هل تسقط هيبة الدولة أمام إرهاب السلفيين؟
قراءة فى ملف »الأمور المسكوت عنها« (341)
بقلم: يوسف سيدهم
روعت مصر كلها الأسبوع الماضى من جراء الجريمة البشعة التى شهدتها مدينة قنا حين تحدت مجموعة من المتطرفين الملتحين السلفيين شرعية الدولة والقانون وأعلنت أنها أقامت الحد على مواطن قبطى وقامت بقطع أذنه، وإحراق شقته وسيادته، عقاباً له على تهمة أخلاقية ألصقتها به تلك المجموعة عنوة ودون دليل.. روعت مصر التى وقفت أمام هذه الجريمة تتساءل: كيف يجرؤ نفر من المواطنين على اغتصاب سلطة الدولة وذبح قوانينها ليحلوا محلها معطين لأنفسهم دور الخصم والحكم والجلاد فى آن واحد؟.. وكيف تقاعست أجهزة الدولة عن الحيلولة دون وقوع هذه الجريمة ثم تراخت فى سرعة إلقاء القبض على الجناة لتقديمهم للعدالة؟.. وأخيراً -وهى كارثة الكوارث- من الذى سمح بالجريمة الثانية التى أعقبت الجريمة الأولى والتى ارتكبت هذه المرة فى حق مصر كلها، وهى جريمة جلسة المصالحة التى عقدت بين الجناة والضحية لتمثل أكبر مكافأة من السلطة للجناة وأبشع إهانة للضحية وأخطر صفعة لسيادة القانون والدولة المدنية؟
جريمة رهيبة أن يتولى مواطنون اتهام مواطن آخر بأية تهمة ويسارعوا بالحكم عليه طبقاً لأحكام ابتدعوها -وهى أحكام استنكرها وتفاهاً سائر علماء الدين- ثم يتولوا إنزال القصاص به ضاربين بالسلطة الأمنية والسلطة القضائية عرض الحائط.. بل يبلغ بهم الصلف والتحدى مداه حين يفرغون من فعلتهم النكراء فيبادروا بالاتصال بالشرطة للإبلاغ عما ارتكبوا مدعين أنهم بذلك أخذوا حق السماء وفى إمكان الشرطة التدخل لأخذ حق الأرض!!!..
أما قمة الاستفزاز الذى تعرض له كل عاقل على أرض مصر وكل غيور على ثورة 25 يناير وكل مهموم بأمر الدولة المدنية فكانت فى الأخبار والصور التى احتلت صفحات الجرائد تبشر المصريين بالشجاعة والهمة التى أبدتها السلطة الشرعية فى مكافأة مغتصبى شرعية السلطة منها.. صور وأخبار تصفع المصريين جميعاً وهى تقدم لهم تفاصيل جلسة المصالحة التى ترأسها العقيد أحمد مسعود نائب الحاكم العسكرى بقنا، وإليكم نماذج من الصفعات التى انطوت عليها هذه الجلسة المشئومة... صفعات على جبين كل مصرى حر تستخف بعقله وتغتال حلمه فى دولة القانون:
❊ ❊ مسئول يصرح للصحف بأنه تم عقد جلسة مصالحة بين المتخاصمين بحضور نائب الحاكم العسكرى بقنا، باعتبار ما حدث حادثاً أهلياً ليست له أبعاد طائفية!!!... إنها بالفعل صفعة مدوية تنزل بها الدولة على جبين كل مصرى حر عندما تصور هذه الجريمة البشعة على أنها مجرد »حادث أهلى ليست له أبعاداً طائفية« لتبرير سقطة المصالحة القسرية التى تجبر الضحية عليها وتكافئ الجانى بها.. ولم لا؟.. ألم يطلق عليها »مصالحة بين المتخاصمين«؟!!
❊ ❊ العقيد أحمد مسعود نائب الحاكم العسكرى بقنا يقول إنه حرص على حضور جلسة المصالحة للتقريب بين وجهتى النظر للطرفين، ولطى الصفحة بكل ما فيها وبلا أى مزايدات، لأن الطرفين يرفضان أن يأخذ الأمر حداً أكبر من إطاره الصغير!!.. وهنا تأتى الصفعة الثانية مدوية مثل الأولى، فهذا هو نائب الحاكم العسكرى -ممثل أعلى سلطة فى الإقليم- يتحدث وكأن هناك مفاوضات جارية بين فريقين يختلفان حول أمر من الأمور، وسيادته مشكوراً يسعى »للتقريب بين وجهتى النظر«!!!.. أى وجهتا نظر يا سادة؟.. وجهة نظر المجرم الذى قطع أذن الضحية وأحرق شقته وسيارته فى مقابل وجهة نظر الضحية إزاء ما تعرضت له؟.. ثم يستطرد السيد العقيد بأن الجلسة هدفها طى الصفحة بكل ما فيها وبلا مزايدات.. حقاً إننا أمام كارثة بجميع المقاييس!!!.. وأخيراً تأتى قمة الاستفزاز عندما يصرح بأن الطرفين يرفضان أن يأخذ الأمر حداً أكبر من إطاره الصغير!!!.. وأرجو المعذرة عندما أصرخ مستنكراً: »يا نهار أسود«.. إطاره الصغير؟.. أى استخفاف هذا بعقولنا وأى تغييب للحقيقة وأى اغتيال للقانون!!!
❊ ❊ أحد مجموعة السلفيين ويدعى الحسينى كمال -والذى ظهرت صورته ضمن الذين حضروا جلسة المصالحة- يصرح بأن علاقة السلفيين مع الأقباط علاقة محبة أبدية وهم جزء من هذا الوطن، وأن ما حدث زوبعة فى فنجان وانتهت!!!.. قال هذا وهو لا يدرى أنه يوجه صفعة مدوية على جبين كل مصرى حر وعلى جبين دولة القانون، فكيف تكون هناك علاقة محبة أبدية بين شركاء وطن واحد بينما يستحل طرف الاعتداء على الطرف الآخر بشكل همجى غوغائى منفلت ويستبيح قطع أذنه وحرق شقته وسيارته، ثم يأتى ليتصالح معه ويصافحه أمام عدسات الكاميرات واصفاً ما حدث بأنه مجرد »زوبعة فى فنجان وانتهت«؟!!.. إنها حقاً لكارثة خاصة عندما نعرف من الضحية الأستاذ أيمن مترى أنه تم إجباره من قبل أسرته على التنازل عن حقوقه وقبول المصالحة التى أثبتها فى الورقة التى قدمها لقسم شرطة قنا خوفاً على حياتهم وتحسباً لما قد يتعرضون له من بطش وانتقام إذا لم يفعل ذلك!!!
إذا كان هذا هو المشهد البائس الذى أخلفته جريمة قنا النكراء، فإن المشهد الأكثر بؤساً وخطورة هو موقف الدولة والسلطة والقانون المدنى.. ماذا هم فاعلون لاستعادة هيبة الدولة التى استباحها هؤلاء السلفيون؟.. إن قرارات النيابة التى تتولى التحقيق تقضى بضبط وإحضار مجموعة الجناة الذين اشتركوا فى التخطيط للجريمة وارتكابها، وأتصور أن هيبة الدولة مع أسئلة كثيرة خطيرة ستظل معلقة على ما سوف يسفر عنه الأمر إزاء تقويم أولئك المجرمين للعدالة.. وبالمناسبة أتساءل: أين الجناة الذين هدموا كنيسة قرية صول مركز أطفيح الشهر الماضى؟!!!
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :