الأقباط متحدون - كردستان.. حليف الأحلام
  • ١١:٠٠
  • الخميس , ٢٨ سبتمبر ٢٠١٧
English version

كردستان.. حليف الأحلام

مقالات مختارة | خالد عكاشة

٢٢: ٠٨ م +02:00 EET

الخميس ٢٨ سبتمبر ٢٠١٧

خالد عكاشة
خالد عكاشة

أحياناً يأتى تعليق قصير، أو تصك جملة واحدة، لتكفى قضية طويلة ومعقدة، عناء البحث عن شروح وتأويلات، وتأصيل قد يلهث للوصول إلى مبتغى السطور الطويلة. فى حالة «كردستان» جاء أمر كهذا على لسان المحلل العسكرى الإسرائيلى «آلون بن ديفيد»، عندما ذكر فى صحيفة «معاريف»، يونيو 2015م، أن دولة كردية تضم أجزاءً من العراق وإيران وسوريا وتركيا ستمثل «حليف الأحلام بالنسبة لإسرائيل».

لذلك ليس مدهشاً أن تكون إسرائيل اليوم هى الدولة الوحيدة التى أبدت ارتياحاً أو دعماً «معلناً»، لخطوة إجراء الاستفتاء للفرع العراقى من هذا الحلم. ويتصور حتماً أن هناك الكثير من «غير المعلن» فى تلك الخطوة، التى حرص «مسعود بارزانى» أن يختار لها توقيتاً مثالياً من وجهة نظره. ليستبق فراغ حكومة بغداد المركزية من قتال «داعش»، واستردادها السيطرة المبدئية على المدن والبلدات المتاخمة للمناطق المتنازع عليها مع الإقليم الكردى.

لا يقدّر أحد من الأطراف المعنية بالإقليم وخارجه أن هذا الاستفتاء سيحقق وضعاً انفصالياً تاماً، لكنهم فى الوقت ذاته يجمعون بأنه خطوة فاعلة ومنظورة على طريق الحلم، حتى وإن تم وصم الاستفتاء دولياً بـ«غير الشرعى»، وتجاهل نتيجته المقبلة بـ«نعم» لحق تقرير مصير الانفصال مستقبلاً عن الجسد العراقى.

رجال «بارزانى» الموجودون مبكراً داخل طيات هذا النسيج منذ إقرار الدستور العراقى الملغم 2005م، الذى منح الإقليم الكردى حكماً ذاتياً كاملاً بصلاحيات واسعة، جعلت هؤلاء الرجال ليس فقط يعملون لصالح الوصول لخطوة اليوم، بل الأهم الوقوف على دقائق وتفاصيل الوضع العراقى الداخلى، وهذه حققت لأربيل منصة نموذجية مقابلة لبغداد.

من الأمثلة البارزة لهذا الإلمام بخبايا القضايا الأهم لحكومة المركز، يعلم «بارزانى» تماماً أن هناك تعديلات ديموغرافية سيتم إجراؤها على الأرض، كخطوة أولية ستقدم عليها بغداد بضغط إيرانى وتحت وطأة رقم «مليونى» للنازحين العراقيين، الذين تحركوا من بلدانهم عنوة على هامش قتال تنظيم «داعش». فالتحريك والتبديل السكانى فى حال إتمامه بالصورة التى يتم التخطيط لها، لن يكون إلا على حساب رصيد الإقليم الكردى وسيدفع فيه فاتورة باهظة. الاستفتاء اليوم يحقق له على الأقل حماية من هذه المعادلة ويضع بيد «بارزانى» ورقة استباقية. وفى ملحق شديد الأهمية لتلك المعرفة الكردية، يبرز الاستحواذ على مصادر الثروة النفطية، وهو طلب عاجل لحكومة المركز كى يمكنها من الإنفاق على تبعات إعادة إعمار البلدان المدمرة، فضلاً عن علاج الاختلال الحاد فى الميزانية الذى يؤجل مؤقتاً مشروعات النقل السكانى.

بالنظر إلى معادلات الخارج، تبدو المواقف الأمريكية والأوروبية المتحفظة والرافضة لخطوة الاستفتاء الكردى العراقى، نوعاً من الاختلاف حول التوقيت، لكن المبدأ الاستراتيجى فى حد ذاته معتمد ومتفق للوصول إليه، حيث تم تقديم مساعدات سخية، ونسجت مساحات هائلة من المصالح المتشابكة لدى تلك الأطراف مع المكونات الكردية. وهذا مما يصعب الخروج عن إطاره أو الرجوع فيه، حتى لا يتسبب فى اختلال استراتيجى لأوضاع تلك القوى بالمنطقة داخل العراق وفى سوريا ومحيطهما.

