ليسوا مختلين عقلياً بل محتلون عقلياً
مقالات مختارة | عادل نعمان
الخميس ١٩ اكتوبر ٢٠١٧
كل مختل عقلى فى بلادى لا يقتل إلا مسيحيا، درب «المهابيل والمساعير» لا يسلكه سواهم، ألا يخطئ أحد المشايخ يوما طريقه إلى الدرب؟ وهل يا ترى سنراه يوما تحت سيف مختل أو معتوه؟!!
أم أن الخلل لا يظهر إلا إذا رأى صليبا وإن حجبوه عنه، ولا يخرج إذا رأى عمامة وإن كشفوها له. هؤلاء القتلة ليسوا «مختلين» عقليا بل «محتلون» عقليا. الخلل العقلى شرف لا يرتقى إليه هؤلاء المحتلون عقليا، والمستعمرون فكريا. «المختلون عقليا» أشرف من «المحتلين عقليا» وأرقى وأرحم، فلم نعهد فيهم يوما خسة أو ندالة، ولم نألف منهم غدرا أو خيانة، ولم نعرف عنهم سوى الخوف من العقلاء، والانزواء بعيدا مخافة الأذى منهم، حتى جاء اليوم الذى احتمى فيهم معاتيه الأديان والمحتلون عقليا، واقتحموا خلوتهم، واعتصموا بحبلهم، واستظلوا بظلهم، ولاذوا بجنونهم، ولجأوا إلى ديارهم الآمنة يحتمون بحماها، فأصبحت مأوى للسفاحين والسفاكين والمجرمين، فحقر الناس من شأنهم، وأسقطوا من قيمتهم، وبخسهم الناس حقهم، ورخصوا من قدرهم واعتبارهم، وأسقطوهم فى براثن الندالة والحقارة. ما كل هذا الظلم الذى أوقعوه على المختلين عقليا، وأصابوهم به، فقد اختلطت بضاعتهم الصادقة بالفاسد والتالف من بضاعة رجال الدين، فما كانوا يوما من الظالمين أو المعتدين، وما كانوا يوما طغاة أو عتاة أو غاشمين، بل مسامحون مسالمون، باحثون عن رحمة بعد ظلم، وعن حنان بعد قسوة، ومن يمسح عنهم دمعتهم بعد فراق.
لا يقتل ولا يظلم غير العقلاء، ولا يحرض على قتل الأبرياء فى تاريخنا سواهم، كل العالم تحرر من القتل على الهوية ولم نبرأ نحن منه، كلهم يخجلون من تاريخهم ويكتمونه ونحن نتفاخر ونبوح به. كل الدنيا أقرت بالمواطنة مسلكا وطريقا ونحن مازلنا على عهدنا بالقبلية والتعالى والكبر والعنصرية والعلو والنرجسية. هؤلاء ليسوا محتلين عقليا فقط، بل مختلون دينيا أيضا. هؤلاء يفرحون ويسعدون بقتل الأبرياء لإعلاء كلمة الله، وإراقة دماء المسالمين حبا فى الجنة وبنات الحور العين. هؤلاء المحتلون بيننا، فى بيوتنا ومعاهدنا ومدارسنا ومنابرنا وأرصفتنا.
فهذا مثال لما يدرسه طلبة الثانوية الأزهرية فى كتاب المرشد فى الفقه الشافعى «شرح كتاب الإقناع للصف الثالث الثانوى صفحة (52)» حول شروط القصاص فى القتل العمد، الشرط الرابع (وألا يكون المقتول أنقص من القاتل بكفر، أو هدر دم، تحقيقا للمكافأة المشروطة لوجوب القصاص، وإن قتل المسلم كافرا، أو قتل المعصوم بالإسلام زانيا محصنا، فلا قصاص على القاتل لأن المقتول أنقص من القاتل)، فلا يقتل المسلم بكافر فى القتل العمد، وعليه الدية فقط إذا كان غير محارب، فإذا كان محاربا فلا دية له، وديته نصف دية المسلم. هذا جزء من كل، ثم تعالوا إلى ابن القيم الجوزية ومع أشهر كتبه (أحكام أهل الذمة) وهو مرجعية رئيسية للسلفية، وهو إهداء إلى الذين يتشدقون بوجوب حماية أهل الذمة، فهم فى أماننا وحمايتنا، لكنهم لا يعرفون أن هذا الأمان وهذا العهد مرهون برغبة المسلم واحتياجاته، وله وحده الحق أن ينقضه ويهدمه بإرادته المنفصلة حتى لو خالف أوانه أو مدته، وهذا ما يقوله ابن القيم الجوزية (إن هذا العهد يقرهم المسلمون ما احتاج إليه المسلمون، فإن استغنوا عنهم أخرجوهم من ديار المسلمين، ولا نكون ظالمين لهم، فلا يجوز لولى الأمر أن يعقد الهدنة مع الكفار عقدا مطلقا لا يقدره بمدة، بل يقول (نعاهدكم ما شئنا ونقركم ما شئنا) هذا هو عقد الذمة «يا حنان يا ترك» الذى لا تعرفينه ولا تسمعين عنه، فهو يجوز نقضه وهدمه برغبة المسلمين، ومدته يقررونها بإرادتهم. هذا هو الاحتلال الفكرى الذى احتلوا به عقول البلهاء والحمقى. نرجوكم اقرأوا ما قاله ابن عثيمين حول حرية الاعتقاد، وهو منقول عن أسلافه، وهو ملتزم به، ويلتزم به السلفيون إلى يوم الدين (إن الذى يجيز أن يكون الإنسان حر الاعتقاد، يعتقد ما يشاء من الأديان فهو كافر، لأن كل من اعتقد أن أحدا يسوغ له أن يدين بغير دين محمد فإنه كافر بالله عز وجل، يستتاب فإن تاب وإلا وجب قتله)، هذا المحتل يزيد سوءا بقوله (إن من اعتقد أنه يجوز لأحد أن يتدين بما شاء، وأنه حر فيما يتدين به، فهو كافر بالله عز وجل لأن الله يقول (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) ويقول (إن الدين عند الله الإسلام)، فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن دينا سوى الإسلام جائز للإنسان أن يتعبد به، بل إذا اعتقد هذا المسلم فقد صرح أهل العلم بأنه كافر كفرا بواحا، مخرجا من الملة)، هذا هو الاحتلال لعقول السفهاء، وهذا هو الجمع الخاطئ بين الإيمان بالله والإيمان بالإسلام، ومن كفر بالإسلام كمن كفر بالله، وهذا ظلم لدين الله الذى جعل الإيمان بالرسل والكتب شرطا من شروط الإيمان.
هذا هو فكر المحتل الغاشم، الذى سيطر على عقل القاتل فقتل القمص سمعان، وكذلك سيفعلون بقاء هذا الاحتلال الفكرى من المحتلين الوهابيين السلفيين وتراثهم القاتل، ولا مجال سوى إعلان الحرب عليهم لتحرير هذه العقول، وطرد هذا المغتصب الذى سكن النفوس والقلوب باسم الدين، والله برىء مما يفعل الظالمون.
نقلا عن المصري اليوم