نشرت جريدة الشروق يوم الثلاثاء الموافق الثالث من أكتوبر خبرا بعنوان «رئيس الوزراء يوافق على إطلاق حملة دعائية قوية لمصر فى الخارج»، وما يهمنا فى هذا الخبر تحديدا، هو نهج الدولة فى التعامل مع ملف «صورة مصر فى الخارج». هذا الملف الذى يثور بين الحين والآخر، خاصة إذا ما ظهرت على الساحة الدولية انتقادات تمس موضوعات ذات حساسية خاصة مثل قيام منظمة هيومن رايتس ووتش، ثم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بانتقاد أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، أو قيام الكونجرس الأمريكى بحجب جزء من المعونة الأمريكية لمصر، وهو ما ارتفعت معه الأصوات حينئذ للمطالبة بالعمل على تصحيح الصورة المغلوطة عن مصر فى الخارج. ثم وكالعادة، يتوارى هذا الموضوع إلى أن تظهر الحاجة إليه مرة أخرى. فما المقصود إذا من الصورة العامة لمصر فى الخارج؟ وكيف تتكون هذه الصورة؟ ثم كيف نعمل على تحسينها؟
بداية، فإن المقصود بالصورة العامة لأى دولة هو الانطباع العام الذى يتكون عن هذه الدولة أو تلك. ولنضرب مثلا بالصين التى كان الانطباع العام عنها قبل الثورة الشيوعية فى عام ١٩٤٩، أنها دولة متخلفة لا يفيق شعبها من تدخين الأفيون. اختلفت الصورة الآن بعد أن أصبحت الصين قوة اقتصادية صاعدة، واختفت صورة الصينى الذى يدخن الأفيون لتحل محلها صور ناطحات السحاب بالمدن الصينية، مثلها مثل نيويورك ولندن وطوكيو. إذن، فإن صورة أى دولة أو شعب فى الخارج تتبدل وتتغير طبقا لما يشاهده العالم لما حققته من رقى وتقدم وفى أكثر من مجال أو موضوع. وعادة ما تتكون هذه الصورة تدريجيا ومن خلال لقطات عديدة صغيرة ومتناثرة، مثل ما يشاهده السائح أو المستثمر أو الزائر الأجنبى من لحظة وصوله إلى المطار، مرورا بخروجه لساحة الانتظار والبحث عن وسيلة مواصلات مناسبة، إلى ما يراه من نظافة الشوارع وتطبيق النظام المرورى. هذه الأشياء جميعا هى ما تشكل الصورة العامة عن هذه الدولة أو تلك.
فإذا عدنا إلى ملف السياحة (سبب إطلاق الحملة الدعائية الجديدة)، فإننا سنجد أن الدول التى تتمتع بنسب سياحة عالية، لم تصل إلى هذه المكانة لما تتمتع به من آثار أو منتجعات سياحية فقط، ولكن لأن الصورة العامة عن هذه الدول هو توافر الخدمات العامة من مواصلات ورعاية طبية، فضلا عن شعور السائح بالاطمئنان على سلامته وراحته، وتمتعه بقضاء وقت طيب … إلخ إلخ. أما إذا كانت تلك الدولة ذات سمعة سيئة من حيث تدنى مستوى الخدمات العامة وسوء المعاملة واستغلال غير مبرر للسائحين، فلنا أن نتخيل الصورة العامة عن هذه الدولة وتأثير ذلك على فرص نمو قطاع السياحة لديها. هذا الأمر ينطبق أيضا على قطاعات أخرى لا تقل أهمية عن السياحة، مثل جذب رءوس الأموال والاستثمارات الأجنبية. فالصورة العامة مثلا عن دبى أو الدول الأسيوية الصاعدة، هى سهولة وسرعة الإجراءات البيروقراطية لديها مقارنة بدول أخرى، ناهيك عن مكانة المواطن المحلى فى هذه الدول وكيف تتعامل الدولة معه. فلا غرو أن تتدفق الاستثمارات الأجنبية على هذه الدول ولا تذهب إلى دول أخرى. فكيف نصل بمصر إلى تلك الصورة الإيجابية حتى تتدفق السياحة والاستثمارات علينا؟
ما زلت أذكر إلى الآن ما ذكره وزير السياحة الراحل ممدوح البلتاجى أثناء دورة إعداد السفراء المصريين المنقولين للخارج بالمعهد الدبلوماسى فى عام ١٩٩٤. ذكر البلتاجى أنه طلب من السفارة اليابانية بالقاهرة إعداد دراسة عن أسباب تراجع أعداد السائحين اليابانيين إلى مصر. وكان السبب الأول الذى ذكرته السفارة، أنه فى حالة حدوث خطأ أو تقصير ما، فلا أحد يتحمل المسئولية ويعترف بهذا الخطأ أو التقصير، ناهيك عن تقديم الاعتذار الواجب. هذه الثقافة أو السمة لا تقتصر فقط على قطاع السياحة، ولكن وللأسف الشديد، تمتد إلى قطاعات أخرى كثيرة قلما نجد فيها مسئولا، كبيرا كان أم صغيرا، على استعداد للاعتراف بالخطأ حال حدوثه وتحمل المسئولية. أسوق هذا المثل لأنه ينطبق أيضا على ملف حقوق الإنسان، شئنا ذلك أم أبينا. هذا الملف شائك بطبعه وتكتنفه العديد من المحاذير والحساسيات، وخاصة فى ظل معركة يخوضها الشعب والدولة ضد الإرهاب. ولكن لا يجب أن يتم الدفاع عن أى أخطاء قد تحدث وكأن الاعتراف بها ينتقص من هيبة وصورة الدولة. ولا يجب أيضا الاستهانة بما يثار ويطرح فى المحافل الدولية أو فى اللقاءات الثنائية، فمصر ليست بحجم أو قوة الصين حتى تستطيع تجاهل ما يثار حول أوضاع حقوق الإنسان فيها، ولا حجم المصالح الاقتصادية أو العسكرية بينها وبين الدول الغربية من الكبر بحيث تضطر معه حكومات ومؤسسات الدول الغربية أن تتجاهل ما يثيره برلماناتها وإعلامها وجمعيات حقوق الإنسان بها.
على جانب آخر، فإن تحسين صورة مصر فى الخارج يرتبط بنهج تعامل الدولة فى مصر مع مواطنيها. فنحن نتحدث كثيرا عن أهمية كسب ثقة المستثمر الأجنبى ولا نهتم بكسب ثقة المستثمر والمواطن المصرى، وننسى أو نتعامى عن أن المستثمر الأجنبى يراقب ويشاهد ما يحدث داخل مصر من معاملة الدولة للمواطن فى أقسام الشرطة أو السجون أو المستشفيات أو وسائل المواصلات وخلافه.، ولذلك فإن المستثمر الأجنبى لن يأتى قبل أن يرى تحسنا فى تعامل الدولة مع مستثمريها من مواطنيها، وقبل أن يشعر المصرى قبل الأجنبى، أنه محل ثقة وموضع ترحاب وليس محل شك واتهام فى كل خطوة أو تحرك يقوم به. عندئذ، وعندئذ فقط، سيأتى المستثمر الأجنبى وبعد أن يكون قد اطمأن أولا لسلامة إجراءات التقاضى وحسن معاملة الدوائر الحكومية له، مثله مثل أى مواطن أو مستثمر مصرى.
وهكذا كما نرى، فإنه إذا أردنا فعلا تحسين صورة مصر فى الخارج، فعلينا أن نبدأ أولا من الداخل، وعندئذ فقط تتحسن صورة مصر فى الخارج. وليس فقط من أجل ملف حقوق الإنسان، ولكن أيضا من أجل تشجيع السياحة والاستثمار الأجنبى.
نقلا عن الشرق