يبقى الجوار الإقليمى وبداخل معادلته دولتان عربيتان رئيسيتان، هذه الخريطة المعقدة هى مسرح الاضطراب المقبل دون شك. الموقف الإيرانى رغم كونه «الأقل صوتاً» حتى الآن، يبدو هو الأشد حزماً وتضرراً من هذا المسار الكردى العراقى، حيث تخشى طهران انفصالاً تاماً لكردستان العراق، يعقبه جزئياً كردى سورى يجهز لبداية إطلاقه، أن ينعكس ذلك سلباً على دورها الإقليمى الذى ضمنت فيه موقعاً متقدماً. وترى أيضاً أن هذا يتناغم مع التوجه الأمريكى الإسرائيلى الرامى إلى تقليص نفوذها، عبر تقطيع جغرافى لأوصال الدول التى استحوذت فيها على مساحة من القرار ومن المستقبل.

ولذلك يمكن قراءة رسائل تهديدات الحكومة العراقية وقوات «الحشد الشعبى» بالتدخل العسكرى فى كردستان العراق؛ بوصفها سطوراً إيرانية موجهة لكافة الأطراف عن الخيارات المحتملة لطهران، فى حال المضى قدماً فى صناعة المشهد الكردى الجديد. وهذا لم يكن بعيداً عن زيارة «كريم باقورى»، رئيس هيئة الأركان العامة الإيرانية، إلى تركيا مؤخراً، وهى الأولى من نوعها لقيادة عسكرية إيرانية منذ العام 1979م. وفيها أطلق تهديداً باستعداد طهران للقيام بعمل عسكرى مشترك مع أنقرة، لمواجهة التداعيات المترتبة على احتمال مضى الإقليم العراقى فى خيار الاستقلال. وتحدث مع نظرائه الأتراك بـ«صراحة» أن إسرائيل تحاول دس السم فى أطباق منافسيها، عبر خلق المشاكل فى المنطقة!

فى ظل التحولات الإقليمية المتلاحقة، قد تأتى فى النهاية «المفاجأة» تركية بامتياز. فالسؤال الذى تردد وما زال مع أى طرف من الأطراف ينسق «بارزانى» خطواته ويراهن على أنه سيمضى قدماً معه، فى ظل فوضى التوازنات الشائكة التى تحيطه من كل اتجاه. فالدعم الإسرائيلى «المعلن» وحده ربما لا يفى بالمطلوب تمريره، بل ربما إن ظل «وحيداً» سيكون سبباً مباشراً للتعثر. لذلك فالإجابة الخفية قد تكون تركيا أو بمعنى أدق «رجب أردوغان»، هذا البراجماتى حتى النخاع وحده القادر على الانقلاب على معادلات وطنه الاستراتيجية؛ عبر السماح بتمرير هذا المخطط رغم كونه حتى اللحظة هو «الأعلى» صوتاً فى رفض المشروع. فبالرغم من مساحات التقارب التركى الإيرانى الحالى، تظل أنقرة أكثر المتضررين من التمدد الإيرانى، فهذا الأخير يمثل خصماً مباشراً من الأذرع التركية فى كل من سوريا والعراق، وهما الأهم لتركيا بالمنطقة. وبغياب «داعش» عن المشهد يجعل أنقرة فى احتياج لمن يلعب دور الشوكة فى الخاصرة الإيرانية. والأكراد خير من يلعب هذا الدور بميزة وجودهم فى كلتا الساحتين، فهم وحدهم اليوم القادرون على نزع ملامح الانتصار الإيرانى واختزال نفوذهم باستقطاع الأراضى، وبـ«الصداع» الضاغط على المركزين فى بغداد ودمشق وهما من استحوذت عليهما طهران.

هناك الكثير من الدوافع الأخرى التى تجعل «أردوغان» المرشح المثالى كى يسير بصحبة «بارزانى» وتل أبيب على ضفاف طريق الأحلام الإقليمية، وهذا نتناوله الأسبوع المقبل إن شاء الله.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع