الأقباط متحدون - أنا المرأة التي أرادوا رجمها
  • ٢١:٠٧
  • الجمعة , ١٣ اكتوبر ٢٠١٧
English version

أنا المرأة التي أرادوا رجمها

أوليفر

مساحة رأي

٠٢: ٠٢ م +02:00 EET

الجمعة ١٣ اكتوبر ٢٠١٧

أنا المرأة التي أرادوا رجمها
أنا المرأة التي أرادوا رجمها

 Oliver كتبها 

نعم أنا هى تلك المرأة.كنت مثل الهيكل تماماً.أعيش مع التجارة و اللصوص.يذبحون فى الهيكل ثم يخرجون ليذبحونني خارج الهيكل لقد أتفقوا معاً علي الهيكل و علىً أنا أيضاً. حتى أكاد أظن أنهم ذبحوا ذبائحهم نذراً كي يجدونني في إنتظار شهواتهم الجامحة؟ كانوا يخرجون من الهيكل  مثلما أنا خارجة عنه. 
 
يقصدونني حيث مستقرى عند أشجار الزيتون .كم إلتقيت هناك بزوار الهيكل. الفريسيون نادوا بأن الأفاعي تحت أشجار الزيتون فى المدينة المقدسة  نجاسة؟  المزارعون إنتفضوا يقتلون الأفاعي إسترضاءاً للفريسيين أما أفاعي الهيكل الحقيقية فلم يقترب منهم أحد .كل الفريسيون و الكتبة أولاد الأفاعى كما المسيح يصفهم  و صرت أفهم قصده أكثر من كثيرين .كم إلتقيت أنا و الأفاعي  تحت أشجار الزيتون. كنت مسرورة  بقتل الأفاعي حتي ظننت أنهم قتلوها كي يكونوا آمنين حين نختلي هناك في مستقرى فوق الجبل.حيث كنت تحت ظلها أنام و أستريح و أغتنم غنائمى.
 
كل زبائنى فريسيون.كانوا يلبسون ثوب المعلم حين يقابلونني و سرعان ما يخلعون ثيابهم عند أقدامي..كنا كأنما إتفقنا دون قصد ,لا ألومهم و لا يلومونني فكلانا نعيش موت الخطية .ما كنت أخشاهم حين يعبرون.كنت أقرأ عيونهم و أراهن نفسى من فيهم سيختلي الليلة بالذبيحة. ما عدت أحتاط  منهم فيوم الجريمة يموت الضمير و أنا أموت كل يوم.
 
كنت سخية و كانوا معي أسخياء.أنا أقدم حياتي لهم و هم أسخياء في كل الوعود التي لم يلتزم بها واحد منهم و لم أبال فكل ما أريده أن أمتلك ما أحتاجه يوم  لا أعد  أبقى مشتهي شهواتهم.وحده كنت أخشاه ذاك اليوم.كنت أخشى يوم يزهد بي الرجال.حتي أنني كنت أقدم نفسى مجاناً كي أطمئن نفسى إنى ما زلت مرغوبة.ما أرهب إقتراب الزانيات من الأربعينات و أنا قاربت على بلوغ نهايتها .
 
كانت بيوتنا معلومة بالراية التي نعلقها علي أبوابنا.كي لا يتعب الراغبون فى الوصول إلينا. أنا عَلًمت الطائفات أن يطفن بالمدينة ملفوفات براياتهم الحمراء و البيضاء مثل الحجاج حتي يميزهم من فقدوا التمييز بين الأقداس و الخطية.فعند الطواف يبيع كل واحد تجارته.و أنا عند الطواف أموت.
 
مرت أيام  ولم يطلبني أحد.لم يقرع أبوابي أحد.كأنما أصابتني الكهولة جريت نحو مرآتي نظرت نفسى.ما هذا الجمال؟أنا أبدو أجمل من كلاوديا زوجة بيلاطس الرائعة.إنني أبدو أجمل  من بنت هيروديا رفيقتي ذات يوم.فلماذا لم يقرع أحد بابى؟ هل زهد الرجال فجأة؟هل تابوا ؟لكن من أعرفهم لا يتوبون بل كانوا يعتبرون رفقتى فضيلة. ماذا يحدث في تلك المدينة ؟هل جاءت منافسات جدد أكثر مهارة من مهاراتي؟ فتحت الباب لم أجد أحداً فأخذت رايتي و لففتها حول جسدى العارى و أسرعت الخطى نحو مستقرى تحت أشجار الزيتون.
 
بقيت كثيراً و الناس يسرعون كمن يجرى من لهيب أضطرم في دياره.كنت أرى الزائرين كالبرق يمرقون و أتعجب لماذا يتهافتون بهذه السرعة و علام يجرون و يتجاهلوننى.حتى مال إلى شاب فلم أنتظر حتي يطلب مني شيئاً.إرتميت في حضنه كالملهوفة و أنا حتي لم اسأل عن إسمه و لم أنظره كي أتبين ملامحه لم أقبض ثمناً فقط كنت أريد أن أعرف هل ما زلت في شوق الرجال.
 
