الأقباط متحدون - طبيب أسنان حلاق صحة
  • ١٩:١٦
  • الاثنين , ٦ نوفمبر ٢٠١٧
English version

طبيب أسنان حلاق صحة

فاروق عطية

مساحة رأي

٥٦: ٠٥ م +02:00 EET

الاثنين ٦ نوفمبر ٢٠١٧

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

فاروق عطية
    ومرت الأيام انتهينا من المرحلة الثانوية، انتهينا من الامتحانات ومعاناتها وانتظرنا طويلا ظهور النتائج التي أُعلنت في منتصف شهر أغسطس، انتهت والحمد لله بالنجاح وكان بنسبة 79,9% . شُغلنا بملئ استمارات مكتب التنسيق الذي ابتدعتة قيادة العهد الجديد لتحقيق رغبات الناجحين وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بينهم لدخول ما يرغبون من الكليات. كانت علي أيامنا نسب النجاج أقصاها لا يزيد عن 85% ويحتسب الناجح متفوقا بالحصول علي 75% فأكثر ويحصل المتفوقون علي مجانية الدراسة الجامعية في السنة الأولي وتستمر مجانيته طوال سنوات الدراسة طالما نجاحه لا يقل عن تقدير جيد علي الأقل ويفقدها إذا انخفض تقديره عن ذلك، ويمنح أيضا راتب شهري قدره 4 جنيهات للحاصلين علي 75-80%، 6 جميهات للحاصلين علي 80-85%، 8 جنيهات لما فوق الـ85%. لم تك الدراسة مجانية كما هو الحال الآن، كانت مصاريف الدراسة بالكليات النظرية 12 جنيها لكل عام دراسي، والكليات العملية16 جنيها إضافة لتأمين المعامل (4 جنيهات)، وكان هذا المبلغ يعد كبيرا في تلك الأيام.

   كان بمصر في ذلك الوقت ثلاث جامعات، أقدمها جامعة القاهرة (فؤاد الأول سابقا) ومقرها الجيزة، يليها قِدما جامعة الإسكندرية (فاروق الأول سابقا) ومقرها الإسكندرية، وأحدثها جامعة عين شمس (إبراهيم باشا سابقا) ومقرها حي  العباسية بالقاهرة، ثم أُنشئت جامعة أسيوط بمدينة أسيوط بعد دخولي الجامعة بعامين، وتعتبر جامعة أسيوط أول جامعة أُنشئت في العهد الجديد (1959).

   بدأت الدراسة بكلية طب أسنان جامعة القاهرة (العام الدراسي 56/ 1957)، وبعد حوالي شهر من الدراسة عدت إلي أسرتي لقضاء بضعة أيام، وحين التقيت ببعض الأصدقاء وسألوني عن الكلية التي التحقت بها، وحين علموا أنها كلية طب أسنان أوسعوني تريقة وتنكيت وقال أحدهم ضاحكا: نحجز لك الدكان المجاور لدكانة الأسطي سيد حلاق الصحة، وأردف آخر: الأحسن يساعد الأسطي سيد ويوفر أجرة المحل. كان في تلك الأيام خاصة في مدن الصعيد الجواني بعض الحلاقين المدربون يقومون بخلع الأسنان لمن تلفت أسنانه كما يقومون بتضميد الجروج البسيطة ويسمون حلاقى صحة، ولم يك هناك تواجد لطبيب الأسنان من أساسه بتلك المدن.

   حز في نفسي كثيرا ما سمعته من الأصدقاء، وقررت ألا أستمر في دراسة طب الأسنان وقررت الانتقال لكلية العلوم، وكان هذا القرار الخاطئ ثاني قرار أندم علي اتخاذه حيث لا ينفع الندم. ولم يك هناك مجال بكلية العلوم جامعة القاهرة فالتحقت بكلية العلوم جامعة عين شمس قسم الجيولوجيا، وفي هذا القسم إخترت دراسة علوم الكيمياء والحيوان والنبات بجوار علم الجيولوجيا.

   وحيث أنني بداية التحقت بكلية طب الأسنان فقد أجرت شقة سكنية من غرفتين للنوم بالجيزة مشاركة مع طالب بكلية أصول الدين إسمه علي سلامة قريب لصديقين حميمين تعرفت بهما فور قدومي للبحث عن سكن. كانت الشقة في منزل الحاجة رخيصة بشارع أبو هريرة المتفرع من شارع المأمون، ولتلك الحقبة قصة أخري.

   وعندما تحولت إلي كلية العلوم جامعة عين شمس، كنت استقل أوتوبيس رقم 24 من محطة قطار الجيزة إلي ميدان العباسية (شركة أوتوبيسات أبو رجيلة)، في ذلك الوقت كانت تقوم الفتيات مرتديات لبس خاص (يونيفورم رمادي وكاب رمادي) بوظيفة المحصّل (الكمساري)، وكانت التذكرة من الجيزة حتي باب الحديد (ميدان رمسيس) بقرش واحد، ولنهاية الخط (ميدان العباسية) بقرش ونصف قرش ( ثلاثة تعريفة).

   في الأيام الأولي لالتحاقي بكلية العلوم حدث لي حادثين لا يمكن نسيانهما. الحدث الأول كان في اليوم الأول من التحاقي بالكلية. كان من عادتي وضع العملات المعدنية في جيب صغير في الجهة اليمني لبنطالي والعملات الورقية في حافظة بالجيب الخلفي للبنطال. قبل خروجي تحسست الجيب الأمامي فوجدته عامرا بالعملات. ارتقيت الأوتوبيس إلي العباسية، وفي الكلية ذهبت للبوفيه بين المحاضرات وأكلت سندوتش وشربت الشاي بكل ما كان معي من عملات معدنية. وبعد انتهاء اليوم الدراسي "محاضرات ومعامل" الساعة السابعة مساءا ذهبت لميدان العباسية لركوب الأوتوبيس والعودة للجيزة، وقبل تحرك الحافلة صاحت المحصّلة: تذاكر، تحسست جيبي الخلفي فلم أجد الحافظة، ايقنت أن لصا قد نشلها وأسقط في يدي، وهرولت خارجا من الحافلة قبل تحركها واضطررت للعودة سيرا من العباسية حتي الجيزة، من ميدان العباسية حتي ميدان العتبة، ومن ميدان العتبة لميدان التحرير، ومن ميدان التحرير إلي المنيل، وعبرت كوبري عباس إلي الحيزة، حتي وصلت لمسكني منهكا، قطعت تلك المسافة في أربع ساعات كاملة. ووجدت حافظتي علي مكتبي، ومن يومها تعودت ألتأكد من وجود حافظتي معي قبيل الخروج.

   الحدث الآخر كان في اليوم الثاني، بعد انتهاء المحاضرات كانت لدينا ساعة للغذاء بعدها تبدأ الدراسة العملية بالمعامل. في طريقي للبوفيه لتناول بعض الستدوتشات رأيت أمامي شخصا يحملق في وجهي وعلي وجهه علامات الحنق والعدوان، تذكّرته هو أحد طلبة مدرسة قنا الثانوية الذين اعتدوا علينا علي المحطة ونحن في طريقنا لمعسكر المكس. أيقنت أنه سوف يبادرني بالعدوان، وبدون تفكير انقضضت عليه ولكمته عدة لكمات استقبلها بضحكة هستيرية متواصلة أيقظتني من نومي وأنا في شدة الخجل..!!   

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع