التضييق على الكنائس
مقالات مختارة | د. عماد جاد
الاربعاء ١ نوفمبر ٢٠١٧
أصدر أسقف المنيا الأنبا مكاريوس بياناً يشكو فيه من حالة التضييق على الكنائس، وفى الوقت الذى حدث فيه تدخل رئاسى لإعادة فتح كنيستين أغلقتا بقرار أمنى، جرى بعد ذلك إغلاق ثلاث كنائس بقرارات أمنية، صحيح أن معظم هذه المبانى التى تستخدم ككنائس هى منازل تابعة لأقباط وليس لديها ترخيص ككنيسة، لكن الصحيح أيضاً أن أهل المنطقة من الأقباط يستخدمون المكان من أجل الصلاة والعبادة، ممارسة الطقوس المسيحية التى لا يجوز ممارستها إلا داخل الكنائس مثل طقوس العماد، الزواج، الصلاة على الموتى وغيرها من الطقوس المسيحية، وقد عانى الأقباط على مدار تاريخ طويل من التضييق فى عمليات بناء بل وإصلاح وترميم الكنائس، وإذا عدنا إلى القرن الماضى فقط نذكر الشروط العشرة المنسوبة لوكيل وزارة الداخلية، العزبى باشا، التى أصدرها عام 1934 ووضع فيها شروطاً تجعل من بناء كنيسة بمثابة العثور على طائر العنقاء الخرافى، وكان البناء والإصلاح حتى من خلال صفقة مع النظام الذى عادة ما يلجأ إلى الكنيسة طالباً المساندة أو الحصول على الأصوات أو مواجهة ضغوط خارجية تسعى لاستخدام ورقة حقوق الإنسان والحريات الدينية، فيحصل على شهادة من الكنيسة ويقدم فى سبيل ذلك حزمة من الكنائس ما بين بناء جديد وإصلاح وترميم قائم متهالك أو آيل للسقوط، واستمر الحال كذلك حتى ثورة الخامس والعشرين من يناير فكانت الفوضى وكان هدم وحرق الكنائس، وهو الأمر الذى اكتمل بجرائم الإخوان عقب فض رابعة، حيث أقدموا على حرق وتدمير ونهب قرابة مائة كنيسة ومدرسة تابعة لها وأديرة تاريخية، وعندما تسلم الرئيس عبدالفتاح السيسى موقعه تفاءل الأقباط بحدوث تغيير تاريخى فى الموقف من عملية بناء وإصلاح الكنائس لا سيما بعد المواقف التاريخية التى أقدم عليها الأقباط، والعبارة التاريخية التى أطلقها البابا تواضروس الثانى الذى قال «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن» وتحمل البابا والأقباط بكثير من الحزن والألم مشاهد تدمير وحرق الكنائس، من أجل الوطن أولاً وإدراكاً منهم أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سوف يعالج هذا الملف علاجاً جذرياً، وقد أوفى الرئيس بما وعد به من إصلاح وترميم الكنائس، حيث تكفلت الدولة بإعادة إعمار ما دمره وخربه الإرهاب، لكن مسألة العلاج الجذرى كانت مبالغة فى غير موضعها من جانب الأقباط، فالموقف من بناء وترميم الكنائس أبعد وأعقد من أن يعالج بقرار جمهورى، لأنه فى نظر مؤسسات الدولة المصرية مخالف للشرع الذى تتبناه، فقد جرى الترويج لقانون جديد لبناء وترميم الكنائس وهو القانون الذى صدر عن مجلس النواب العام الماضى، وهو متخم بالألغام هدفه الجوهرى تصعيب المسألة لا تسهيلها، شكلياً بات لدينا قانون جديد لبناء الكنائس وعملياً لا تزال شروط العزبى باشا العشرة تعمل على الأرض وتحول دون البناء أو الترميم والإصلاح، صدر قانون جديد لبناء الكنائس والخط الهمايونى الموروث من العهد العثمانى هو السائد والمسيطر، القضية ليست نصوصاً صماء، القضية تفاعل حى مع هذه النصوص والإيمان بها والرغبة فى تطبيقها لا أن تكون مجرد ذر للرماد فى العيون.
باختصار شديد، رحل نظام وجاء آخر كنا نظن أنه سيأتى بجديد فى الملف الدينى والطائفى، وجديد فى الموقف من بناء الكنائس، لكن حالة الصمت الرسمى من قبل الدولة المصرية، واستمرار البيروقراطية فى العمل وفق رؤية دينية متشددة، على نهج مؤسسات دولة السادات، يؤكد بوضوح أن لا نية من قبل الدولة فى الخروج على خط السادات، وعلى الأقباط أن يعرفوا ذلك ويتأملوا المشهد برمته ويقرروا ماذا هم فاعلون فى مواجهة هذه السياسات التمييزية التى لن تتغير بسهولة، بيان محافظ المنيا كاشف عن توجه دولة دينية واستمرار العمل وفقها ووفق تصوراتها ومنطلقاتها الدينية كفيل بتدمير هذا الوطن.
كلمة أخيرة: لم تعد لدى الكنيسة القدرة على ضبط الأقباط وتوجيههم!!!!!
نقلا عن الوطن