الجلسات العرفية.. الصلح كله ليس خيراً
مقالات مختارة | عادل نعمان
الجمعة ٣ نوفمبر ٢٠١٧
الخير فى الحق والعدل، والشر فى الاضطهاد والإكراه، والجلسات العرفية فى دولة المنيا وغيرها بين المسلمين والمسيحيين ليست إلى الخير والعدل تسير، بل إلى الظلم والقهر تسعى، وإلى التسلط والتعسف تطير، ولا يقبل بها إلا مسالم أو مقهور أو صاغر أو مقتول، ولا ترضى بها إلا دولة باهتة سقيمة، حائرة بين مسجد وكنيسة، تغازل من يكرهها ويكفّرها، وتنسى اللى فاكرها!! فأين الخير فى هذا؟ تغلق الكنائس بجلسات عرفية وهى بيوت الله التى يُذكر فيها اسمه، ويُهجّر الناس ويُقتلعون من بيوتهم عنوة وقهراً، ويحال بينهم وبين صلواتهم فى بيوتهم إلا بترخيص، وتُغلق أبواب الرزق على بطون خاوية، وتشترون رضا السلفية والبلطجية على حساب العدل والحق والمواطنة ودين الله. فبأى حديث تؤمنون وتكذبون وتظلمون؟
ليس لكل مصرى الحق فى إقامة شعائره الدينية يا محافظ المنيا، كما جاء فى بيانك السقيم، ولديك من يُحرمون من أداء صلواتهم فى محافظتك، ومحافظات أخرى، فلا تقرر ما ليس لك به علم، فإذا كان بيانك قد استهجنته وخاصمته وأنفته، فهل للشجاعة والبسالة والحماسة فى قطع التيار عن الكنائس المخالفة من سبيل على الزوايا والمساجد المنتشرة والمخالفة فى طول محافظتك وعرضها، وهى بالمئات؟ أعدك، لن ترى ما رأيته من هؤلاء المظلومين، ولن تسمع ما سمعته من المقهورين، وسترى بعينيك جحافل البلطجية يدافعون عن دين الله، وحشود الذين لم يركعوا ولم يعتادوا المساجد يوماً يرفعون راية الإسلام ضد المؤامرة على الإسلام والمسلمين، وسترى الفارق واضحاً بين من يحافظ ويصون وطنه بلا كنيسة، وآخر لا يهمه سوى مسجد أو زاوية بلا وطن.
أضحكتنى يا رجل، ضحك البلهاء، وبحثت وفتشت عن هذا المتشدد المسيحى الذى لن تسمح له أن يفرض إرادته على الدولة، فإذا كان عندك أحدهم هاته نذبحه ذبح الإبل.. حرام عليك والله أن تساوى بين الظالم والمظلوم، وبين القاهر والمقهور، وبين الكاسر والمكسور، وبين المتغطرس والمسالم والمستكين. فإذا كنت تبحث عن القوى المتشددة التى تفرض إرادتها على أجهزة الدولة فعليك بغيرهم، وفتش عن السلفيين ومن يؤازرهم ويساعدهم فى أجهزة الدولة وأروقتها ومجالسها ومراكزها وأقسامها وأحيائها.. نحن كل المتشددين والمتطرفين والطغاة، نحن كل المتغطرسين والمتسلطين والبغاة. إذا كنت تريد الحقيقة وتتوق للعدل، ضع سوراً وسياجاً حول الوطن، واحبسه، ولا تفرج عنه إلا بعد رد المظالم إلى أهلها.
هذه الجلسات العرفية، يا دولة القانون والدستور، نظام قبلى وعشائرى، وليس نظام دولة تبسط سلطانها على القوى قبل الضعيف، وتأخذ الحق للضعيف من القوى، ولا تتنازل عن حقها حتى لو قبل المظلوم ورضى، فلا يستمرئ الظالم ظلمه، ولا يستطيب المتكبر كبره، ولا يألف الناس الجور ويعتادونه، ولا يرضى ولا يقبل المظلوم بقضاء من ظلمه وجار عليه. هذه المجالس العرفية، يا دولة العدل والحق، فقدت أهم شروطها وهو مبدأ القبول والرفض المتساوى والمتعادل بين الخصوم، فهو مقبول من طرف ومرفوض من طرف آخر، فيقبل الضعيف ويرفض القوى، خصم جائر يجهز شروطه وقراراته، وخصم يذعن ويقبل ويرضى دون مناقشة أو مراجعة، خصم ينتهك الدستور والقانون والأعراف، ويملى مشيئته، وخصم يرضخ ويستسلم ويستكين، فيتنازل عن حقوقه القانونية جرّاء الاعتداء والنهب والسلب، ويُمنع من ممارسة شعائره الدينية، ويوقف العمل فى الكنائس والمنازل، وتُهجّر أسر بأكملها من بيوتها، وتُغلق المحلات ويُهجّر أصحابها «فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا» وسموا الأمور بمسمياتها، فليست مجالس عرفية، بل مجالس إذعان وإملاء شروط ظالمة على خصم مكسور، واستضعاف أصحاب الحق والاستقواء عليهم، وهذا لا يُرضى الله ولا العالمين.
هذه المجالس العرفية، يا دولة التاريخ والحضارة والأعراف الثابتة الراسخة، قد أعطت التمييز الطائفى حصانة شعبية، ونال استعلاء المسلمين على المسيحيين قبولاً اجتماعياً، وقدمت لاستقواء المسلمين على المسيحيين سنداً يفرضه الواقع على الجميع دون النظر إلى قيم العدل والرحمة، كلها مفردات أصبحت مقبولة وميسّرة وميسورة، وغالبة على المجالس العرفية، وتقهر القانون وتهزمه، وتجد قبولاً من طرف ورضوخاً واستسلاماً من الآخر. ولقد استقر فى ضمير الأمة هذا التمييز، فتراه فى عيون المسلم حين يتعامل مع المسيحى، وفى عيون مسيحية تتلفت حولها باحثة عن لحظة قرب فى عيون قد جفاها الود والحنين والقبول. هذا هو الخطر المقبل، والخوف كل الخوف أن يستقر هذا الظلم فى وجدان الظالم والمظلوم، ويصبح سلوكاً عاماً ينتهجه الشباب حتى تصبح دولتنا دولة التمييز والعنصرية، إن لم يكن قد أصدروا له شهادة ميلاد من زمن. أفيقوا قبل فوات الأوان، وقبل أن تصنَّف الدولة المصرية بالعنصرية، وهى أردأ أنواع الأمم.
يا دولة البناء والتعمير والمقاولات وبيع الأراضى، من هنا تبدأ الدولة، وهيبة القانون، واستقرار دعائم الحكم والعدالة والمساواة والمواطنة.
نقلا عن الوطن