الكاتب
جديد الموقع
تعقيباً على مقال العفيف الأخضر:هل الدولة السلطوية ضرورة تاريخية؟
أين هو الحاكم العربي المستبد المستنير؟
بقلم: اشرف عبد القادر
قرأت مقال المفكر العفيف الأخضر"هل الدولة السلطوية ضرورة تاريخية؟"المنشور في "الحوار المتمدن" بتاريخ 21/3/2011،والذي حلل فيه بمنهج سسيولوجي سياسي أهمية الدولة السلطوية كضرورة تاريخية للوصول إلى الديمقراطية،وأنها مرحلة مرت بها أوربا،وتمر بها ـ الآن ـ بلداننا العربية، للوصول إلى الديمقراطية،لكن الفارق أن حكام أوربا المستبدين استفادوا من فلاسفة وفلسفة الأنوار بنشرها بين الشعوب مع استمرار ديكتاتوريتهم وسلطويتهم،مما شكل وعي العامة لتقبل الفكر العلماني الذي فصل بين الدين والدولة،والذي شكل بدوره الأرض الخصبة لتقبل الديمقراطية. أما في حالتنا العربية فالموقف مختلف، حيث لا يوجد حاكم عربي مستبد ومستنير.مستبد: نعم، مستنير: فلا.
أذكر حواراً دار بين الأستاذ خالد محمد خالد والرئيس الراحل جمال عبد الناصر:
سأله الأستاذ خالد:سيادة الرئيس أحد المبادئ التي قامت عليها ثورة يوليو كانت"إقامة حياة ديمقراطية سليمة"،فأين هي الديمقراطية؟
فرد جمال عبد الناصر: الشعب مش جاهز يا خالد.
فرد عليه خالد: دا دورك يا سيادة الرئيس ،أن تجهز الشعب.
هذا المثل يبين كيف أن الحاكم العربي المستبد يعلم أن شعبه جاهل ولا يفعل أي شيء لتوعيته وإعداده لتقبل الديمقراطية،كيف يُنور شعبه وهو يعلم أنهم عندما يتنورون سيطالبون بحقوقهم ويزول حكمه؟ بل على العكس، فإن معظم حكام العرب مستبدين ويعملون على تغييب العقليات والذهنيات وإشاعة جو من الخرافة والشعوذة والفكر السحري الأسطوري ليستمر الجهل والتجهيل،ويطول حكم الحكام المستبدين الجاهلين، كما هو الحال في جل، إن لم يكن كل، الأنظمة العربية.
الجهل والأمية هما الأرض الخصبة التي يرتع فيها الديكتاتور المستبد ويمرح،نظام تعليمنا الحالي، يساعد على نشر الجهل،حيث يُخرج لنا أعداداً غفيرة من حملة الشهادة العليا،ولكن هم أجهل من دابة،لأنه نظام تعليم يعتمد على الحفظ والتلقين لا على الفهم وإعمال العقل،ُذهلت عندما وجدت أستاذة دكتورة حاصلة على الدكتوراه من انجلترا تدافع عن ختان الإناث رغم آثاره النفسية والجسمية الفظيعة على الأنثى،ُذهلت وأنا أرى أساتذة المدارس يحثون التلميذات دون سن البلوغ على ارتداء الحجاب،في حين أن مصر وحتى ثمانينات القرن الماضي كان أغلب نسائها سافرات؟ هناك ردة ثقافية حضارية أوصلت مصر والعالم العربي إلى حالة الهوان والضعف التي نحن عليها الآن،والمسئول الأول عنها هو نظام تعليمنا الفاشل الذي يدرس للتلاميذ والطلاب أشياء ويقول لهم: هذا مخالف للدين والشرع ،تعلمها فقط لتأخذ الشهادة !؛أما قناعاته فهي عكس ذلك تماماً،مما يصيب شبابنا بانفصام الشخصية ،ولا يفعل الحاكم العربي المستبد شيئاً لتطوير هذا التعليم الذي أثبتت الأيام فشله على أرض الواقع، لأنه في النهاية يصب في مصلحته وهي استمرار حكمه.
حكام أوربا كانوا مستبدين ولكن مستنيرين،فساندوا فلاسفة الأنوار ونشروا فكرهم،ونحن كما نعلم أن الفلسفة في أرض الإسلام شبه محرمة وفي أحسن الأحوال مكروهة،و لا تدرس إلا في الجامعات، ويدرسها الطلاب بحذر وخوف،لأن فقهاء الظلام علموهم أن"من تفلسف تزندق"،وتاريخنا الإسلامي شاهد على جزاء كل من أعمل عقله في الفلسفة كابن رشد،أو في الدين،ابتداء من محنة أحمد ابن حنبل وخلق القرآن،انتهاء بتكفير محمد عبده، والشيخ علي عبد الرازق،ونصر حامد أبوزيد، وسيد القمني، ونجيب محفوظ وحسن حنفي والمستشار العشماوي ...إلخ والقائمة تطول.
نعم يالعفيف نحن بحاجة إلى مستبد مستنير كالحبيب بورقيبة،الذي فرض على شعبه مجلة الأحوال الشخصية،التي صوت بعدها النساء ضده في الانتخابات التي جرت بعد ذلك،وبحاجة إلى رجل كإبراهام نوكلن الذي حرر العبيد،وثاروا ضد تحريره لهم،ولرجل ككمال أتاتورك الذي ألغى الخلافة وأقام النظام العلماني مكانها،نحن بحاجة إلى شجاعة أدبية ،سياسية ودينية لأخذ قرارات مصيرية ومؤلمة في آن،لأن الإنسان عامة،والعربي خاصة،يخاف كل ما هو جديد،وكعرب شعوباً ونخبة لدينا "رهاب التغيير"، الذي يعمل فقهاء الظلام على استدامته، فعقولنا مقفولة منذ القرن الثالث عشر،حيث لا اجتهاد ولا إعمال للعقل،وكيف نفكر ونبدع ونغيّر وفقهاء الظلام يكررون على مسامعنا صباح مساء أن"كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة،وكل ضلالة في النار"، ونسينا القاعدة الذهبية التي تقول أن "كل شيء يتغير إلا قانون التغير"، فما زلنا نُحكم من وراء القبور،بفقه احمد ابن حنبل وفتاوى ابن تيمية.
حان الوقت لمراجعة فكرنا الإسلامي القديم، الذي يساعد،مع الجهل،الحاكم أن يكون مستبداً ظلامياً كعمر البشير وعلى خامنئي واحمدي نجاد، بدلاً من أن يكون مستبدا مستنيرا كبورقيبه وأتاتورك. فعلينا أن ننشر فكر و فلسفة الأنوار في العالم العربي والإسلامي،ونصالح الفكر الإسلامي مع الحداثة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة،ومساواة المسلم بغير المسلم ،والعربي بغير العربي ،كما فعلت تركيا،وعلى النخبة العربية والإسلامية، الجديرة بهذا الاسم، أن تكون عونا للحاكم المستبد والدولة السلطوية لإعداد الشعب وتجهيزه للتغيير المطلوب،وألا نقول كما قال عبد الناصر "الشعب مش جاهز للديمقراطية"،فدورنا هو تجهيز الشعب للديمقراطية، بكل الطرق، لأنه جاهل،إن لم يكن من أجلنا نحن،فمن أجل مستقبل الأجيال القادمة التي لن ترحمنا إذا لم نفعل ذلك،و ستترحم علينا لو عبدّنا لها طريق الديمقراطية لتسير فيه،كما يترحم التونسيون والعرب على المغفور لهما الحبيب بورقيبة وأتاتورك.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :