الأقباط متحدون - الكُتَّاب بين الطَّهارة والدَّعارة!
  • ١٤:١٥
  • الاثنين , ٦ نوفمبر ٢٠١٧
English version

الكُتَّاب بين الطَّهارة والدَّعارة!

مقالات مختارة | بقلم : عادل حمودة

٤٢: ٠٧ م +02:00 EET

الاثنين ٦ نوفمبر ٢٠١٧

عادل حمودة
عادل حمودة

 

شغل نزار قبانى نفسه كثيرًا بالانفصام الحادِّ بين «رومانسية الشُّعراء» التى تتفجر بها قصائدهم، والتَّصرفات البوهيمية الهمجية التى تصدر عنهم، وبين سلوكهم على الورق وسلوكهم فى الحياة، وبين حقيقتهم الشِّعرية وحقيقتهم البشرية.

 
وسمعت منه أكثر من مرَّة -على عشاء فى لندن أو على مقهى فى مونت كارلو- أن التَّطابق بين الكاتب وكتابته شىء فى منتهى الأهمية، إذ لا يمكن أن يكون حمامةً فى النَّهار وذئبًا فى الليل، ولا يستطيع أن يلعب دور «الدكتور جيكل» على دفاتره ودور «مستر هايد» فى علاقاته العامَّة.
 
وذات مساء كُنَّا نستعرض معًا الحياة الخاصَّة لكُتَّاب وشعراء عرفناهم عن قرب، فإذا به يضيف غاضبًا: «أنا لا أفهم كيف يمكن لواحد منهم أن يتحدث عن المُثل العليا ولا يُطبِّقها، أو أن يتغنَّى بالجمال ونفسه مسكونة بالبشاعة، أو أن يكتب عن الطَّهارة وحياته غارقة فى الدَّعارة.
 
وكان نزار قبانى قد سبق أن كتب رافضًا أن يكون للكلمة وجهان: وجه باطنى ووجه مكشوف، أو أن يمتلك الكاتب بدلتين: واحدة للشغل وأخرى للمناسبات.
 
«وحين يعجز الكاتب أو الشَّاعر عن إقامة التَّوزان بين فَنِّه وموقفه من العالم فإن عليه أن ينسحب من جزيرة الإبداع فورًا.. وهذا ما فعله الشَّاعر الفرنسى آرثر رامبو حين وجد أن تجارة الرَّقيق التى امتهنها تتنافى مع أخلاق الشِّعر فتوقَّف نهائيًّا عن الكتابة».
 
وقد أتاح عملى الصَّحفى المُمتد إلى ما يقرب من خمسين عامًا أن أقترب من غالبية نجوم الكتابة الرِّوائية والشِّعرية، وأعيش عن قرب منهم، وأشهد على كثير من تصرفاتهم الشَّخصية.
 
رأيتُ صحفيًّا شيوعيًّا شهيرًا يركب المرسيدس، ويُروِّج بقلمه لتاجر ملابس مستعملة يدخلها بدعوى توزيعها على الفقراء ثم يبيعها بأغلى الأسعار.
 
وشهدتُ صراعًا بين اثنين من الكُتَّاب المعارضين على فتاة تدخل الصَّحيفة التى ينشران فيها مقالاتهما، وعندما فشلا فى الوصول إليها اتَّفقا عليها، وراحا يُشهِّران بها، ويُشككان فى أخلاقها، حتى هربت من المكان، بل وهربت من الصَّحافة كلها.
 
ويوم وفاة عبدالناصر تجرأتْ زوجة صحفى وروائى شهير سبق أن تولَّى رئاسة تحرير أكثر من صحيفة وتوجهت إلى العمارة التى يستأجر فيها جرسونته،وعندما أنكر «البواب» معرفته به قالت الزَّوجة: «اطلع قوله الرئيس مات»، وعادت إلى سيارتها لتجلس فيها، ولم تمر سوى عدة دقائق حتى وجدته ينزل مهرولاً ومعه فتاة فى عمر ابنته.
 
لكنَّ أسوأ ما عرفت شابٌّ بدأ حياته تحت يَدىَّ مُتدربًا، وجرَّب كثيرًا من فنون المهنة مثل الكتابة والتَّصوير والرَّسم، وفشل، وبعد أن اختفى شهورًا وجدناه خارج مصر يعمل فى هيئة إعلامية أوروبية لها سمعتها العريقة ومصداقيتها العالية، وجاء ليزورنى متباهيًا بما حقق.
 
كان يبدو فى أعين الناس ذكيًّا ورقيقًا وبريئًا، فقبلت صحفية من جيله الزَّواج به، وعاشا معًا حيث يعمل، وأنجبا ثلاثة أولاد، وبتراكم المشاكل المالية أنفقت الزَّوجة ميراثها من أبيها، وباعت مجوهراتها التى انتقلت إليها من أُمِّها، وتنازلت عن كلِّ ما يمت للرفاهية بصلة.
 
على أنه ما إن فتح الله على الزَّوج حتى أعطاها هى وأولادهما ظهره، فطلَّقها لتجد نفسها وحيدةً فى بلاد غريبة وبلا وظيفة، ودون أن تكفى نفقة أطفالها التى أقرَّتها المحكمة إلا للحليب والخبز والسَّكن.
 
وطوال سبع سنوات لم يفكر فى رؤية أولاده، ولا فى أن يسمع صوتهم ولو فى المناسبات، بل شكَّك فى أخلاق زوجته حتى يُبرِّر للنَّاس من حوله ما يفعل.
 
وذات صباح وجدتُ عمودًا باسمه وصورته فى صحيفة يومية، ورُحت أقرأ ما يكتب.. أسلوب مُمل، وحكايات ساذجة، ومعلومات مُلفقة، لكن ما أثار دهشتىأنه كان لا يكفُّ عن رواية حكايات أبناء أصدقائه، وكيف يساهم فى تنمية عقولهم فى زمن الكمبيوتر والإنترنت والسوشيال ميديا، فى محاولة منه لشدِّ الأجيال الجديدة إلى مقالاته.
 
لم أجد نموذجًا صارخًا مثله، فهو ينكر أولاده، ويطعن فى نسبهم، ويسعى جاهدًا للقضاء عليهم، وفى الوقت نفسه يُقدِّم نفسه إلى المجتمع عبر مقالاته بأنه واحة الطُّفولة السَّعيدة.
 
والنَّتيجة؟
نقلا عن 7 ايام
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع