المواطن و المواطنة الفسبوكية
مدحت بشاي
٠٠:
١٢
ص +02:00 EET
الأحد ١ اكتوبر ٢٠١٧
مدحت بشاي
medhatbe@9gmail.com
لم أكن أتصور ، وأنا المواطن المحدود العلاقات الاجتماعية نظراً لنشأتي الانغلاقية الريفية إلى حد كبير أن يصلني على صفحتي الفسبوكية عدد هائل من رسائل التهنئة بمناسبة عيد ميلاد العبد لله ، صحيح أن التهاني تأتي مقابل إشارة تنبيه لأصدقائي الفسبوكيين لحثهم على تحريرها ، فيبادرون بشكل آلي إلى بثها إلى صديق لم يكن بينهما صداقة بالمعنى الاجتماعي الحميم الحي الذي نعرفه ، ولكنها في الكثير منها قد تحمل انطباعات إيجابية من صديق تم معاشرته فسبوكياً فتأتي التهنئة بمثابة إعلان الرضا بتلك الصداقة ، وفي كل الأحوال شملتني سعادة بمشاعر بشر جميل يشاركونني مناسبة خاصة ، لم أكن أحتفي بها أصلاً لتركيبتي الانطوائية ،ولأنني أوافق مقولة الموسيقار العظيم محمد عبد الوهاب في سؤاله الاستنكاري" كيف احتفل بمرورعام ضاع من عمري ؟! " ..
ويبقى السؤال : هل كان يتصور " مارك جوكربيرج " الطالب بجامعة هارفارد الأمريكية وهو جالس إلى شاشة الكمبيوتر في حجرته بالمدينة الجامعية لتصميم موقع جديد على شبكة الانترنت ، أنه في سبيله لتصميم موقع يجمعه بالزملاء والأصدقاء في الجامعة ليفتح لهم نافذة إنسانية بديعة للتواصل الاجتماعي لتبادل اخبارالتفاصيل الحياتية الهامة والطريفة ورؤاهم وأفكارهم ومواقفهم وردود أفعالهم إزاء الأحداث العامة والخاصة أن يُلاقي هذا الموقع هذا القدر من النجاح ؟ .. وهل كان يتوقع ذلك الشاب العبقري وهو يضع اللبنات الاولى لموقع الفسبوك العالمي عام 2004 أن يُحقق خلال عام واحد من ظهور موقعه هذا الدخل المادي الذي بلغ 580 مليون دولار في العام الأول لانطلاق الموقع ، وهل كان يتوقع أن يكون الفسبوك بمثابة برلمان عالمي لعموم البشر؟ .. بل والأهم من وجهة نظري أن تصير بوابته الرائعة منفذاً يدلف منها للدنيا والعالم الأرحب المواطن في دول يتم فيها النيل من بعض حقوق مواطنيه في
الحصول على كل مُكتسبات المواطنة الكاملة على أساس التفرقة في الجنس أو جغرافيا وتاريخ وجوده ،أوهويته الدينية ، أومكانته الاجتماعية ، أو مرجعيته الفكرية ؟..
في الحالة المصرية ، عانينا جميعاً وعبر الحقب الأخيرة بشكل خاص من غياب آليات تفعيل الحصول على حقوق المواطنة الكاملة ، حتى و إن لم تعمد بشكل منهجي لانتهاك حقوق المواطنة تجاه العديد من فئات مواطنيها ، فإنها كانت تسمح في النهاية بما هو موجود من بشاعات في ذلك المجال ، ولا تضع من التشريعات والآليات الضابطة ما يلزم للحد منها عبرالعمل المؤسسي في كافة أجهزة الدولة وقطاعاتها الحكومية بما يساهم في تضييق مساحات انتشار الظلم الاجتماعي ، والذي من أجل المعاناة من تبعاته كانت ثورة 25 يناير ، تلك الثورة التي كان للفسبوك أيضا الدور العظيم في عمليات الحشد لتفعيلها مهما قيل أنها كانت مؤامرة محبوكة نفذها عملاء في الداخل والخارج وركبها أهل التشدد الديني حتى صعدوا إلى كراسي الحكم ، لقد كان هناك بالفعل من ثاروا بضميرنقي وبعضهم دفع ضريبة الدم وبعضهم أصيب بعاهات مستديمة من أجل الدفاع عن حقوقهم في التمتع بالمواطنة الكاملة ...
وكمثال أعرض لنموذج تفاعل المواطن المسيحي الفسبوكي مع الهم العام للوطن ، والمشاكل المتعلقة بهمه الخاص ونضاله من أجل مطالبه الروحية والوطنية والاجتماعية لنيل كل حقوق المواطنة وكفالة الحريات العامة للجميع دون تمييز في التعليم والإعلام والتعيين والترقي وممارسة شعائره الدينية ، والإسراع في وضع خطط من شأنها تغيير ثقافات دخيلة غيرت طبيعة سلوكيات المواطن المصري المسيحي والمسلم حتى بتنا نعيش في وطن تبدلت ملامح شوارعه عبر سيادة سلبيات الفكر الطائفي والمذهبي ، وبدى هناك تخوفات من الاقتراب من تكرار شكل الشارع اللبناني عند تفجر مشاكله الطائفية ..
لقد ظل المواطن المسيحي في عصر غباوات تلك الحقب المظلمة من تاريخ الوطن مُفتقداً لتعليم تضم مناهجه فصول التاريخ الموثق للوجود المسيحي ونضالات الإنسان المصري في عصور الاستشهاد والاضطهاد ، وأيضاً إبداعاته الفكرية والحضارية التي ساهم عبرها في بناء الدولة المصرية ، وأيضاً افتقاده لبرامج دينية مسيحية تُبث عبرقنوات تليفزيون بلاده ، وكذلك محطات الإذاعة ، رغم وجود العشرات من القنوات والمحطات المركزية والإقليمية والنوعية والفضائية ، فضلاً عن خلو البرامج الثقافية من فعاليات تحتفي بالتراث القبطي ومبدعيه ، والإنتاج الفكري لرموزه .. وللحديث بقية ..