الأقباط متحدون | التحول الروحاني- الخدمة والتضحية
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٤:١٤ | الجمعة ٨ ابريل ٢٠١١ | ٣٠ برمهات ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٥٧ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

التحول الروحاني- الخدمة والتضحية

الجمعة ٨ ابريل ٢٠١١ - ٥٧: ٠٦ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: راندا الحمامصي
إن الإعتقاد السائد عن مفهوم الخدمة يضعنا في دائرة القلق. فهو ينظر إلى الإنسان فيها، بشكل عام، على أنه خادم أو عبد لشخص آخر في علاقة غير متكافئة. وهناك بالطبع مفهوم آخر للخدمة على أنها عمل وواجب يُؤَدَّى للغير من قبيل الخدمات المهنية، وخدمات الصيانة، أو الخدمات العامة. إلا أن للخدمة في جوهرها تعريفاً آخر. فهي تعني؛ الإحترام والتقدير، التنبُّه والإنتباه، ثم التفاني والإخلاص كما الحبيب لمحبوبته. هذا هو التعريف الذي نعنيه بكلمة الخدمة التي توضع في سياق قدرات الإنسان في المعرفة والمحبة والإرادة. فالخدمة إذن هي استخدام الفرد إرادته في القيام بأفعال تفوح وحدة واتحاداً وصدقاً وأمانة، وهو ما يتطلب درجة عالية من نكران الذات، وإدراكاً عميقاً للأسس التي تقوم عليها وحدة العالم الإنساني، وإخلاصاً مطلقاً لمبدأ الحق والحقيقة. والأهم من ذلك فإن الخدمة هي انعكاس تام لمدى فهمنا وقبولنا لحقيقة ذاتنا وطبيعتها. فبقدر حرصنا ورغبتنا على تطوير صفاتنا الإنسانية وتنميتها يكون مقدار انخراطنا في أعمال تأخذ طابع الخدمة.

إن كلمة التضحية باللغة الإنكليزية "sacrifice" لها جذورها في الكلمة اللاتينية "sacrificium" التي تتكوّن من مقطعين "sacer" وتعني "مقدس"، و"facere" وتعني "أن تعمل". فالتضحية إذن هي عمل من أجل التطهير والتقديس.
في رحلة حياتنا تجدنا نكتنز الأموال والممتلكات، ونسعى إلى تبوُّئ المراكز والنفوذ بأشكاله والفوز بالمحبة، ثم نصل بكل ذلك إلى درجة التعلق بها فنضعها داخل قلوبنا وعقولنا ونغلق عليها، وكلما ازداد حرصنا وتعلُّقنا ازداد إحكامنا في الإغلاق ونصبح أنانيين تدور حياتنا حول محور ذاتنا، لنجد أنفسنا بعدها فريسة الخوف من فقدان ما نملك فنزداد قلقاً وحرصاً وأنانية.

أتذكر عائلة متوسطة الحال كان الأبوان والأولاد فيها يعيشون حياة سعيدة. فبيتهم مفتوح للجميع في كل الأوقات، والأصدقاء يمرّون بكل حرية لإلقاء التحية عليهم ومعهم أصدقاؤهم لتناول الشاي أو القهوة ثم يغادرون. وأحياناً كنا نُعدّ كعكة ونأخذها معنا إلى ذلك المنزل حتى نشارك العائلة بتناولها في جو من البهجة والسرور. لم يكن بيننا أي مظهر من مظاهر التكلّف أو الغرور، بل إحساس قوي بالوحدة والألفة. ثم حدث بعد ذلك أن فازت العائلة بمبلغ كبير من المال في اليانصيب، فانقلبت أمورها بالكلية بين ليلة وضُحاها؛ انتقلوا جميعاً إلى منزل شبيه بالقلعة وعيّنوا لهم حرّاساً، وأصبحوا لا يجيبون على الهاتف بل يسمعون مكالماتهم من ألة التسجيل الخاصة، وأصبح من المُحال التكلم معهم أو إليهم أو حتى رؤيتهم. وبعد عدة سنوات علمنا بأن الأسرة تفكّكت؛ فالزوج عانى من التوتر والإكتئاب، وانتاب الزوجة حالات من العصبية والغضب وأصبح من المتعذر التقرب إليها، والأطفال الذين أصبحوا ضحايا الترف والدلال نراهم أنانيين بشكل عام وغير مهيأين لإقامة علاقات سليمة ومريحة مع الآخرين أو فيها ثقة متبادلة، ثم فُصلوا من مدارسهم. فالعائلة الآن في ثراء مالي كبير إلا أنها في فقر مدقع من كل شيء له قيمته الحقيقية في الحياة.

حين تأمّلتُ في هذه الحالة وجدتُ فيها شيئاً واضحاً تماماً: لم يكن ثراؤهم الجديد مُزَكّىً ومباركاً. فكل ما نمتلكه يجب أن نحرص أن يكون طاهراً طالما كنا نفوساً روحانية. ولكن كيف يفعله الفرد؟ هل التبرع للمشارع الخيرية يزكّي ما لدينا ويجعله طاهراً؟ وماذا لو أنشأنا مؤسسة خيرية تؤدي خدمات عامة تخليداً لإسمنا وذكرانا؟ إن الأعمال الخيرية مهما كانت ممدوحة نادراً ما تجعل أي شيء طاهراً. ذلك لأن عنصرالتضحية هي التي تطهّره وتباركه، والتضحية تتطلب منا أن نكون مستعدين لخسارة أي شيء مطلوب وتركه وراءنا بأي شكل من الأشكال. من الطبيعي أننا لا نستطيع التحكم بوقت وفاتنا، وما يمكننا تقريره والتحكّم فيه هو حياتنا: لماذا نعيش، ولأي هدف، وبأي أسلوب، والنهاية التي نتمناها لأنفسنا. فإذا نظرنا الحياة من هذا المنظور سنجد أن التضحية هي التي تُحيل حياتنا إلى نوعية لا تسبب لنا الحسرة ساعة الموت على ما فرّطنا به من أعمال طيبة طاهرة، ومحبة صادقة مجرّدة تزكّي كل ما لدينا وتجعله طاهراً. هذا هو لبّ التحوّل الروحاني.

