دجى الليل"، وكان أداؤه في هذا المقطع كبيراً وقوياً، وسط آهات الإعجاب من أصدقائه. قال له أحدهم في ذلك اليوم، من فرط تأثره: "ليلتك مهببة".
 
عاصر الشيخ محمد حسن النادي الكثير من الأحداث التى مرت بها مصر كمعاهدة 1936، وحرب فلسطين عام 1948، وثورة يوليو عام 1952، والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 قبل أن يتوفى عام 1961.
الكلمات المتعلقة