القمص سمعان شهيد الوطن
مقالات مختارة | عزة كامل
الثلاثاء ١٧ اكتوبر ٢٠١٧
-1-
أثارت التغطية الإعلامية لحادث استشهاد القمص سمعان شحاتة، راعى كنيسة الفشن، غضبا واسعا بسبب الادعاء فور ورود معلومات الحادث بأن الجانى شخص مختل عقليا، ثم القيام بادعاءات أكثر استفزازا، وهى أن القاتل كان يمر بضائقة مالية، مما دفعه لارتكاب الجريمة، وأنه تصادف أثناء مروره من المكان وجود القس، فارتكب الجريمة _هكذا_!!، لقد قام القاتل بضرب القس سمعان على رأسه، فسقط فى مدخل مخزن الحديد وطعنه عدة طعنات بالرقبة والبطن، ثم رسم علامة الصليب على مقدمة رأس القمص باستخدام السلاح الأبيض، وقد قام بجريمته بشكل كامل، وعّبر عن تطرفه برسم الصليب، أى أن القتل جاء على الهوية الدينية، ومما يكذب هذه الادعاءات الخاصة بعدم وجود دوافع سياسية وراء الحادث أن المتهم هو شخص معروف بتشدده ومضايقته المستمرة للمسيحيين بالمنطقة، وارتباطه الثابت والمعروف بالجماعات المتشددة.
-2-
قبل جريمة قتل القمص هناك العشرات من الجرائم التى ارتكبت باعتبارها جرائم قتل على الهوية الدينية، من بين هذه الجرائم على سبيل المثال لا الحصر، كان تفجير كنيستى مصر: «مار جرجس» فى طنطا، ومحيط الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وشن هجمات فردية على منازل عائلات المصريين المسيحيين فى محافظة العريش، وقتلهم، وحرق منازلهم، وتهجيرهم إلى محافظة الإسماعيلية، والاعتداء على حافلة للأطفال المسيحيين وبعض أسرهم وقتلهم جميعا، لقد أسفر تنظيم داعش الإرهابى عن وجهه بوضوح، فماذا عن الجماعات والتيارات والأحزاب الدينية والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية التى تبث فتاوى وسموم مشايخ الحسبة والتكفير، وماذا عن الكتاب والإعلاميين المناصرين لهم؟، ماذا عن مناهج وكتب الأزهر ومشايخه؟. وماذا عن برهامى ومريديه من أمثال القيادى السلفى «يحيى رفاعى سرور»، الذى وصف المصريين المسيحيين الذين ذبحوا على أيدى تنظيم «داعش» بليبيا بالخرفان، وقال بالنص: «نحن أمام واحد وعشرين خروفا مسيحيا دماؤهم رخيصة»، ووصف النصارى بالخرفان، وجائز لأن من يباح قتله بالأولى يباح سبه، وعبر على حسابه الرسمى بالفيسبوك قائلا: «إن دماء الأقباط وكل أنصار السيسى مباحة وذبحهم واجب شرعى»، والسؤال هنا: ألا يعتبر ذلك تحريضا للقتل على الهوية الدينية؟، وألا يعتبر ذلك تماهيا مع الذين يسرقون ويقتلون وينهبون ويفجرون باسم الله والدين؟.
-3-
طوال الوقت تصدم آذاننا العبارة الممجوجة: «لا نريد أن نكون مثل العراق وسوريا»، ألم تقسم هذه البلدان بناء على الطوائف والهوية الدينية، التى استغلت الصراع السياسى لصالحها؟، إننا مثل النعام نخفى رؤوسنا فى الرمل ونظن أننا سننجو، إن التعتيم على ماهية المشكلة الحقيقية وعدم اجتثاثها من جذورها، وعدم الردع والمواجهة الصريحة والحاسمة للتطرف الفكرى والدينى والادعاء بأن من يقوم بهذه الجرائم مختلون عقليا أو سراق أو عاطلون، يجعل المجرمين يفلتون من العقاب على جرائمهم الحقيقية، وترديد أن لا مشكلة طائفية أو عنصرية هو الجحيم نفسه، هو إشعال فتيل الحرب الطائفية التى نظن أننا فى مأمن منها، ولن ننجو منها إلا إذا تضافرت كل الجهود الفردية والمؤسسية فى مواجهة جنون الكراهية والإرهاب وتم التعامل مع كل مواطن بوصفه مواطنا كامل الحقوق بغض النظر عن انتمائه الدينى.
نقلا عن المصري اليوم