الأقباط متحدون - مسألة الهوية والموضة
  • ٠٥:١٠
  • الثلاثاء , ٣ اكتوبر ٢٠١٧
English version

مسألة الهوية والموضة

مقالات مختارة | نبيل عبد الفتاح

٤٩: ٠١ م +02:00 EET

الثلاثاء ٣ اكتوبر ٢٠١٧

 نبيل عبد الفتاح
نبيل عبد الفتاح

الخطابات المتصارعة والمتنازعة حول الهوية أصبحت جزءًا من نظام الموضات الفكرية، وهي أشبه بالموضات المرتبطة بنظام الزي وتغيراته وفق فصول السنة وتعاقبها، واختيارات بيوت الأزياء العالمية في باريس، وروما، ولندن، ونيويورك، وخطوط كل بيت من بيوت الأزياء العالمية وتصميمات كبار المصممين، وعروض الأزياء واستعراضية العارضات والعارضين، من النجوم فائقى الشهرة والجمال، والطابع الاحتفالي الأنيق، والحضور من الشخصيات المهتمة، أو المتخصصين في مجلات الأزياء والمرأة والمجلات والجرائد الكبرى!

طقس احتفالي بامتياز، تغلب عليه الأناقة والجمال والفرجة، والكاميرات والأضواء! كل ذلك مرتبط بالأسواق الكونية لصناعة الملابس والأزياء، ومن ثم بحركة رؤوس الأموال، والبضائع بطول العالم وعرضه! طقس الموضة خلال فصول السنة هو جزء من تغيير المزاج والذوق وجماليات الزي والألوان وتوظيفاتها.. إلخ، هو طقس مبهج للأثرياء، ولبعض فئات الطبقات الوسطى العليا، القادرين على شراء الأزياء الموقعة باسم كبار المصممين، وبعضهم الآخر يلجأ إلى تصميمات أخرى قد تتشابه معها، لأن الملابس الموقعة وعليها علامات بيوت الأزياء الشهيرة، غالية الثمن ومكلفة. الآخرون قد لا يأبهون كثيرًا بخطوط الموضة الفصلية، ويشترون موضات السنة الماضية أو ما قبلها، أما نظراؤهم في جنوب العالم، قامت الصين وبعض الدول الآسيوية بخطف الخطوط الأساسية والألوان، وإعادة إنتاجها لتباع في جميع بلدان العالم للفئات الاجتماعية رقيقة الحال وبأسعار رخيصة. بعض الدول الآسيوية تقوم بإنتاج الأزياء ذات العلامات الشهيرة وتبيعها بأثمان أقل من أثمانها في الأسواق الأوروبية والأمريكية واليابانية.

أسواق الأفكار والقضايا والمصطلحات الكبرى مثلها مثل أسواق الموضة، هي أسواق المفاهيم والأفكار والمصطلحات، وغالبًا ما تنتج في مراكز إنتاج المعرفة الأكاديمية الفلسفية والسوسيولوجية والقانونية والسياسية والسينمائية.. إلخ، أو من مواقع هامشية وسرعان ما تنتقل من هوامشها وحواضنها إلى صدارة المشهد وقت إنتاجها، وأحيانًا تبدو غائبة ومحاصرة بالسائد، ثم يتم التنبيه لها، وتوظيفها واستخدامها، لأنها تكشف عن وضعية التغير أو التحول أو إلى أمور تبدو هامشية في المنظورات السائدة، ولكنها تمتلك بعضا من الكفاءة في الوصف أو التحليل أو التفكيك للمشاهد المركبة في الواقع الغربي والكوني المعاش أو بعضا من احتمالات مآلاته على المدى المتوسط أو البعيد. هكذا ظهرت عقول كبرى من الهامش إلى مراكز إنتاج الفكر والدراسات والبحوث في عالمنا، وعلى سبيل المثال ميشيل فوكو، وجاك دريدا وآخرون. بعض الأفكار والمصطلحات الموضة، تخضع لمنطق السوق وتتحول إلى سلع في أسواق اللغة والنظريات والمصطلحات والأفكار، تسود لفترة ويتم تجاوزها سريعًا، وبعضها أكثر عمقًا وأصالة وتستمر قادرة على الوصف والتفكيك والتحليل والتفسير، وبعضها يخضع لتطوير آخرين من الفلاسفة أو علماء الاجتماع أو السياسة أو القانون.. سوق فيها حركة وحيوية لكن قد يشوبها الركود وندرة الإبداع والتجديد.

