الأقباط متحدون - أليس ملايين العلماء المصريين أبناء فلاحين؟
  • ٢٢:٤٧
  • الأحد , ٢٤ سبتمبر ٢٠١٧
English version

أليس ملايين العلماء المصريين أبناء فلاحين؟

مقالات مختارة | طلعت رضوان

٢٤: ٠٥ م +02:00 EET

الأحد ٢٤ سبتمبر ٢٠١٧

طلعت رضوان
طلعت رضوان

تستوقفنى بديهية تتجاهلها الثقافة المصرية السائدة، وهى أنّ جيل المتعلمين المصريين الذين وُلدوا قبل كارثة أبيب/ يوليو1952 كانوا أبناء عمال وفلاحين، ورغم ذلك نبغ عدد كبير منهم فى شتى مجالات العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية.

وقد أثارتْ الفضائيات موضوع الحقوقيين الذين تقـدّموا للعمل بالنيابة، وبعد اجتيازاتهم للامتحان تمّ رفض 138وكان السبب كما قيل لهم أنّ الوالد والوالدة ليس معهم مؤهل جامعى. ولفت نظرى أنّ الحوار تركــّـز حول المؤهلات الجامعية. فى حين أنّ آباء وأمهات كثيرين من المفكرين والعلماء كانوا من الأميين، والأغبية الساحقة منهم من الفلاحين، الذين أدواتهم (الفاس وليس الكتاب والكراس) وهم الذين لايمكن لأى مجتمع إنسانى أنْ يستغنى عنهم. وهذا الموضوع يُثير قضية هل المُـتعلم أفضل من الأمى؟ وكيف يكون الازدراء من الأمى الذى ربى وتحمّـل الشقاء حتى يتمكــّـن من تعليم أولاده؟

يعتمد التعليم المصرى على التزوير وأنّ الوطن ملكٌ للمسلمين وأنّ المصريين المسيحيين مجرد (أهل ذمة) أى ليست لهم حقوق المواطنة، وهوما أكده التعليم الأزهرى حيث يتعلم التلميذ ما يلى ((يُمنع الذمى من أخذ المعدن والركاز (= الموارد الطبيعية) بدار الإسلام، كما يُمنع من الإحياء بها. لأنّ الدار للمسلمين وهو دخيل فيها)) كما يتعلم لشروط صحة الوقف ((أنْ لا يكون فى محظور. أى محرّم كعمارة الكنائس ونحوها من متعبدات الكفار)) وهذا التعليم يُدمرعقل التلميذ عندما يُـقنعه بتطابق كتب الفلسفة مع كتب الشعودة فيقول له ((لا يصح بيع كتب الكفر والشعوذة والفلسفة))

وعن التعليم العام قصيدة مكرّسة لتمجيد الحجاب (بوصفه فضيلة الفضائل) فلماذا يُجبر المسيحيون على (حفظ) هذه القصيدة ؟ وما أثر ذلك (الحفظ) على التلميذات المسلمات غير المحجبات؟ وقصيدة أخرى (حفظ أيضًا) كلها تمجيد فى الأزهر. فهل يُمكن تدريس قصيدة لتمجيد الكنيسة المصرية وإظهار دورها الوطنى أثناء ثورة شعبنا عام1919؟ وكتب اللغة العربية كأنها كتب إسلامية. يُجبر فيها التلاميذ المسيحيون على حفظ آيات القرآن وهو أمر يتعارض مع المواطنة. وآيات القرآن مدسوسة فى دروس العلوم. وفى كتاب التاريخ المقررعلى تلاميذ المدرسة الدولية الذكية بطريق القاهرة الإسكندرية يتعلم التلميذ أنّ (اليهود هم بناة الأهرام وأنّ القدس عاصمة إسرائيل) كما يتم ترسيخ مقولة أنّ المجتمعات الإنسانية تنقسم إلى مؤمنين وكفار وهى من بضاعة الأصوليين.

فإذا كان الأميون أبناء ثقافة قومية تأسّستْ على التعددية ونبذ الأحادية والاعتراف بالآخر المختلف وبالتالى لم يعرفوا لغة التكفير، لكل ذلك أعتقد أنّ الأمية المصرية أفضل من التعليم المصرى (منذ يوليو52) وأود أنْ أوضح أنّ الأمية لاترادف (الجهل) الذى هو فقدان المعرفة فى فرع معين، فالطبيب (جاهل) بعلوم الهندسة، والمهندس (جاهل) بالطب والقانونى جاهل بالإثنيْن..إلخ. وعلى الضفة الأخرى فإنّ الأمية لا تنفى وجود ثقافة قومية أبدعتها الشعوب عبر آلاف السنين. وهى الثقافة المُجسّدة فى مجموع أنساق القيم، وأنّ الأميين أبدعوا فى فنون العمارة والخزف والخيامية. وذكرد. عبدالحميد يونس ((إنّ بعض الأميين أوسع ثقافة من بعض المتعلمين، وأنّ القراءة والكتابة ليست هى الفيصل، لذلك تجد فلاحًا يُعبرعن وعى ثقافى أكبر من إنسان حصل على شهادة من إنجلترا. وأنا أتكلم من واقع خبرة حية. والفلاحون يكرهون القضاء الشرعى ويُفضلون حل مشاكلهم بأنفسهم)) وفى دراسة للماجستير أعدها أ. أحمد أنور ذكرأنه أعدّ استمارات استبيان للرأى العام، وفى سؤال عن دور الدين فى أسباب هزيمة يونيو67، كانت النتيجة أنّ 3, 7% من نسبة الأميين يرون أنّ سبب الهزيمة هو ((غضب ربنا علينا)) بينما النسبة عند ذوى التعليم المتوسط 2, 48% وعند ذوى التعليم العالى 6, 56% هذا المثال يُوضح أنه رغم اعتقال عقول شعبنا فى مبنى ماسبيرو وفى المدارس والجامعات فإنّ الأميين المصريين كانوا أكثر وعيًا من المتعلمين بالأسباب الحقيقة لهزيمة يونيو، وذكرالفيلسوف برتراند رسل، أنه بدون البحث العلمى وحرية النقد ((يكون من الأفضل لنا أنْ نظل أميين)) كما أنّ أغلب أعضاء الجماعات الإسلامية، كانوا من خريجى كليات القمة. وهل يتصورأحد أنْ يقول مصرى أمى ماقاله د. أحمد عمرهاشم ((الإسلام لايمنع التعامل مع غيرالمسلمين، ولكن يمنع المودة القلبية والموالاة لأنّ المودة القلبية لاتكون إلاّ بين المسلم وأخيه المسلم)) (جريدة اللواء الإسلامى عدد153) بينما الفلاحون والعمال يستنكرون مثل هذا الكلام.
نقلا عن الحوار المتمدن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع