القس سمعان.. هل تتفرق دماءه بين المختلين!
مقالات مختارة | سوسن الدويك
الجمعة ٢٠ اكتوبر ٢٠١٧
- ذبح متطرف «مختل».. القمص سمعان شحاته، كاهن كنيسة الشهيد يوليوس بعزبة جرجس بالفشن بنى سويف، وقام القاتل بضرب القمص المغدور على رأسه، وطعنه في رقبته وبطنه، ثم حفر علامة الصليب على مقدمة رأسه بالسلاح الأبيض.. انتهى الخبر الأسود، ولكن لم ينته الأمر كله، وكأنه حادث طريق، أو أن أبونا سمعان، وقع في «بلاعة» مفتوحة!!
- يخطئ من يظن أن المسؤولية تقع على عاتق رجال الشرطة مثلا، فالقمص المغدور لم يكن يسير ومعه قوات حراسة أو لديه «بودى جارد»، هو رجل دين مسيحى مسالم يعيش حياة عادية بسيطة، لذا فالجريمة ليست حادثًا مؤسفًا- كما جاء في بيان الكنيسة، ولكنها عملية استشهاد حقيقية، من متطرف تملأ عقله خزعبلات وتخريفات شيوخ الوهابية الذين ملأوا هذه العقول بأفكارهم السوداء ووصف هذا القاتل بأنه «مختل» هو منتهى الظلم لأنفسنا قبل أن نظلم القمص «سمعان»، لأن هذا القاتل سبق وهدد المسيحيين بالذبح في عيد القيامة الماضى، وتم إبلاغ الأمن الوطنى، وتم القبض عليه وللأسف تم إخلاء سبيله بعدها وجاء في البيان الرسمى لوزارة الداخلية، أن المتهم يتعاطى أقراص الترامادول ومخدر الحشيش.. فعن أي «خبل» أو «هبل» يتحدثون!!
هذا القتل على الهوية بقصدية كاملة- وهذا القاتل لو طالبنا بإعدامه غير كاف، بل لابد من إعدام كل من أدخل في دماغه وأدمغة أقرانه أن المسيحيين «كفار»، وكل من حرض ضدهم، وكل من حرض على استباحة أرواح الأقباط وممتلكاتهم، ولم يحاسب، ولم نشهد له أي محاكمة أو ينفذ فيه أي عقاب، ونحن بذلك نظلم أنفسنا لأننا مصرون على استمرار هذا الوضع العبثى ومع كل جريمة بشعة نجد مئات التبريرات وكيف أنها حوادث فردية، نعم فلتكن فردية لكنها خطيرة وتداعياتها أكثر خطورة، فمنذ متى ونحن نرصد استهداف الكنائس، واغتيال القساوسة وتهجير أقباط العريش، وتهجير من قبل بعض الأسر من العامرية وأشمون، ومدن أخرى ونحن نتخذ من مقاعد المتفرجين مكانًا يبدو لنا أنه آمنًا وهذا غير صحيح بالمرة.
- وقد صرخنا وكتبنا مئات المرات، وفى كل مرة كانت تقوم زوبعة، ثم تهدأ، لنتذكر الزوبعة السابقة بحادث آخر أكثر بشاعة.. آن الأوان لكى تدرك الدولة أن مؤسساتها بها طابور خامس لا يود النهوض بتجديد أو تطوير الخطاب الدينى، بل بها من المشايخ من يقاوم وبشده خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى بتجديد هذا الخطاب، وشيوخ التكفير يشوشون العقول، ويشوهون دعوة السيسى، ولم نشهد حتى الآن قيام أي مؤسسة دينية بالاضطلاع بهذه المهمة سوى قيام وزارة الأوقاف بتوحيد خطبة الجمعة ورغم ذلك تواجه بمعارضة شديدة وتوجهات تحريضية ضد كل ما يمنع السموم عن الآذان، وتعتبر كل إصلاح دينى ضرب من الرفاهية.
- الإرهاب منظومة فكرية، تتغذى على نصوص واضحة، تنطق بالتطرف وتضع الفخاخ بفتاوى القتل وأكشاك تنتشر على أرصفة المترو، ووصل الأمر إلى أن الزى الكنسى أصبح يستفز بعض الشباب باعتبار أن القس الذي يرتديه يحارب الإسلام وينشر الكفر.
- السؤال الآن.. هل نحن في موسم الإدانة والشجب، وحديث «النخبة» العظيم عن حقوق المواطنة، وقانون الطوارئ، والمجلس القومى للإرهاب والتطرف، ويبدأ موسم «قبول الآخر»، وتجديد الخطاب الدينى، والتحليلات التي لا تقدم ولا تؤخر، ولا تطالب بحل جذرى يوقف هذه المسرحية العبثية التي تتكرر من وقت لآخر. وهناك مقدمات واضحة تؤدى إلى هذه النتائج التي نشهدها بقلب ميت.
- على الصعيد الآخر فالاستشهاد بالنسبة للقمص سمعان ليس بالأمر الغريب أو الجديد على المسيحية، فقد سبق وأعلن في الكتاب: «تأتى ساعة، يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله».. وبذلك أصبح الاستشهاد يرتبط بالموت، ولكن قدم له مفهومًا أعمق واسمى، فلم يُعد الموت هو تلك النهاية أو ذلك الرحيل الذي يفزع منه البشر في مواجهة مجهول لا يعرفونه، بل أضحى نوعًا من العبور إلى حيث الراحة والسلام والفرح الدائمين في حضرة الله المحب العادل».. وهذا ما حدث لأبونا «سمعان».. وكفاه.
نقلا عن المصري اليوم