الأقباط متحدون - «إسلام حر» بحكم قضائي
  • ٠١:٠١
  • الاربعاء , ١ نوفمبر ٢٠١٧
English version

«إسلام حر» بحكم قضائي

مقالات مختارة | سحر الجعارة

٣٢: ٠٨ ص +02:00 EET

الاربعاء ١ نوفمبر ٢٠١٧

سحر الجعارة
سحر الجعارة

وحكمت محكمة القضاء الإدارى بإنصاف الباحث «إسلام بحيرى»، وقررت في حيثيات حكمها، (فى الدعوى المقامة من شيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب»، والتى يطالب فيها بوقف بث برنامج «مع إسلام»، الذي كان يقدمه الإعلامى «بحيرى» على فضائية «القاهرة والناس»، كما يطالب بمنعه من الظهور في الفضائيات، وحظر نشر حلقات البرنامج، وإلزام السلطات المعنية بذلك).. قررت المحكمة- في حكمها التاريخى- بعدم قبول طلب وقف قناة «القاهرة والناس»، كما قضت برفض طلب منع ظهور «إسلام البحيرى»، على القنوات الفضائية كافة، استنادًا إلى (حق المشاهد في انتقال الأفكار والمعلومات إليه واستقبال رسالة اتصالية تعددية، من خلال برامج متنوعة وإفساح المجال للتعبير عن الآراء وانتصارًا لحرية الفكر والتعبير، وأن لكل ذى حق إذا ما رأى أن ما يعرض عليه يمثل مخالفة أن يلجأ إلى الجهة الإدارية المختصة بطلب وقف ما يراه مخالفًا للنظام العام والآداب).

انتصر القضاء لحرية «الفكر والتعبير»، ولحق المشاهد في الإطلاع على «آراء تعددية».. ورغم ذلك التزمت هيئة المحكمة بعدم بث أو نشر برنامج «مع إسلام»، الذي كان يذاع على قناة «القاهرة والناس»، تأسيسًا على أن محتوى حلقات البرنامج كان محلًا لحكم جنائى بات، انتهى بثبوت تهمة «ازدراء الأديان» في حق «بحيرى»، ومن ثم أصبح ما أثبته الحكم الجنائى حقيقية ثابتة بما لا يدع مجالاً لإعادة بحثه.
وهى التهمة التي سُجن «بحيرى» بموجبها، وخرج بعفو رئاسى.

لكن المحكمة أكدت أنه (لا مساس بحرية الفكر والتعبير الذي تواترت عليه دساتير العالم المتحضر اليوم، مشددة على أنه ليس من حق السلطات التدخل في وسائل الإعلام المقروءة أو المشاهدة أو الرقمية، إلا في الحالات التي تمس كيان المجتمع بأثره، وحسب كل حالة على حدة، وفقًا لظروفها وملابساتها وتأثيرها على سكينة المجتمع وأمنه).. فهل يراجع شيخ الأزهر موقفه من كل الدعاوى التي رفعها ضد كتاب وصحفيين، هي في مضمونها مصادرة لحرية الفكر والتعبير، وانتهاكا صارخا للدستور ؟.. لا أعتقد.

لقد أنهت السعودية صلاحيات هيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، ومنذ عام 2016 أقر مجلس الوزراء السعودى تنظيما جديدا يحد من صلاحيات الهيئة، التي تمكنها من توقيف الأشخاص وملاحقتهم.. على خلفية انتقادات متزايدة للهيئة ودورها في تطبيق المعايير الشرعية في المملكة.. ولايزال الجدل محتدما في مجلس الشورى السعودى، لضم هيئة الأمر بالمعروف إلى وزارة الشؤون الإسلامية وإنهاء استقلال الهيئة، بينما نحن في مصر أصبح لدينا ألف هيئة وألف محتسب ومطوع، وأصبحت «كتائب الحسبة» تطارد المفكرين والكتاب والمبدعين، وكأن هناك «فيروسا» ينشط لمعاداة الفكر، حتى أصبحت الكتابة مثل «السير على حبل مكهرب»، وأصبحت كل الشخصيات التي ترتدى العمامة وتزعم أنها تحتكر الإسلام وتفسيره بل وتفرض تطبيقه، (وفقا لمنطقها وشريعتها الخاصة)، شخصيات «شبه مقدسة»!.

أصبح الاقتراب من فتاوى (نكاح المتوفية ووطء البهيمة وإرضاع الكبير) لغما ينفجر في وجوهننا، لأننا نستنكر أن يكون في الإسلام خزعبلات وانتهاك لحرمة الموتى كهذه، بينما هم يرون أنها نصوص ثابتة في «التراث» لا يجوز المساس بها!.

لم يكن «إسلام بحيرى» آخر ضحايا التعنت والتعصب، وحتى بعد أن قررت السعودية قصف «التراث» بتشكيل هيئة للتدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية (للقضاء على النصوص الكاذبة والمتطرف وأى نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب).. ستظل في مصر مؤسسات وكتائب حسبة نشطة لإرهاب المفكرين والمجددين.. والإبقاء على ما في التراث من أحاديث مكذوبة أو ضعيفة.. ينشرونها ليسود الجهل وتعم حالة «الدروشة الجماعية»!.

لقد كتبت هنا- من قبل- أن السجن لم يحن ظهر «إسلام بحيرى»، لم يهدر طموحه ولم يجبره على التخلى عن قضيته وهى «تنقية التراث».. وبالفعل خرج «بحيرى» من السجن أقوى وأكثر شجاعة على مواجهة خصومه.. لم يتراجع عن مواقفه وآرائه التي ألقت به في ظلام الزنازين.

قرر «بحيرى» أن يرفع راية «حريه الاجتهاد»، ولم يفقد إيمانه بصحه معتقداته وسلامة خطه الفكرى.. وجاءت السعودية لتقرر- من هناك- أنه كان محقا.. بعد أن سدد فاتورة أفكاره من حريته!.

ثم جاء حكم محكمة القضاء الإدارى ليؤكد أن الاجتهاد ليس جريمة، وأن «التراث»- ضمنيا- هو آراء لفقهاء هم بشر مثلنا يجوز أن نختلف معهم وحولهم وأن ننتقد تفسيراتهم ونراجعها مع الالتزام بأداب الحوار.

الحكم التاريخى للقضاء الإدارى هو إعلاء لقيمة الدستور والقانون.. وتكريس لمدنية الدولة.. تلك التي يريدها البعض دولة «دينية سلفية»، تكفر الأقباط وتعادى المرأة وتنشر الشذوذ الفكرى باسم الدين.

«اختلف».. و«اجتهد».. ففى مصر سيظل القضاء هو الحصن الأخير لحماية الحريات.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع