مكافحة الإرهاب ليست بالقطعة
مقالات مختارة | سليمان شفيق
الاربعاء ١ نوفمبر ٢٠١٧
تتحرك مجموعات مما يسمى «الخبراء الاستراتيجين»، بدون وعى لا للمتغيرات التى تجرى فى العالم، ولا لمدى استخدام الإعلام فى الصراع، خاصة بعد ثورة الاتصالات وظهور أنواع جديدة من الحروب مثل حروب الجيل الرابع والخامس.
تعود هؤلاء عدم الربط بين معركتنا مع الإرهاب خارجيا وداخليا، ويتعاملون مع المواقف بـ«القطعة»، ومن هذا المنطلق دعونا نربط بين ثلاثة معارك أساسية وهى معركة فرنسا من اليونسكو لزيارة الرئيس، ومعركة الواحات من الكيلو 135 لأسيوط وأخيرا وليس آخر معركة الفتنة الطائفية بالمنيا.
كل ذلك ترتب بعد نجاح المخابرات المصرية، وفق تصريحات الفلسطينين، بقيادة معركة ناجحة أدت إلى تحقيق السلام الفلسطينى/ الفلسطينى بين السلطة وحماس من جهة وبداية رؤية جديدة لعملية السلام من جهة أخرى، وعلى الصعيد السورى حققت مصر نجاحا كاد أن يكون مستحيلا فى المسار السورى بين فصائل المعارضة السورية وبين النظام وتلك الفصائل، وشهدت بذلك الدول الكبرى مثل أمريكا وروسيا وفرنسا، ومن الدول المعنية بالصراع مثل العربية السعودية، كما امتد النجاح إلى عدم إثارة موضوع إبعاد بشار الأسد فى المرحلة الانتقالية.
من اليونسكو لزيارة الرئيس لفرنسا: كلنا تابعنا معركة تكسير العظام من قطر مع مصر فى انتخابات اليونسكو، وكيف كاد المال القطرى أن يتجاوز كل خبرات الخارجية المصرية، ولكن الهجوم المضاد الذى حدث من نتائج زيارة الرئيس، وما حققته من نتائج إيجابية ملموسة على كل الأصعدة الدبلوماسية والاقتصادية والتسليح ومكافحة الإرهاب أحبطت المخططات القطرية التركية الإخوانية، كما تابعنا كيف حاول الإعلام خاصة الغربى إحراج الرئيس أو إثارة المنظمات العاملة فى حقوق الإنسان على الوضع فى مصر، ولكن خبرة مؤسسة الرئاسة والرئيس استطاعا تجاوز هذه المسألة.
بعد الفشل الخارجى والهجوم المضاد من الواحات لأسيوط، انتقل الطابور الخامس إلى المنيا، لاستثمار معاناة الأقباط وعدم امتلاك بعض أجهزة الأمن الرؤية الصحيحة للتعامل مع الطابور الخامس، وانتقلت كرة اللهب من مكان لآخر:
1 - قرية الشيخ علاء أو عزبة الدهب وتبعد عدة كيلو مترات عن المنيا، اتخذت فيها المطرانية منزلا لإقامة الشعائر، ولكن المتشددين هاجموه 2015 ولم يقبض على أحد منهم رغم أنهم معروفون، وفى هذا الشهر أعاد الأقباط فتح المكان، ولكن فى عصر الأحد 15 أكتوبر جاء المتشددون السلفيون وتحرشوا بالمكان فما كان من الأمن سوى إغلاق المكان، ولم يسمح بالبقاء فى المكان سوى للكاهن ومعه شخصين ومازال هذا الوضع حتى عصر الجمعة الماضية.
2 - قرية القشيرى التابعة لمركز أبوقرقاص يسكنها حوالى 800 قبطى، بها مكان مقام من 2015 وبه حضانة، وفى الأحد الماضى حينما صلى الكاهن مع الأطفال قام المتطرفون بقذف المكان بالحجارة، وأصابوا أربعة مازالوا قيد العلاج، ولم يتم القبض على أحد رغم أنهم معروفون لدى الجميع، وحجة الأمن إغلاق المكان الحفاظ على الأرواح. وعاد بعض النواب بالضغط على الأقباط للجلوس فى «حل عرفى» للتنازل عن المنزل، للأسف، تم ذلك رغم أنه تكرر منذ ثلاثة سنوات فى قرية عرب أسمنت ولم يفتح المكان للصلاة حتى الآن.
3. فى الجمعة 27 أكتوبر بعد الصلاة قام متشددون بالهجوم على كنيسة فى عزبة زكريا بمركز المنيا، وقاموا برشق منازل ومحلات الأقباط بالحجارة، مما أدى إلى إصابة سيدة فى رأسها.
الغريب أن معظم المعتدين تكررت منهم مثل هذه الأفعال منذ 2014 وحتى الآن دون أى ردع قانونى، الأمر أعمق من أن نطلق عليه «فتنة طائفية»، ونلجأ للحلول العرفية البغيضة التى تعنى لدى المتشددين والمجرمين أن الدولة ضعيفة أمامهم، نحن أمام عمل ممنهج منذ أن انتخب الرئيس السيسى وحتى الآن وفى 23 قرية بالمنيا تتكرر نفس الأحداث، كلما سافر الرئيس للخارج وحقق نجاحات، وللأسف فى المنيا «التكرار لا يتعلم منه الشطار»، بل على العكس نفس السيناريو استغاثة الأقباط بصناع القرار فى القاهرة وتدخل الرئيس، كما حدث فى تعرية سيدة الكرم أو فتح كنيستى قريتى الفرن وكدوان، وبعدها تهدأ الأمور ثم تعاود من جديد من نفس الشخصيات وبنفس المنهج، بل وهناك مستفيدون من تلك الأحداث والنفخ فيها، ورأينا وكالات إعلامية دولية تقع فى أكاذيب مثلا فى عدد شهداء الواحات، وأيضا نشر ما حدث فى المنيا على أنه تواطؤ من الأمن، والغريب أن الشرطة تدفع المئات من الشهداء والجرحى، وتخوض حربا ضد الإرهاب، ولكن هناك رؤية قاصرة للعلاج بالتجزئة ما بين الحروب الخارجية والداخلية، لقد قمنا مع الباحث إسحاق إبراهيم بعمل دراسة عن التطرف فى المنيا، ولم يلتفت إليها أحد، كما ربطت أكثر من عشر مرات بين إثارة الإرهاب فى إلمنيا وفاعليات الرئيس، وأعتقد أن المشكلة ستزداد مع اقتراب انتخابات الرئاسة والهدف إخراج الأقباط من حلف 30 يونيو، بل إحساسهم بأنهم يدفعون ثمن مواقفهم الوطنية ومؤازرتهم للرئيس، تساؤلات كثيرة مشروعة وغير مشروعة تطرح لأن الوضع ينبئ بالخطر، وهل يكفى ذلك لكى نعرف أين الخلل وإن انتصرنا بالسلاح فإن الطابور الخامس أقوى، وهل يدرك صانعو القرار أن المعركة الخارجية تمكنا منها، ولكن المعارك الداخلية تحتاج إعادة قراءة للكثير من الأحداث التى مرت علينا خلال الفترة الماضية، وقبل فوات الأوان.
نقلا عن اليوم السابع