الأقباط متحدون | تأملات في عيد البشارة المجيد
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٠:٥١ | الجمعة ٨ ابريل ٢٠١١ | ٣٠ برمهات ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٥٧ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

تأملات في عيد البشارة المجيد

الجمعة ٨ ابريل ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

 بقلم: القمص أفرايم الأورشليمي
 
بشرى الخلاص للبشرية 
نهنئكم أحبائنا القراء بعيد البشارة، بدء الأعياد السيدية الكبرى، ونرجو لكم حياة مفرحة مقدَّسة، ونحن مدعوين أن نحيا جميعًا في فرح محبة الله لنا، وتجسُّده من أجل خلاصنا. فعيد البشارة هو أول الأعياد من حيث ترتيب أحداث التجسد، فلولا البشارة وحلول السيد المسيح في بطن العذراء ما كانت بقية الأعياد. لذلك يسمونه الآباء رأس الأعياد، والبعض يسمونه نبع أو أصل الأعياد.
 
أرسل الله رئيس الملائكة "جبرائيل" للسيدة العذراء، ليخبرها بتجسد أقنوم الكلمة أو اللوغوس منها، كما جاء في بشارة معلمنا "لوقا" البشير "وفي الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة. إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم. فدخل إليها الملاك وقال: سلام لك أيتها المنعم عليها، الرب معك، مباركة أنت في النساء. فلما رأته اضطربت من كلامه وفكَّرت ما عسى أن تكون هذه التحية. فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيمًا وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلًا. فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يُدعى ابن الله. وهوذا أليصابات نسيبتك هي أيضًا حُبلى بابن في شيخوختها، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرًا. لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله. فقالت مريم: هوذا أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك. فمضى من عندها الملاك" (لو 26:1-38).
 
اختيار السماء للعذراء "مريم"
نقول في التسبحة اليومية في كنيستنا "تطلَّع الآب من السماء فلم يجد من يشبهك، أتى وتجسَّد منك".. نعم للعذراء المتواضعة التي قالت "هوذا أنا أمة الرب"، نظر الآب السماوي ليهبها تلك النعمة الفريدة؛ لأنها متَّضعة ومنسحقة، فرفعها الرب فوق السمائيين "قريب هو الرب من المنسحقي القلوب"، "يقاوم الله المستكبرين أما المتواضعين فيعطيهم نعمة"، "نظر إلى إتضاع أمته".. نعم تواضعوا تحت يد الله القوية ليرفعكم في حينه.
  
نظرت العذراء "مريم" إلى نفسها أنها عبدة لله؛ من أجل هذا رفعها إلى مرتبة الأم للإله الكلمة المتجسِّد. وتكلَّم معها الملاك بتحية الاحترام والتقدير "السلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك".
 
إن الله العظيم في تواضعه، يريدنا أن نتعلَّم منه الوداعة والاتضاع. هل ترى مثل هذا إتضاع من الله، أن يستأذن من السيدة العذراء أن يحل فيها ويأخذ منها ناسوتًا وهي جبلة يديه!! وهذا طبعًا شرف كبير للسيدة العذراء هي فرحت به. فهي بشارة مفرحة تتضمن خبرًا سعيدًا، وأيضًا استئذان بلطف شديد مع عطايا جزيلة.
 
ويؤكِّد الآباء أن السيد المسيح حل في بطن العذراء بعد أن قالت "هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك". 
 
 إن الله يحترم حريتنا وإرادتنا الشخصية حتى وهو يهبنا أعظم النعم.
 
العذراء العفيفة الطاهرة القديسة الخادمة التي ترنَّمت بتسبحتها الخالدة لله مستخدمة أيات الكتاب المقدس، وقد اعتادت أن تحفظ الكلام في صمت متفكِّرة به في قلبها "فقالت مريم تُعظِّم نفسي الرب. وتبتهج روحي بالله مخلصي. لأنه نظر إلى اتضاع أمته فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني. لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس. ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه. صنع قوة بذراعه، شتَّت المستكبرين بفكر قلوبهم. أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين. أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين" (لو46:1-53).
 
كان سلام القديسة "مريم" سبب امتلاء "إليصابات" وجنينها بالروح القدس، لتعلن لنا بالروح "من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ" (لو 34:1). نعم إن العذراء أمنا توصينا دائمًا أن نفعل كل ما يقوله لنا المخلِّص الصالح "قالت أمه للخدَّام: مهما قال لكم فافعلوه" (يو 5:2). فلنقتدي إذًا بالقديسة "مريم" في فضائلها وحياتها، ليحل المسيح بالإيمان في قلوبنا.
 
التجسد الإلهي وإعلان محبة الله للبشر
في عيد البشارة نجد قمة إعلان محبة الله للبشر، إذ أخذ صورتنا وطبيعتنا بغير خطية ولا دنس. ومن ثمار التجسد؛ غفران الخطية الجدية والفعلية لـ"آدم" ونسله إلى نهاية الدهور بالفداء، وننال هذا الغفران بالإيمان بهذا السر العظيم، وبالولادة من الماء والروح "لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع" (1كو 15: 22).
 
كما أن التجسد الإلهي إعلان لقداسة الجسد الإنساني "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد، تبرَّر في الروح تراءى لملائكة، كُرز به بين الأمم أومن به في العالم، رُفع في المجد" (1 تي 3: 16). إذا كان الجسد شرًا في ذاته ما كان أقنوم العقل الإلهي قد إتخذ جسدًا ووهبنا إمكانية تحقيق القداسة ونحن في الجسد. إننا كما تعلَّمنا من آبائنا القديسين، قد أُمرنا أن نحارب شهوات الجسد وليس أجسادنا التي هي هياكل لروح الله "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وإنكم لستم لأنفسكم" (1 كو 6: 19). نعم سيقوم الجسد في اليوم الأخير جسدًا روحيًا نورانيًا ليكافأ على تعبه وخدمته لله، أو يُعاقب مع الروح على شروره وآثامه.
 
وبالتجسد الإلهي، نرى محبة الله للخاطئ وقبوله له بالتوبة. والتوبة هي أول خطوة نحو القداسة. إن أنظارنا تتجه للسماء مصدر فرحنا، وإلى الله قوتنا ورجائنا، وكلنا مدعوين للإتحاد بالعريس السمائي الذي جاء وإتحد بطبيعتنا.
 
بالتجسد صار بطن القديسة "مريم" العذراء هو معمل الإتحاد بين اللاهوت والناسوت في شخص ربنا يسوع المسيح. لقد تكوَّن الجنين بعد أن قبلت العذراء البُشرى بإتحاد اللاهوت مع جبلتنا في بطن العذراء، فصار في البطن الابن الكلمة المتجسِّد. في الولادة سُمى "يسوع" أي المخلِّص "أنا أنا هو الرب وليس غيري مخلص" (أش 43)، وفي العماد سُمِّى "المسيح" أي الممسوح من الروح القدس، فأصبح اسمه يسوع المسيح ابن الله الحي. بنوة روحية فريدة كولادة النور من النار، أو نور الكهرباء من التيار. لماذا لا يقبل البعض التجسد؟ فهل هناك شئ غير مستطاع لدى الله؟ إن كان الله قديمًا كلَّم الإنسان من شجرة، أو ظهر لأبونا "إبراهيم" في شكل إنسان، أو ظهر للبعض بهئية ملاك، فهل الله الذي يحب أبنائه لا يقبل أن يتجسَّد لخلاصهم؟ ولا يحد التجسد من لاهوته؛ فهو حال في كل مكان، ولا يحويه مكان..
 
إننا إذ نحتفل بهذا العيد، فنحن نعبِّر عن فرحة الكنيسة بهذه البشارة، ونشارك العذراء فرحتها بهذه البشارة المفرحة التي أتت إليها من السماء من خلال رئيس الملائكة "جبرائيل"، ونشاركها لأنها بشارة للخلاص لنا وللبشرية كلها. لقد شاركنا السيد المسيح في كل مراحل حياتنا قبل الولادة وبعدها حتى النضوج "باركت طبيعتنا فيك"، لكي ما يجعلنا أبناء له بالتبني، ونرث ملكوت السموات.
 
أنت فردوس نفسي..
إلهي، أشكرك، وتشكرك عنى ملائكتك لأني عاجز عن القيام بحمدك كما يليق بحبك وتواضعك وعطائك العجيب. نعم صرت وأنت الإله العظيم إنسان حق، لترفعني لأكون ابنًا لك بالتبني والنعمة.
 
أيها الكلمة المتجسد الوديع، علِّمنا أن نجعل من قلوبنا لك مسكنًا، ومن حياتنا شعلة حب تعلن محبتك للبشرية، لكي ما نرجع بالتوبة والإيمان إلى أحضانك الإلهية أيها الإله الرحوم.
 
إلهي، لقد اقتربت إليَّ لترفعني، وتجسَّدت لتقدِّسني، وفديتني بالدم الكريم على عود الصليب لتخلِّصني، وقمت لتقيمنى معك.. إلهي أنت فردوس نفسي.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :