مأساة صدام حسين (40)
مقالات مختارة | بقلم :مراد وهبة
٤٩:
٠٩
م +02:00 EET
السبت ٤ نوفمبر ٢٠١٧
فى عام 1990 شاركت فى صياغة ورقة عمل خاصة بمجلة «المنار» القاهرية- بحكم أننى من كُتاب هذه المجلة- تحت عنوان «مستقبل الأمة العربية فى عالم متغير.. نحو مشروع حضارى جديد»، لعرضها على اللجنة التحضيرية للمؤتمر الفكرى العربى المزمع عقده فى بغداد فى الفترة من 4 إلى 8 يونيو 1990. وهى مكونة من خمسة محاور:
المحور الأول: انهيار الكتلة الشيوعية ونهاية الماركسية اللينينية وتأثيرها على الوطن العربى.
المحور الثانى: الانتفاضة الفلسطينية والدور الجديد لكل من إيران وتركيا وباكستان وإثيوبيا.
المحور الثالث: رؤية نقدية للقومية العربية والاشتراكية والأصولية والليبرالية.
المحور الرابع: الغرب بين التراث والثورة العلمية والتكنولوجية وتأثيرهما على مفهوم السيادة الوطنية والقومية.
المحور الخامس: الإبداع الحضارى العربى الجديد من أجل الانفتاح على الحضارة الإنسانية.
ارتحلنا إلى بغداد لمناقشة هذه المحاور مع مستشارى الرئيس صدام حسين فى 8 يونيو 1990 وكان من بين المستشارين الياس فرح المنظر لحزب البعث العراقى.
فى بداية الندوة تقدمت باقتراح وهو أن يكون للمشروع الحضارى العربى الجديد ركيزتان: العلمانية والتنوير من أجل تغيير الذهنية العربية من حيث هى ذهنية أصولية ترفض إعمال العقل. وهنا تحفظ مستشارو الرئيس صدام حسين على هذا الاقتراح لأنه ينطوى على تحجيم التيار القومى. وكان ردى على هذا التحفظ بأنه فى ضوء ظاهرة الكوكبية التى تعنى موت المسافة مكانياً وزمانياً يمتنع بزوغ قوميات معادية لقوميات أخرى، وبوجه خاص عندما تكون منغلقة. وقد حاول المستشار الصحفى لصدام حسين محسن خليل إقناعى بغير ذلك، ولكن الحوار معه ترك الباب مفتوحاً للقاءات أخرى. وقبيل السفر إلى القاهرة أخبرته بأننى أنوى كتابة مقال عنوانه الرئيسى «حوار بين صدام حسين والخمينى» وعنوانه الفرعى «حوار بين علمانى وأصولى» وهو حوار متخيل. ثم طلبت منه أن يعرض هذه الفكرة على الرئيس إذا وافق فبها ونعمت وإذا لم يوافق فكأن شيئاً لم يكن. وفى صباح اليوم التالى تسلمت من رئاسة الجمهورية مؤلفات الرئيس وهى تتجاوز الثلاثين. ومعنى ذلك الموافقة، وإثر وصولى إلى القاهرة بدأت فى قراءاتها لإعداد المقال إلا أننى توقفت بعد ذلك لطارئ حدث. ما هو؟ كنت مدعواً للاحتفال بثورة 14 يوليو إلا أن الاحتفال ألغى فجأة فألغيت الدعوة. لماذا؟ لأن اجتماعاً مفاجئاً تم بين صدام حسين ووفد من ممثلى جماعة الإخوان المسلمين المصرية تم فيه الاتفاق على توحيد هوية النضال بأن تكون هوية عربية إسلامية. أما إذا حدث صدام بين العروبة والإسلام فالاختيار لن يكون إلا للإسلام. وعندئذ قال أحمد سيف الإسلام: « نفديك بأرواحنا» فرد الرئيس قائلاً: إن الإخوان هم درع الأمة وإن دعوتهم هى أمانة فى عنق كل مسلم.
وفى 2 أغسطس 1990 غزا صدام حسين الكويت ثم أُعدم فى 12/30 /2006. وفى عام 2017 صُنف الإخوان على أنهم منظمة إرهابية من قِبل الرباعية العربية ثم توارت القومية العربية ومعها دخلت القضية الفلسطينية فى أزمة هوية وصُنفت الأصولية الإسلامية بأنها إرهابية من قبل ترامب.
هذه هى مأساة الرئيس صدام حسين كما شاهدتها.
نقلا عن الوطن