الأسواق اللغوية والاصطلاحية المصرية والعربية، تتسم خلال العقود الماضية بالفقر المعرفي النسبي، واستهلاك نظريات ومصطلحات قديمة لم تعد جزءًا من عالم الأفكار والمصطلحات في الأسواق الغربية، أو توظيف بعضهم بعض المصطلحات الجديدة دون وعي معرفي ونظري باستخداماتها، ولكنها تستثمر كموضة وإنشاء سوسيولوجي أو سياسي أو فلسفي. غالب النظريات والمفاهيم والمصطلحات توظف وكأن بعضهم يعرف من أين جاءت ولماذا؟ وكيف توظف؟ وهل لديها القدرة والكفاءة على الرصد والوصف والتفكيك والتحليل عند استخدامها في مقاربة الواقع الموضوعي المصري والعربي!

بعض الكتاب والباحثين يستعير بعض الأسئلة أو الإشكاليات الغربية التي تطرح هناك على مستوى الفكر والبحث حول ظواهر ومشكلات وإشكاليات غربية، ويطرحها وكأنها عربية! بعضهم الآخر يستعير بعض المقولات الاستشراقية، أو الإشكاليات ويتبناها ويحاول تطبيقها على أوضاعنا المضطربة والتاريخية المصرية والعربية! ليست كل المقولات الاستشراقية خطأ، وبعضها يتسم بالدقة والموضوعية والتاريخية، لكن بعض هذه المقولات برانية، وتتطلب فحص سوسيو-تاريخي، وثقافي. من هذه المقولات انهمار الكتب والمقالات والخطابات والأحاديث السياسية، والدينية.. إلخ حول سؤال الهوية أو أزمة الهوية في مصر، وفي العالم العربي! حيث يبدو السؤال وكأنه سؤال الجميع أو أزمتهم الحادة! طرح بعض الباحثين الغربيين أزمة الهوية في أعقاب هزيمة يونيو 1967 الساحقة! خاصة في ظل استخدام السلطة السياسية الحاكمة للإسلام والدين عمومًا لاحتواء آثار الهزيمة، وهو ما برز في توظيف واقعة ظهور العذراء ليلاً بإحدى الكنائس في حي الزيتون بالقاهرة، ثم الميل إلى بعض استخدامات الإسلام في الأجهزة الإعلامية، وفي الخطاب السياسي الرسمي، وبدء تمدد دور المؤسسة الدينية الرسمية في التعبئة والحشد لمقاومة احتلال بعض الأراضي المصرية في أعقاب الهزيمة! تزايد الحديث عن مسألة الهوية قبل حرب أكتوبر 1973، وميل أنور السادات إلى وضع نص المادة الثانية من دستور 1971 حول "الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع"، ثم في أعقاب الحرب من خلال تكثيف توظيف الإسلام إزاء خصومه السياسيين، وميله إلى اعتبار شخصه رئيس مسلم لدولة مسلمة، وهذا الاتجاه أدى إلى تزايد معدلات التوترات الطائفية، وبعض أشكال العنف الديني، على نحو أحدث انقسامات رأسية في بنية المجتمع المصري على أساس الانتماء الديني!

تحولت مسألة هوية مصر والمصريين إلى لعبة سياسية بين السادات، والجماعات الإسلامية السياسية على اختلافها، والأزهر، استخدمها كل طرف لتحقيق أهدافه السياسية على الجسم الواحد الموحد للأمة المصرية المتعددة الأديان والمذاهب، والتي انصهرت في أتون الصراع السياسي والاجتماعي إزاء الحكم العثماني، ثم الاستعمار البريطاني، ومع حركة مصر للمصريين مع ثورة عرابي باشا، ثم اندمجت في إطار الثورة الوطنية 1919، وما بعد في إطار الحركة القومية الدستورية المعادية للاستعمار البريطاني، ثم مع حركة التحرر الوطني في ظل ثورة يوليو 1952 وزعامة جمال عبد الناصر. لم يكن سؤال الهوية مطروحا، لأن تاريخ التوحد والاندماج الوطني المصري تحقق تاريخيًا في إطار ميراث الدولة المركزية، وفي الكفاح الوطني المشترك بين مكونات الأمة الواحدة الموحدة، لعب السادات والإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية والمؤسسة الدينية الرسمية، دورًا بارزًا في إنتاج الشروخ التي أدت إلى طرح سؤال الهوية على أمة واحدة، وقومية مصرية تشكلت تاريخيًا. أصبح الخطاب حول الهوية الدينية الأحادية سلاحا تستخدمه القوى الإسلامية السياسية، لإحداث انشقاقات داخل الأمة الواحدة. من هنا كان سؤال الهوية المزعوم والمستعار من حالات أخرى أداة تفكيك، وجزءًا من فوضى المصطلحات والأفكار الرائجة في السوق السياسي والفكري والديني في مصر والعالم العربي.
نقلا عن التحرير

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع