الأقباط متحدون - «شيخ جاكسون» ... الفن يحررنا وقوة الحياة تنتصر على التشدد
  • ٠٣:٤٥
  • الجمعة , ٢٩ سبتمبر ٢٠١٧
English version

«شيخ جاكسون» ... الفن يحررنا وقوة الحياة تنتصر على التشدد

مقالات مختارة | أمل الجمل

٠٦: ٠٣ م +03:00 EEST

الجمعة ٢٩ سبتمبر ٢٠١٧

شيخ جاكسون
شيخ جاكسون

«أنا قرفان مني، زي ما أنت قرفان مني، زي ما أنا قرفان منك»... جملة نطق بها الصبي جاكسون – قام بدوره بمهارة لافتة الفنان الشاب أحمد مالك - ليختتم حديثه مع الأب قبل أن يقرر غاضباً الرحيل من الإسكندرية إلى القاهرة للحياة مع خاله السلفي والالتحاق بالجامعة، وذلك عند بداية أحداث فيلم «شيخ جاكسون» للمخرج المصري عمرو سلامة والذي عرض في افتتاح مهرجان الجونة السينمائي في دورته الأولى الذي يأمل منظموه أن يُصبح ذات يوم مثل المهرجان الكاني فيجذب السياحة وأنظار العالم لتلك البقعة الساحرة من الأراضي المصرية التي لا تقل في جمالها عن كان الفرنسية.

تبرير مبتسر للسلوك
والحال أن تلك الجملة الدرامية السابقة التي ترد في الفيلم – الذي أثار من حوله ضجيجاً ودعاية إعلامية تخدمه بامتياز حتى من قبل وصوله إلى الجونة - جاءت مبتسرة على رغم أنها تحاول تبرير التبدل في سلوك الصبي من عشق ملك البوب الأميركي مايكل جاكسون ومحاكاته في الرقص والغناء الى الانقلاب نحو التشدد والتحول إلى شيخ سلفي – قام بدوره أحمد الفيشاوي - شديد الالتزام والقسوة على نفسه قبل قسوته على زوجته وطفلته الصغيرة. فحتى لو كان واضحاً من الفلاش باك عدم رضا الأب عن سلوك ابنه المتماهي مع المطرب الأميركي الأشهر، ووصفه بأنه شخصية رخوة أو مخنثة مثل جاكسون، وإن كانت اللقطات البصرية تقدم الأب في مشاهد تشي بعدم الإحساس بالمسؤولية تجاه الابن، لكنها في الوقت ذاته لا تؤكد نفور الابن بل تشي باستسلامه وتعايشه مع الأمر، إذ لم تنجح الدراما في تصوير التحليل النفسي العميق لإقناعنا بأسباب ذلك التحول.

قدم السيناريو هاني والد جاكسون على أنه النموذج الموازي للتشدد الفكري السلفي، فهو، وعلى رغم أنه محب للحياة مردداً دائماً أن الحياة قصيرة أو غير مضمونة فالمرء لا يعرف إن كان سيعيش للغد أم لا لذلك عليه أن يحيا اليوم بكل قوة وصخب، وعلى رغم تهوره في علاقاته النسائية التي لا يُنكرها أمام ابنه، وخفة ظله أحياناً، يكره الرقص وأموراً أخرى نابضة بالحياة، ويعنف ابنه بقسوة ويضربه من دون رحمة تصل إلى درجة الإذلال أمام الجميع، ومع ذلك يستمر الصبي في هوايته.

غير أن المثير للتساؤل وعدم الفهم، لماذا كان الصبي «قرفان من نفسه» كما جاء على لسانه أو على لسان حبيبته لاحقاً؟ ولماذا لم يحب ذاته على رغم تفوقه على أقرانه في الرقص الذي لم نره على الشاشة لكن تم إخبارنا به فقط أو عبر لقطات غير كافية لتكون معادلاً قوياً لذلك الهوس والشغف بشخصية جاكسون؟ فلا شيء على المستوى البصري أو الدرامي يُلمح لهذا القرف، بالعكس كل ما نراه هو حب للرقص والغناء واعتراف من البطل نفسه بأنه متفوق في الرقص، ثم ارتباطه بفتاة تشاركه هي أيضاً ذلك الولع وعشق ملك البوب الأميركي.

هناك لقطة واحدة غامضة تكسر الخط الفاصل بين الخيال والواقع قُبيل القرار الصادم إذ نرى المزج بين شخصية الأم والحبيبة لحظة مغالبة النوبة الصدرية ببخاخة الدواء، لكنها لقطة ملتبسة ولا ندري على وجه اليقين هل كان خيال الصبي يُصوّر له ذلك أم أن الفتاة بالفعل كانت تعاني مرض والدته؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا رفض استئناف الحفلة وعدم تأدية رقصته المبهرة التي أكد هو وحبيبته أنه يتفوق بها على الجميع؟ وكيف تُصبح تلك اللحظة شديدة السطحية هي نقطة تحول البطل للنقيض بزاوية مقدراها 180 درجة؟!

