سعاد حسنى (٢-٢)
مقالات مختارة | بقلم مفيد فوزي
السبت ٢٨ اكتوبر ٢٠١٧
أنحاز دائماً للموهوبين، فهم دائماً صناع الحضارة والتقدم فى سائر المجتمعات، وإذا انسحب الموهوبون من الصدارة تركوا الساحة لأنصاف الموهوبين وعديمى الفهم، أنحاز للكاتب الموهوب والباحث الموهوب والطبيب الموهوب والعسكرى الموهوب أيضاً فهو المنتصر دائماً. أنحاز للفنان الموهوب الذى يسكن قلوب جماهيره ويقيم فى عقولهم. لهذا أبحرت فى حياة سعاد حسنى التى عرفتها عن قرب من أول مشوارها حتى تألقها المدوى، مروراً بحالات العشق التى اكتوى بها قلبها، ثم الهبوط الاضطرارى والانكسار التى قاد إلى كلمة النهاية.
قليلون اكتشفوا فى سعاد حسنى هذه الكاميرا الداخلية بعينها التى لا تكف عن الاختزان، وهو أعظم مرجعية للفنان ومصدر للإبداع الذاتى. لهذا يظلم الفنانة الكبيرة الرائعة سعاد حسنى أن تختزل فى قصة حب جمعتها بعبدالحليم حافظ وامتد الارتباط سنوات، ومنتهى الظلم لفنانة أسطورية تختزل فى «كيف راحت؟» هل قتلت أم انتحرت؟. إن سيناريوهات كاذبة صاحبت نهايتها الدرامية الغامضة خصوصاً بعد أن ساءت صحتها، لكنى أشهد أمام الله على عزة النفس التى كانت تتمتع بها هذه السندريلا الجميلة. لقد هاتفنى ذات مساء الأمير فيصل بن فهد وعرض على إقناع سعاد بقبول مبلغ مالى للعلاج خصوصاً بعد أن توقفت الدولة عن علاجها بقرار من عاطف عبيد، رئيس الوزراء حينئذ، وقد اعتذرت له وطلبت منه أن يكون الأستاذ نور الشريف صاحب المبادرة، وكان نور شهما، فسافر لها فى لندن وحاول إقناعها بقبول المبلغ الذى رفض صاحبه الإفصاح عن شخصيته، بيد أن سعاد حسنى بعناد لا مثيل له قالت «أنا أتعالج بفلوس مصر يا نور بس»، فقال نور - بعصبية - «مصر معدتش بتعالجك يا سوسو»، فقالت بحزن «أموت أحسن». وعاد نور بمبلغ التبرع للأمير فيصل مرة أخرى. هذه هى سعاد حسنى التى طلبت منى فاتن حمامة بعد عودتها من سنوات الاغتراب أن ترى فيلم «زوجتى والكلب» لسعاد حسنى ونور الشريف، وذهبنا إلى سينما فى العباسية كانت تعرض الفيلم لولا أن مدير السينما أفسد متعتنا حين أعلن مرحباً بسيدة الشاشة العربية وهربنا من السينما قبل العرض.
هذه هى سعاد حسنى التى سألتنى عنها نجمة إيطاليا كلوديا كاردينالى فى مهرجان وهران فى الجزائر بحضور مذيعة النايل سينما «إنجى على»، كل هذا ونختزلها فى قصة حب أو نهاية درامية.
أى ظلم هذا؟.
لعل أكثر فترات استقرار سعاد حسنى كانت فى زواجها بالمخرج الفنان على بدرخان. لقد دخلت سعاد بيت بدرخان الراسخ العتيد وكان هذا مبعث سعادتها، ربما كانت فى قرارة نفسها تقول إن نادية لطفى قد ناسبت أسرة عبدالناصر، وهى قد ارتبطت بأسرة بدرخان، تتساءلون: هل هذه المشاعر تخرج للنور؟ والإجابة لا، إنها تختبئ تحت الجلد وفى اللاشعور. لقد كان من السهل قراءة سعاد حسنى من عينيها وتعبيرات وجهها وإيماءاتها القصيرة المقتضبة. لم يكن من السهل الإفصاح الكلى عن مشاعرها إلا فى حالات الارتباط الإنسانى بقلبها، مثلاً كان من السهل للمقربين منها اكتشاف إحساسها بالغيرة على عبدالحليم من الفنانة الدمثة الجميلة ميرفت أمين، ومع ذلك ارتضت أن تكون شقيقة عبدالحليم وليست حبيبته فى «البنات والصيف»!. كان الفن - فى حياة سعاد حسنى - سيدها وعفريتها وتاج راسها ولم تكن سنوات الانكسار فى حياتها إلا نتيجة هذا الشعور الذى صادفها على يد مخرج كبير من جيل الوسط، كان يعتقد أن «النجمة - أى نجمة - هى صناعة يديه خصوصاً عندما تكون نجمة كبيرة فى حجم سعاد حسنى»، فى الوقت الذى لم تشعر فيه أبداً فاتن حمامة عميدة ممثلات الشرق أن هنرى بركات لديه هذا الشعور أو حتى «النرجسى» المشروع حسين كمال عنده هذا الشعور! ولا أدرى حتى الآن ماذا جرى داخل سعاد حسنى فى بدايات «سنوات الانكسار» هل سقوط فيلم واحد لها وسط مئات الأفلام التى تألقت فيها يحدث هذا الشرخ؟، هل انتهاء الارتباط بعبدالحليم حافظ وراء هذا الشرخ؟، هل ما فعله مخرج الفيلم المنحوس جعلها تسقط فى بحر الألم والضياع؟، لم يكن فى حياة سعاد حسنى صديق - رجل أو امرأة - يحذرها من نفسها ومن ردود فعلها. صحيح، كانت سعاد حسنى بنت الطبقة المتوسطة، بنت الخطاط الكبير وصعدت بموهبتها التى اكتشفها الكاتب عبدالرحمن الخميسى وصقلتها الأيام ولحسن الإمام الفضل فى إظهار «زوزو» أشهر أفلام جيلها باستثناء «أبى فوق الشجرة» ولكمال الشيخ الفضل فى إظهار «الفصام النفسى» فى «أين عقلى»، صحيح أن سعاد حسنى قطعة صلصال نادرة أمكن تشكيلها إلى عدة أنماط وشخصيات هى ذخيرة السينما المصرية فى جيلها، ولابد من الإشارة إلى أن سعاد حسنى، هذه الشخصية الفريدة لم يخلفها أحد على كرسى السينما ولا حتى من اقترب منها وكلها شخصيات حاولت، ولكن سعاد كانت الحاضرة الغائبة، كانت فنانة بنفس درجة جنون هذا الفتى «بليغ حمدى». زارها مرة وكنت هناك ورأيته يحكى لها عن مطلع غنوة تقول «أحلى من الحب مفيش» فاشترتها منه بـ400 جنيه، وقالت لى همسا «فى البيت 100 جنيه لغاية ما يوصلنى قسط الفيلم يعنى لحين ميسرة»، والغريب أنها احتفظت بها حتى يلحنها لها بليغ ولكن كان الإمساك ببليغ حمدى رهاناً على مستحيل. يجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى احترام سعاد حسنى لشقيقتها المطربة الكبيرة نجاة التى تعتبرها سعاد فى المرتبة الثانية وراء كوكب الشرق مباشرة وكانت سعاد تردد أنها ليست مطربة ولكنها مؤدية احتراماً لشقيقتها نجاة. لقد لعبت السيناريوهات العبثية كثيراً بحياة السندريلا واخترعت ألف حكاية عنها، ولم تشفق هذه السيناريوهات على لحظات انكسار فنانة أسعدت جماهيرها بالملايين ذات يوم وكانت مصرية للنخاع.
كم نحن قساة!! نقسو على الضحية ثم نبكيها ونتمنى لو كانت بيننا!! تلعب بها السيناريوهات التى تفوق الخيال، والواقع أننا فقدنا بعد فاتن حمامة وسعاد حسنى نصف السينما المصرية.
كان مورافيا يقول «طاردوا الموهوبين فى أحراشهم»! إنها مهمة الكشافين الذين يشمون رائحة الموهبة ويغامرون، ولكن مغامراتهم يعترف بها المجتمع وتحصد غلة. إن الكشافين ينحسرون ولكن لايزال هناك فى الدروب جمال لم نره وصوت لم نسمعه، هناك زهور تنتظر شعاعاً من شمس التقدير.. لتتفتح.
فى الشأن العام
1- تعرف من جديد على «جيرانك»، فربما دخل «الهوى السلفى» من الشباك ولم يخرج.
2- اقفل فمك عن الثرثرة أمام من لا تعرفه، عدونا ينقب من «أى معلومة».
3- لا نريد «زعماء» فى الإعلام، نريد «موصلين مهنيين» للحقيقة ليس إلا.
4- الميليشيات الإلكترونية تختبئ فى موبايلك «خد حذرك» هل تسمعنى؟.
نقلا عن المصري اليوم