وعد بلفور.. مع كل الفخر
مقالات مختارة | بقلم :سوزان حرفي
٢٦:
٠٤
م +02:00 EET
الخميس ٢ نوفمبر ٢٠١٧
مائة عام مرت على ما تمت تسميته فى التاريخ العربى «وعد بلفور»، الوعد الذى حمله خطاب وجهه وزير خارجية بريطانيا «آرثر بلفور» للبارون «روتشيلد» فى 2 نوفمبر 1917، وأبلغه فيه بموافقة حكومة جلالة الملك وتعاطفها مع طموحات اليهود الصهاينة لتأسيس وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين، وكانت الحكومة برئاسة «لويد جورج» قد اجتمعت فى لندن قبلها بيومين للبحث فى الموافقة على طلب بهذا الشأن، وكان يقف بالخارج زعيم الاتحاد الصهيونى «حاييم وايزمان» عندما خرج عليه «مارك سايكس» مبشرا بالقول «دكتور وايزمان.. المولود ذكر».
عشرة عقود مرت على إعلان «ميلاد دولة» قبل إنشائها بثلاثين عاما، ميلاد جاء بقرار من أكبر إمبراطورية استعمارية آنذاك، قرار أيدته كل من أمريكا وفرنسا وإيطاليا واليابان، وأقره «المجلس الأعلى لقوات الحلفاء» فى مؤتمر «سان ريمو» عام 1920، ثم جاءت «عصبة الأمم»، المنوط بها دعم السلام والدفاع عن حقوق الشعوب، لتدعمه بإقرارها مشروع الانتداب البريطانى على فلسطين، والذى تضمن فى مادته الثانية «تنفيذ وعد بلفور».
قرن من الزمان مر على ما قال عنه العرب «وعد مَن لا يملك لمن لا يستحق»، لكن الوقائع على الأرض سارت باتجاه الوعد، وها هى رئيسة وزراء بريطانيا «تيريزا ماى» تعلن عن فخرها بالدور الذى لعبته بلادها فى إقامة دولة «إسرائيل»، وتؤكد أنها ستحتفل بالذكرى المئوية لهذا الوعد بكل «الفخر».. صَمَّت «ماى» آذانها عن الأصوات المطالبة حكومتها بالاعتذار عن هذا الوعد، وما نشأ عنه من كيان استعمارى استيطانى غاشم، كما غضّت طرفها عما عاناه وتعانيه شعوب المنطقة جراء هذا الكيان. واكتفت بالحديث عن ضرورة «فهم الشعور الموجود لدى بعض الناس بسبب وعد بلفور»، وهو استمرار لنفس ما جاء فى نص سلفها بأن هذا الوعد لا يعنى القيام بأى شىء «يمس الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى التى تعيش فى فلسطين»!، لكن «ماى» لم تخطئ فيما ذهبت إليه، فهى تحتفل بنجاح بلادها فى السير نحو ما تريد تحقيقه، فى حين أخطأ قادة العرب الخطيئة تلو الأخرى، وصولا لما هو أبعد من «الكبائر» عندما لم يفعلوا بالمثل.
أخطأ العرب عندما قبلوا أن يكونوا مفعولا به لا فاعلا، أخطأوا عندما تحولت قضية «فلسطين» وجرحها النازف إلى تكأة يسندون عليها ديكتاتورياتهم وتفردهم بالسلطة، أخطأوا عندما تجاهلوا اتخاذ قرار بتحريرها ثم تركوها وأهلها فريسة للاستعمار، أخطأوا عندما لم يسعوا لبناء دول حديثة تحترم مواطنيها، وأخطأوا عندما سلموا مواردهم وإمكاناتهم وقرارهم راضين للغرب الطامع، وها هى الأعوام والعقود تمر لتتحول «إسرائيل» إلى كعبة للمسؤولين العرب، وتصبح الصديق فى مواجهة «إيران» العدو.
فبأى وجه يطلب العرب من بريطانيا الاعتذار عن «وعد» يتسابقون هم الآن للاعتراف بما أنتجه على الأرض، ويتبارون لترسيخ ما سعت الإمبريالية العالمية لتحقيقه، فأَولَى بقادة العرب أن يقوموا هم بتقديم الاعتذار أمام شعوبهم وأمام التاريخ وأمام ضمائرهم، إن كان تبقى لديهم شىء من ضمير.