لا أدري شيئاً بعدها.كنت أسمع اصوات العائدين و الذاهبين و لا أحتاط.فأنا كما حكيت لكم كنت محصنة من تجنيات الفريسين لأنهم رفقاء الليل.لكن العائدون اليوم لم يكونوا مثل الأمس.جاءوا نحو مقرى الذى يعرفونه عن يقين فكم زاروننى هنا.لكن قسماتهم كانت كئيبة.ما إنتبهت لقصدهم هذه المرة.كنت أكرههم و أنا في أحضانهم و هم كذلك يكرهونني.أحدهم أخذ الشاب من حضني.تفرس فى جسدى الذى يعرفه جيداً.نظرت نحو الفريسى حانقة عليه .لقد أفسد إسترضاءى لنفسى.كم كنت استرض الناس أما اليوم فكنت أبحث عن نفسى.كنت أريد أن أطمئنها.جرونني بعنف كالذبيحة نحو مسلخها.فقلت إنها النهاية .يجب أن أعرف إني تجاوزت شهوة الرجال فلم أعد مطلبهم.لكن العجيب أنهم لم يجرونني إلى الحفرة التي يرجمون فيها أعداءهم بتهمة التعدى على الشريعة.لقد أخذونني صوب الهيكل.فى الهيكل لا يوجد رجم أو حجارة.كانت أغصان الزيتون المتساقطة تجرح كل شيء فى. من آلام جرجرتى فوق الحصى و جذوع الأشجار المدببة كنت أظن أني سأموت عارية تغطيني الدماء.وصلت إلى ساحة الهيكل كالذبيحة.تركونى و ذهبوا إلى رجل لا يلبس ثوب الفريسيين.سألوه بقساوة يا معلم موسى يقول أن نرجمها فماذا تقول أنت؟ ما كنت أعرف أن هناك معلم للفريسيين لكنني رأيته اليوم فقط.
 
لا أدري من غطاني برداءه؟ لا أدري كيف كنت و كيف صرت هنا.كنت و الميت سواء بسواء.و سمعت صوتاً يوقظ الموتى.ما سمعت صوتاً يمنح الرجاء مثل صوت هذا الرجل.لم يكن كالرجال الذين عرفتهم.فى عالمي كله وسط الرجال  لم أر مثل هذا الرجل.أجابهم بوداعة لا تستطيع الأيام كلها أن تخفيها,بقوة لا يمكن لكل أسلحة هيرودس أن تغلبها.من هذا الرجل؟ لم أر مثله.كانت الدماء تحرق عيناي حين تسيل لكنني وسط الدماء رأيت وجهه.أنا ماهرة في قراءة وجوه الرجال لكن هذا الرجل لم أقرأه.لم أستطع أن أقرأه.فيه كل الدنيا.فيه محيط ليس من آخر لآخره.أجابهم الرجل من منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر.من أنت أيها الرجل؟ هل كنت ترقبهم و ترقبنى فعرفت خطاياهم و خطاياي؟أين كنت .هل قبل أن يقتلون الأفاعى أم بعد ذلك؟ هل مسكنك هنا في الهيكل؟ كان الرجل ينحني و يكتب .كنت لا أبالي أنني لا أعرف القراءة حتي اليوم لكنني مستعدة لكي أبيع عمري و أقرأ ما كتب الرجل.ما إستطعت حتي أن أقرأ حرفاً من حروفه.كم أنا جاهلة في كل شيء و أنا الآن اسأل في كل شيء .هذا الرجل هو الوحيد الذى لم أستطع أن أنظر في عينيه.عيناه كاشفتان لكل ما في داخلي.إرحمني أيها الرجل و قل لي من أنت قبل أن أموت.و فيما كانت الأسئلة تحاصرني ترك الرجال حصارى و مضوا.
 
رأيتني وحدي معه.كنت بالرداء خجلي حتي الموت, أنا التي لم أخجل يوماً من العري.كنت على يقين أنني سأموت فكم ماتت رفيقاتي بالرجم حين تجاوزن الأربعين  من العمر.و أنا اليوم مضبوطة في ذات الفعل كما قالوا.من يستطيع أن يدافع عن إمرأة مضبوطة فى ذات الفعل؟نظرت في قدميه أنا المطروحة بحقارة في أرض الساحة.أمسكني بيديه دون خجل فخجلت من رجل لأول مرة في حياتي.نظر في وجهي فكانت  ساهمتان كالنار تسرى وسط الهشيم.كل شيء تغير في داخلي حين رأيته.ليتني قابلته قبل أن أقابل كل الرجال.سألني أين هم المشتكون عليك؟ .من يستطع أن يجيب هذا الرجل .إن أساطير اليونان لا تجد مثله.و حكايات الرومان لم تعرف شجاعاً كشجاعته.هذا الرجل غلب الجميع من غير سيف أو سلاح.بكلمة فمه ذهب المشتكون بعيداً بعيداً عني .لم أعد أراهم حتي أبعد أفق .هربوا أو أقول لكم  تبخروا تماماً من الهيكل و من حياتى.حين سألني الرجل تحشرج الجواب في فمي كالكلمات في جوف الميت
 
كانت دموعى تختلط بدمائي .كان حنوناً بكل الحنان الذى في الوجود.أمسك يدى بيديه و أقامني.بصمات يديه لم تنمح من ذاكرتي و من يدي و من عيني.كنت أقبل مكان اصابعه فأجد راحة في قلبي.قال لي أنا لا أدينك فقلت لنفسي أنا لا أريد سوى رضا هذا الرجل.قلت له لا أحد هنا يا سيدلا أحد.الجميع زاغوا و إختفوا عني و عنك.
 
قال لي لا أدينك. كثيراً ما كنت أتلقي الهدايا النفيسة لكن كلمتين من فمه كانتا أعظم من كل الهدايا.أنا لا أدينك, قالها كمن يجمع كل اللآلئ و يصرها كي لا تنفرط و يقدمها لى بكل سخاء.أنا اسمعها منه كل يوم.ما هذه الكلمة؟ إنها حين تصدر من فمه لا تتلاش أبداً.لقد عشت بها و عاشت كلماته معي .كلمته مثل كيان يحتويني.مثل رفيق لا يختف عني.حين خاطبنى لم أعد أسمع بعدها سوي صوته و تتملكنى كلماته.حين قال أنا لا أدينك أحسست بغطاء من السماء يستر نفسى..يكفيني أن لا تدينني أنت بالذات يا سيدى.لم يعد يهمني أن يدينني أحد ما دمت أنت لا تدينني. من هذا الذى يملك سلطان الدينونة و لا يستخدمه للدينونة بل لنجاتي. أحسست بأنني مكسوة بحنان يغمر الدنيا بأسرها.حين كلمنى زهدت الوجود بأكمله.لم أعد أريد شيئاً لنفسى.قال لي إذهبي فزال الألم من كل كياني.كأنه قال للألم أن يغادرني ويذهب أولاً.ذهبت و أنا ما كنت أريد أن أذهب عنه.لكن كلمته صاحبتي و حتي اليوم تسكن معي و أسكن فيها.قال لي لا تعودي تخطئي.فمرقت كالسهم صوب الراية عند الباب و مزقتها.دعوت الرفيقات ففعلن مثلى.فتحت بابي لكل من يريد أن يأخذ نفس الهدية و يسمع من الفم نفسه عبارة أنا لا أدينك .لا تعودى تخطئي.و تكررت العبارة مع رفيقاتي فكنت أسمعها معهم كما سمعتها لنفسى كل يوم.
 
سمعت ذات مرة أنهم عيروه بما فعل معي.صرت أنا تعييرات له.و سمعت أنه لم يبال بتعييراتهم.كنت أفتح الباب و أنتظر وحده هذا الذى عرفت أنه المخلص.أنا أعرفه قبل الكثيرين لأنه خلصني أنا.خلصني من كل ما كان يقيدني في داخلي .خلصني من راية كنت أتعلق بها عند الباب.خلصني من البحث الخاطئ عن هدايا الأرض.قال لي لا أدينك و خلصني .عرفت أنهم سيجتمعون اليوم عند الجلجثة و أنه في قصر الولاة يحاكم.لم أندهش فأنا أعرف من هم ولاة هذا الدهر و أعرف الفريسيين و طبعهم.
 
جريت ألملم رداءى الجديد.وقفت بعيداً عن الهاتفين أصلبه.ما شاركتهم الهتاف لكنني بكيت.كنت متيقنة أنني أحد اسباب موته.عايروه بي و الآن صلبوه لأجلي.كنت أريد أن أعتذر .أن أذهب فوق الصليب و أحل قيود  وضعها الكهنة و الفريسيين في يديه و علي رأسه .كنت أريد أن أختطفه كما فعل بي من أيدى هؤلاء المفترين.كنت أحاول أن أخترق الحشود.كنت أتجه صوب المصلوب.لحظات و أقترب.سأحله و لو صلبوني معه.سأحله لأن القيود قيودي.وصلت إلى المرتفعة في الجلجلة.حتى تساقطت فوق رأسى دماءه.لكن سرعان ما سمعته يصرخ قائلاً: يا أبتاه في يديك أستودع روحي.هزني صراخه قبل أن يهزني زلزال شق الهيكل حيث إلتقيته أول مرة.ما قدرت أن أنقذه و علمت أنه اسرع ليسلم روحه للآب لأن كثيرات مثلي أرادت أن تنقذه من الموت و لكنه كان أسرع من كل الخطاة  إلى الموت فلم يلحقوا به.
 
رأيته أربعين يوما بعد موت الصليب.رآه جميع الذين قال لهم أنا لا أدينكم.رأته الرفيقات كما رأيته فطفن يبشرن بالذى أنقذ الزناة و الخطاة .ما عدنا نخش يوم يزهد فينا الرجال لأننا صرنا في كل الوجود زاهدين.شغلتنا تسبحة النجاة.تغنينا بالخلاص ليس مثلما يتغني الأبرار.بل مثلما تغنيت أنا المضبوطة في ذات الفعل.     

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع