الأقباط متحدون - عن أي شباب تتحدثون؟
  • ١٢:٠٥
  • الثلاثاء , ٧ نوفمبر ٢٠١٧
English version

عن أي شباب تتحدثون؟

مقالات مختارة | بقلم : مي عزام

٢٧: ٠٢ م +02:00 EET

الثلاثاء ٧ نوفمبر ٢٠١٧

مي عزام
مي عزام

 (1)

 
المنطقة العربية تتسارع الأحداث فيها بسرعة يصعب ملاحقتها، وفهمها وتحليلها، وكأنها في سباق مع الزمن للصعود إلى الهاوية.. والمدهش أنه رغم هذا التسارع، قادتها يتعاملون مع شعوبهم بأسلوب القرن التاسع عشر، على اعتبار أنهم رعايا ينتظرون العطف من ولى النعم الذي في يده أمور البلاد والعباد، الحكام العرب يعاملون شعوبهم على أنهم لا يستحقون ما وصل إليه غيرهم من حقوق، لأنهم أقل منهم في الثقافة والتحضر والوعى، ويجاهرون بذلك ولا يتسترون على هذا البلاء، الذي وإن صح فإنهم يتحملون مسؤوليته، لولا تفشى الجهل وغياب الوعى وتراجع الثقافة والقدرة على التمييز بين الغث والسمين وعدم دراية الفرد بحقوقه التي كفلها له الدستور الذي لا تطبق بنوده، ولم تعد قيمته تزيد على ثمن الورق المطبوع عليه، لما استطاع هؤلاء القادة أن يستبدوا بشعوبهم وينفردوا بالسلطة دون مشاركة شعبية ورقابة برلمانية.
 
(2)
 
الحكام العرب لا يدركون أن رهانهم الحقيقى يجب أن يكون على شعوبهم، لكنهم يولون وجوههم شطر الغرب وكأن شمس ملكهم تشرق من هناك، فخطابهم موجه للخارج وليس للداخل ويظنون أن هؤلاء الذين يتمتعون بالثقافة والوعى يمكن التأثير عليهم بخطاب أو صورة واحتفالية، الشعوب الغربية لها ذاكرة طويلة وتهتم بالتوثيق، لا تحكم على الأمور بالقطعة ولكن ضمن سياق ممتد ومنطقى. تحفظت اللجنة العليا للفساد في السعودية على عدد من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، كل وسائل الإعلام السعودية والحليفة للمملكة ساندت هذه الخطوة على اعتبار أن هدفها القضاء على الفساد والمحسوبية والرشوة، ولكن الصحف الأجنبية التي تناولت الخبر كان تعليقها أنه صراع على العرش ومحاولة من ولى العهد لإحكام قبضته على السلطة تمهيدا لتوليه العرش واستبعاد معارضيه أو من يكون لوجوده خطر عليه.
 
(3)
 
الأمير محمد بن سلمان شاب، لا يراهن على الشيوخ لكن رهانه على شباب المملكة الذين يمثلون أكثر من نصف عدد سكانها، وهو يقدم نفسه على اعتبار أنه منهم وأكثر فهما لتطلعاتهم، لديه الجرأة والقدرة على إحداث تغيرات جوهرية في المجتمع السعودى، وفعلا هناك خطوات تمت: السماح للنساء بقيادة السيارة، إذاعة أغانى في التليفزيون الرسمى، السماح بفتح قاعات سينما وبالحفلات الغنائية العربية والأجنبية، كما أن ولى العهد يروج لمشروع نيوم، الذي يعطى لساكنيه حرية أكبر بكثير مما هى موجودة في المملكة، حيث النساء يرتدين ملابس رياضية مكشوفة، ويمارسن حياتهن مثل قريناتهن في الغرب دون غطاء رأس أو عباءة، حتى الخمور مسموح بها على بعد خطوات من مدينة الأحلام.
 
(4)
 
الأمير محمد بن سلمان يستميل الشباب إليه، ليكونوا سنده في الشارع مقابل قوى المعارضة المضادة له، المصدومون من قراراته وصعوده السريع، الرئيس السيسى يفعل ذلك أيضا، فنجده حريصا على حضور مؤتمرات الشباب والتجاوب معها، لكن الشباب ليسوا كتلة واحدة، وهناك فروق هائلة بينهم نتيجة ظروف الحياة والتعليم والثقافة، فنجد بينهم المتشدد والمتطرف والإرهابى، والليبرالى المنفتح على الآخر، والتقليدى والحداثى، ومنهم الثرى الذي يعيش في القصور والفقير الذى ترعرع في العشوائيات، منهم من تعلم في مدارس دولية والمتسرب من التعليم، لكن بالتأكيد هناك مشتركات بينهم، جميعهم يرغب في التحقق وأن يكون محل تقدير من مجتمعه وأن يأمن على مستقبله ويجد وظيفة مناسبة تدر عليه دخلا يكفل له حياة كريمة.
 
(5)
 
الاختلافات بين الشباب تجعل رؤيتهم للأمور مختلفة، على سبيل المثال، في السعودية هناك شباب يرون في مكافحة الفساد بداية طيبة ويشيدون بموقف ولى العهد، وهناك من يجد أن لابد أن يتبعها حكم ديمقراطى، وأن يكون هناك مجلس منتخب يمثل الشعب ويتحدث باسمه يراقب السلطة التنفيذية، ويرى أن لابد أن تفتح المناصب العليا في المملكة أمام الجميع ولا تقتصر فقط على آل سعود، ويوجد شباب متشدد سيعتبر أن ولى العهد خرج عن شرع الله حين سمح للنساء بالقيادة وحين فكر في مدينة تسير فيها النساء كاسيات عاريات، مثلما يحدث في مصر، شباب مصر الذين حضروا منتدى شرم الشيخ ومعهم ملايين أخرى يجدون في السيسى زعيما عظيما، وفى المقابل هناك ملايين أخرى من الشباب تعارضه ويعتبرون إقامة مثل هذا المنتدى ترف نحن في غنى عنه، وأن الحضور كان للشباب المحظوظ، ويتحدثون عن أصدقاء وأقارب لهم من شباب الثورة ومتظاهرين سلميين يقبعون في السجون، وكيف أن النظام يلاحق المعارضة ويخفض سقف حرية التعبير وأن الإعلام مدلس يهين المعارضين ويصفهم بأبشع الصفات دون مراجعة، وأن الاستقطاب الحاد الذي تعيشه مصر يهدد سلامها الاجتماعى.
 
(6)
 
الشباب إذن ليسوا كتلة واحدة، والكل يبحث عن سبل لمخاطبة الشباب الذي يمثل في الدول العربية أكثر من نصف عدد السكان، وهنا أجدنى أختلف مع تلك المحاولات، فأنا أعتقد أن التركيز على فئة بعينها غير مجد، الحوار يجب أن يكون مع الشعب بكل فئاته فالشباب يؤثر ويتأثر بمحيطه، أما ما يخص الشباب كفئة عمرية، فهناك وزير للشباب يمكن أن يضع خطة لذلك ولديه أدواته وكذلك الوزراء المعنيين بالثقافة والتعليم، وأول طريق الحوار المجتمعى البناء أن يتم الأستماع إلى المؤيد والمعارض، وأن يعطى كل منهما فرصا متساوية في جميع وسائل الإعلام، وأن تحترم السلطة التنفيذية رغبة الشعب في المشاركة في صنع القرار.
 
منتدى الشباب اتخذ شعار «نحتاج أن نتحدث»
 
We need to talk
 
وهو تعبير دارج في الإنجليزية، يقال حين يكون هناك اختلاف بين شخصين تربطهما علاقة تشوبها المشاكل وربما يكون هذا هو حالنا الآن، فنحن فعلا نحتاج للحديث ولكن على شرط أن يتم الاستماع إلينا.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع