بقلم: مجدي ملاك
تُثار في الآونة الأخيرة قضية ترشيح الدكتور الوزير فاروق حسني كرئيس لمنظمة اليونسكو خلفًا لمدير المنظمة الحالي الياباني الأصل كويشيرو ماتسورا، ويبدو أن المعركة شرسة ليست فقط بين المرشحين بين مختلف الدول ولكن بين الدول وبعضها في محاولة تأييد مرشح ضد مرشح آخر، مع ضرورة الأخذ في الإعتبار أن مرشح تلك المنظمة يجب أن يتمتع بسمعة عالية في التسامح وقبول الثقافات المختلفة، فهناك شروط أساسية يجب أن تتوافر في كل مرشح لذلك المنصب الرفيع الذي يعد من أهم المناصب الدولية على المستوى الثقافي، حيث تطلع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بدور هام في التقريب بين ثقافات الشعوب وتراثها الحضاري، ومن ثم لا يجب أن نأخذ موقف الترشيح على أنه موقف وطني أو غير وطني، فمن يكره شخص داخل المجتمع قد لا نتفق مع سلوكه ولا نقبله في كراهيته للآخر ولكننا في نفس الوقت لا يمكن أن نسقط عنه صفة الوطنية بسب عدم قبولنا لسلوكه الذي يكره الآخر.
الوزير فاروق حسني كنت واحد من أشد المعجبين به وقرأت له العديد من التصريحات التي وجدت فيها نوعًا من الوقوف ضد التيار كان أشهرها تلك المتعلقة بضرورة الإعتراف بالأديان الوضعية داخل مصر، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الجدل خاصة بين الأوساط الإسلامية التي رأت في تصريح فاروق حسني خطر كبير على الأمة المصرية من وجهة نظرهم، وعلى الرغم من ذلك لم يتراجع فاروق حسني عن تصريحاته في هذا الشأن، وهنا احترمت له هذا الموقف جدًا واعتبرته تطور كبير في قبول الآخر والسماح له بالعيش بسلام حتى ولو كان يؤمن بدين وضعي، ولكن الإنسان لا يحسب على موقف واحد دون الآخر، فالإنسان كل متكامل يحسب على مجمل مواقفه خاصة إذا تعلق الأمر بمنصب دولي له شروط محددة وصفات يجب أن يتمتع بها من يتولى هذا المنصب، وفي هذا الخصوص كان للوزير فاروق حسني تصريح العام الماضي قال فيه "أنه لو وجد كتاب أو رواية يهودية في أي مكتبة مصرية فإنه سوف يحرقه" وهو التصريح الأخطر للسيد الوزير، وكنت أعتقد في البداية أن وزير الثقافة لا يمكن أن يقول مثل هذا التصريح الذي يخلو من أي ثقافة، ولكن الوزير فاروق حسني لم يبادر بنفي ذلك التصريح -وهو ما يعني أنه قد قال هذا التصريح بالفعل-، وهنا تعجبت بشدة من هذا الموقف من واحد كنت أعتقد أنه أفضل وزراء الثقافة في مصر، وبدأت أتساءل كيف يحرق وزير للثقافة كتاب في مكتبة.
وما أخذته عليه فى هذا الوقت وكتبت فيه كنت أعتقد أنه سيؤثر على فاروق حسني بشكل أو بآخر في المستقبل، ولم يكن فاروق حسني قد أعلن أنه سيرشح نفسه لليونسكو بعد ولكن كان داخلي إيمان أن مواقف الإنسان تؤثر بشكل أو بآخر على مستقبله، ولذلك حينما جاء ترشيح فاروق حسني وأثار جدلاً كبيرًا حتى بين الدول الأوروبية التي تملك مصر معها علاقات قوية جدًا، فدولة مثل فرنسا وهي دولة شديدة الصداقة لمصر أعلنت أنها لم تختار مرشح اليونسكو بعد، وأنها لن تعلن عن ترشيحها، كما انضم المجلس الثقافي الألماني إلى الأصوات المنتقدة لترشيح فاروق حسني وقال رئيس المجلس اولاف زيمرمان أن "انتخاب فاروق حسني مديرًا عامًا لليونيسكو سيكون خطأ فادح" حسبما جاء بموقع دويتشه فيليه الألماني، وكل مواقف الدول الأوربية لم تأخذ على فاروق حسني سوى تصريحه الذي كان للأقباط متحدون السبق في إظهارة وعمل تحقيق صحفي حول هذا التصريح الخاص بحرق الكتب اليهودية والروايات الموجودة في المكتبات المصرية.
وجهة نظري الشخصية البحتة أنه بعد خروج هذا التصريح من الوزير فاروق حسني فإن ذلك لا يؤهله أن يكون مدير لمنظمة اليونسكو، وحتى لو كان تبرير الوزير في ذلك الوقت أنه كان يحاول أن يفوت الفرصة على الإسلاميين حتى لا ينتقدوه، فهو عذر أقبح من ذنب، لأن وزير الثقافة يجب عليه أن يقف ضد كل روافد الكراهية لا أن يستسلم لها ليحاول أن ينال رضا طرف من الأطراف على حساب المبادئ وأخلاقيات التسامح التي يجب أن يتمتع بها وزير ثقافة، وأرجو أن لا يفهم الناس أن ترشيح فاروق حسني لليونسكو يجب أن يكون موقف وطني، وأن من يعارض ترشيحه فهذا يعني أنه شخص غير وطني فهذا غير صحيح، ذلك لأن تأييد فاروق حسني لا يجب أن ينبع من حس وطني ولكن يجب أن ينبع من حس إنساني يقبل الآخر ويحترمه ويحترم ثقافته، وهو الأمر الذي فشل فيه الوزير بعد التصريح الذي أدلى به العام الماضي.
أما الحديث عن مؤامرات لعدم فوز فاروق حسني بالمنصب وغيرها من الأمور التي يتفنن العالم العربي في تقديمها لشعوبهم حتى يبرر الفشل فهذا أمر متوقع، وهو ما رصدته في كل الكتابات التي نُشرت في معظم الجرائد المصرية والتى تدافع عن ترشيح فاروق حسني كمدير لمنظمة اليونسكو وكأنه أمر وطني، ونسوا أن ترشيح فاروق حسني ليس أمر وطني يجب أن نجمع عليه حتى نبدأ في الترويج لنظرية المؤامرة لنغطي بها على فشلنا في قبول الآخر والتسامح معه، فهؤلاء اللذين يدافعون عن ترشيح فاروق حسني هم أنفسهم الذين يبثون نفس الكراهية ضد الآخر ويرفضون التسامح معه ومع ثقافته.
فهل نراعي ضميرنا الإنساني في هذا الإختيار أم نسير مع القطيع ونظل نتشدق بالوطنية الوهمية؟.