صراع نفسي
حاول كاتبا السيناريو عمر خالد ومخرج الفيلم عمرو سلامة التعبير عن وجود صراع نفسي يعتمل داخل البطل بعد أن صار رجلاً وخصوصاً فور انتشار خبر وفاة مايكل جاكسون، فهو رجل شديد الالتزام ومهذب ومؤمن عن حق فلا يتاجر بالدين مثل الآخرين، ويبكي بخشوع أثناء الصلاة وإمامته للمصلين. لكن فجأة يتلاشى الخشوع، وتجف الدموع، وهو ما يثير رعبه، فيزور طبيب العيون ثم طبيبة نفسية تقليدية تقول كلاماً سطحياً ومباشراً جداً متبعة أسلوباً مدرسياً عتيقاً عفا عليه الزمن في علم النفس كأن تطلب منه أن ينقب في أعماقه عن أشياء مدفونة تفوح رائحتها الكريهة من داخله، وكأنها تتحدث بلسان كاتبي السيناريو اللذين حاولا إقناعنا على مدار ساعة ونصف الساعة بأن الشيخ السلفي أصابته انتكاسة عقائدية وبأن الحنين للصبا يراوده، من دون أن ينجحا في تقديم مبرر للتحول من الفن والرقص والحيوية النابضة بالحياة إلى الزهد والتقشف ومكابدة كل ملذات الحياة، أو سرد تمثيلي لذلك الصراع بين الشيخ وذاته المترددة إلا في لمحات عابرة وخاطفة غير قادرين على تطويرها في حين كان التكرار جلياً على مدار الفيلم.

تعيدنا مشاهد البطل في المسجد أثناء إمامته للمصلين – على الأخص أثناء ركوعه وحضور ضميره - إلى القصة العبقرية التي كتبها يوسف إدريس والمعنونه بـ «أكان لا بد أن تُضيئي النور يا ليلي» وإلى ذلك العنوان الإدريسي بما يحمله من ميتافور بليغ فالنور هنا إضافة إلى معناه المباشر في القصة، يشي بتلك الإضاءة التي كشفت الصراع الحقيقي المتأجج داخل البطل الذي ادعى بأنه سيتحدى الملذات والغواية وينتصر عليها، بينما نقطة الصراع الحقيقي بين جاكسون والشيخ أو بين شيخ جاكسون وضميره لم تدم طويلاً والتف عليها المخرج ليحكي تاريخ الصبي المراهق ونتفاً من طفولته تهدف لتبرير سلوكه لكن بكثير من السطحية.

نجاح نجاري مضمون
رغم البقاء بعيداً من العمق، وعدم القدرة على مناقشة فكرته ببلاغة متعددة المستويات، وابتعاده عن التحليل المقنع للأبعاد النفسية للبطل، مع ذلك لا يمكن إنكار أننا هنا أمام فيلم تجاري مسلٍ نجح في أن يجمع الجمهور من حوله حتى أن التذاكر نفدت خلال جميع عروضه، وارتفعت الضحكات عالياً مرات عدة في أرجاء القاعة خصوصاً في تلك المشاهد التي شهدت حضور شخصية شبيه مايكل جاكسون أثناء الصلاة وتحويل الأمر إلى استعراض راقص انتهى بضرب أحد المصلين، أو أثناء حلقة النصح بالمسجد، ودخول ملك البوب الأميركي وبقائه بين المستمعين ناظراً إلى الشيخ في تحدٍ كأنه ضميره الذي يقف له بالمرصاد ويواجهه في تحدٍ مرعب يكشف ضعفه، لكن ذلك لم يستمر طويلاً. مثلما انتقص من قوة الفيلم غياب الموسيقى الأصلية لمايكل جاكسون والتي تم استبدالها بموسيقى ضعيفة لهاني عادل أخذت كثيراً من لمعان الفيلم وقوته. أما أجمل المشاهد الساحرة في دلالتها فتلك التي يجلس فيها البطل في سيارته عند السمكري أو الميكانيكي وهنا يخلق المخرج إيقاعاً براقاً من حركات أيدي العمال أثناء إصلاح السيارة كأنه معادلاً موسيقياً يُعيد للبطل حنينه للموسيقى التي ظلت تغالب تشدده الديني، بينما تبرق عينا أحمد الفيشاوي برقة وشوق وإعجاب لا يُضاهيه في قوته وجماله سوى تلك الرقصة الختامية بزيه السلفي بينما جسده يرقص متحرراً على إيقاع شغف الصبا والابتسامة تضيء وجهه في شكل لافت ومحبب وكاشف لرمزية العمل. فالفيلم الذي يبدأ بمشهد الموت والقبر الذي تُسد آخر فتحة فيه فيسود الظلام المرعب ينتهي برقصة الحياة في دلالة واضحة أن الفن يحرر الإنسان من قيوده وصراعه مع نفسه ويقوده للسلام الداخلي واكتشافه هويته الحقيقية.
نقلا عن الحياة

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع