مختل من يصدق أنه مختل!
مقالات مختارة | بقلم طارق الشناوي
٣٧:
٠٦
م +02:00 EET
الأحد ١٥ اكتوبر ٢٠١٧
(قناوى) يوسف شاهين كان يريد ذبح (هنومة) هند رستم فى فيلم (باب الحديد) وأمسك بالساطور ووضعها على شريط القطار، إلا أن (عم مدبولى)، حسن البارودى، استطاع إقناعه بارتداء بدلة الفرح (قميص الأكتاف) بعد أن استدعى له عربة مستشفى الأمراض العقلية (الخانكة) وذلك بدلا من اقتياده لقسم الشرطة لتقديمه بعدها للقضاء بتهمة شروع فى قتل.
حتى يحدث كل ذلك كان ينبغى ألا تكتمل الجريمة، وأيضا أن نقتنع بأن قناوى مختل عقليا، ورغم أننى لم أصدق أبدا ببراءة قناوى، ولا بخلل عقلى انتابه فجأة، فلقد خطط بدقة لقتل هنومة وسبق له أن حاول قتل صديقتها فى مشهد سابق اعتقادا منه أنها هنومة التى فضلت عليه (أبوسريع) حامل الحقائب فى محطة مصر، قناوى مجرم ولا مجال أبدا للتعاطف معه، فما بالكم بالتسامح والعفو، فى الأفلام من الممكن أن نلتمس من خلال المبررات الدرامية بعض الأعذار، ولكن الحياة ليست شريطا سينمائيا.
من يصدق أن قاتل الكاهن المسيحى مختل عقليا يصبح هو المختل عقليا، إنه مُحتل عقليا وليس مختلا، احتلوا عقله بكل أفكار التطرف فصدق أن من يخالفه فى الدين يوجب عليه قتله، ليس هو فقط القاتل ولا الكاهن هو الضحية الوحيدة، هناك قنابل موقوتة أخرى تتحين الفرصة وتُمسك أيضا بالساطور لقتل أى مسيحى، ربما كان زى الكاهن هو المحرك الأساسى، فلقد تربى القاتل على أن الكاهن يدعو لدين مغاير، إذن يجب القصاص منه، هو من وجهة نظره كافر، فهو يعجل بدخوله نار جهنم، بينما يسارع هو بالاستعداد لدخول الجنة ولقاء الـ76 حورية.
تابعنا الكثير من هذه الجرائم مثل قاتل الصائغ وقاتل بائع الخمور وقاتل بائع العسلية، حيث كان القتلة مقتنعين أنهم يدافعون عن صحيح الإسلام.
لو تفحصت عقل القاتل ستجده مشبعا بأحاديث قالها العديد من الشيوخ أشهرهم متولى الشعراوى، هذه الأحاديث تنال مباشرة من الديانة المسيحية وسط تهليل من الجماهير المصدقة والهائمة فى حب الشيخ صاحب الحظوة والحضور الطاغى خفيف الظل الذى كان ولايزال له مريدون يقدرون بالملايين وبعضهم يعتبر الاقتراب منه بالنقد خطا أحمر، ولا تنسى تأثير خطبة الجمعة فى المساجد التى تؤكد أن المسيحى كافر يستحق الدعاء عليه بأن يخسفه الله من على الأرض، ولو تزوجت مسيحية إياك أن تقول لها كلمة طيبة، من حقك فقط أن تنكحها كلما عن لك ذلك.
كتب التراث التى تمتلئ بها مناهج الأزهر وغيرها، أراها لعبت دور البطولة واحتلت فعلا عقل هذا القاتل وغيره بالكثير من هذه الترهات.
لماذا نريد أن نحيله إلى مجذوب؟ من المؤكد أن الأسباب أمنية وسياسية، حتى تبرئ الدولة ساحتها فى الداخل والخارج، ليس على المجنون حرج، إنه مختل وهذا يعنى أنه لا يميز ولا يختار قاتله، الدولة حرة فيما ذهبت إليه، ولكننا بصدد جريمة موثقة هى القتل ع الهوية الدينية.
المجانين فى الشارع المصرى صاروا كُثر، أرى عشرات من الهاربين من مستشفى الأمراض العقلية فى إشارات المرور ولا أدرى لماذا يختارون هذا الموقع الاستراتيجى، ويقودون هم الشارع ويحددون الاتجاهات تحت سمع وبصر عساكر وضباط الشرطة، إلا أنهم لا يفرزون السيارات، هذه مسلمة إشارتها خضراء وتلك مسيحية إشارتها حمراء، المجانين لا تفرق معهم الأديان، مختل من يُصدق أن القاتل مختل!!
المصري اليوم
المصري اليوم