في صلب التضحية يتربّع عنصر الشجاعة في قول الصدق والحق والحقيقة، والتحلي بالإرادة في إحراز فضيلتَيْ صنع الوحدة مع الآخرين والقيام على خدمتهم. نعلم جميعاً مدى الحاجة إلى الشجاعة في الوقوف إلى جانب الحق والحقيقة، ولهذا نميل أحياناً إلى الكذب الخفيف لأننا نعلم أن الحقيقة تُلزمنا بالتضحية، والتضحية لها ثمنها. قد يسألنا صديق: ’هل معك عشرون دولاراً؟‘ فنجيب أحياناً ’لا.‘ لأننا لا نرغب في التفريط بأموالنا. وقد يسأل شخص أبيض البشرة في جنوب إفريقيا: ’هل تعتقد أن السود أقل درجة من البيض ويستحقون هذه المعاملة؟‘ فيجيبه آخر: ’نعم.‘ مع أنه يعتقد خلاف ذلك وأن البيض والسود يجب أن يكونوا متساوين في الحقوق، إلا أن ذكره هذه "الحقيقة" يتطلب منه الإستعداد للتضحية بمكانته بين أقرانه ولذلك يختار إنكارها. وتسأل الزوجة زوجها: ’هل تُقيم علاقة مع امرأة أخرى؟‘ فيجيب ’لا.‘ ثم تنكشف الحقيقة وتنهار الحياة الزوجية، أو تبقى الحقيقة مستورة ويبدأ الزوج في التصدع داخلياً في استقراره النفسي وطمأنينته. فحتى نقبل التضحية تلزمنا الشجاعة، وبالشجاعة فقط نقف إلى جانب الحق والحقيقة. أو يمكن وضع المسألة في شكل آخر: قول الصدق يلزمه التضحية.

والمعنى الثاني للتضحية يتعلق بالنموّ والتطوّر. ففي السعي نحو نفس متكاملة يتطلب الأمر الإتّصاف بفضائل روحانية من قبيل: الصدق والوحدة والخدمة. وحتى نفوز بها يجب أن نكون مستعدين للتضحية بما نحن فيه من تعلق بالجانب الغرائزي من طبيعتنا. وبكلمات أخرى علينا أن نكون على استعداد لتطهير غرائزنا وتزكيتها. ولكن كيف يكون ذلك؟ فلنأخذ مثلاً ثلاث غرائز رئيسية: الجنس، الجوع، الأمان.

فالجنس اتّخذ شكله الطاهر، عبر التاريخ وفي جميع الثقافات، بشِرعة الزواج. أما في وقتنا الحاضر، مع ضحالة قيمنا واعتبارها غير هامة، أصبح الجنس سلعة يتاجر بها العموم، وبالتالي فَقَدَ الزواج قدسيته وطهارته، وهوت العلاقات الجنسية إلى الحضيض. فلم تعد عفيفة طاهرة وفَقَدَ الحب أيضاً قدسيته.
والجوع يأخذ شكله المقدس إذا جعناه في سبيل إشراك غيرنا من المعوِزين بطعامنا، وكذلك الأمر في إطاعتنا فريضة الصيام. ففيه تقديس لجوعنا وطعامنا في آن معاً، وبه نتنبّه إلى الجوع وكأنه ظاهرة إنسانية جماعية. أما في وقتنا الحاضر فنجد أن الطعام لم يعد بمفهومنا شيئاً مقدساً، إذ نلاحظ في جزء من العالم إفراطاً في تبذيره وتبديده بينما الناس في أقطار أخرى يموتون جوعاً، ويتم هذا أحياناً باسم حماية الوضع الإقتصادي عند أولئك الذين يُتلفون مواداً غذائية، أو من أجل حماية نفوذ سياسي في بعض البلدان الفقيرة.

وحاجة الفرد إلى الأمان هي غريزة بشرية، وفي أبسطها يحاول الناس توفيره لأنفسهم ترجمةً لأنانيتهم. فهذا الإتجاه المدمّر في التركيز على الذات يكوِّن موقفاً يؤدي إلى خلق عالمٍ تتكدّس فيه أسلحة فتاكة قادرة على تدميره عدة مرات. فأماننا لا يتحقق بأمان الفرد أو مجموعة معينة، بل بسلام يفرد جناحيه على عموم الجنس البشري – ثمرة وحدتنا. وفي سبيل تحقيق وحدة عالمية علينا أن نضحي بمشاعر الأمان التي توهّمناها بأنانيتنا، وأن نغدو على استعداد لاكتساب فضيلة الوحدة الروحانية أولاً والتي بدورها ستمنحنا الأمان الشخصي.(سيكولوجية الروّحانية)




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :