شادية.. أنشودة أحلام العشاق لأجلها يبتهل الملايين: سلامتك
فن | المصري اليوم
الاربعاء ٨ نوفمبر ٢٠١٧
وسط دعوات صادقة من ملايين القلوب المحبة بأن تتجاوز شادية'> الفنانة شادية أزمتها الصحية فإن التاريخ الثقافي سيتوقف طويلا أمام هذه الفنانة الاستثنائية التي تشكل أمثولة للرومانسية المصرية.
وشادية هو الاسم الفني لفاطمة أحمد شاكر التي ولدت يوم الثامن من فبراير عام 1934 في القاهرة ويلاحظ معلقون ونقاد في الفن عن حق أن أغانيها وأفلامها تشد الأجيال الجديدة بقدر ما تشكل واحة من الذكريات والحنين لأجيال الكبار.
وجميلة الجوهر والمظهر وشادية الكلمات والأنغام كانت تغني وتطرب وتشدو في عصر فرسان الطرب فيه: أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة ووردة الجزائرية مع ملحنين من طراز محمد عبدالوهاب وكمال الطويل ومحمود الشريف وبليغ حمدي وسيد مكاوي ومحمد الموجي ومحمد سلطان ومنير مراد لتكون كل أغنية جديدة لهؤلاء العمالقة بمثابة عيد للفن في العالم العربي.
وإذا كان الفنان الراحل والقدير عبدالوارث عسر قد وصفها «بشادية الكلمات» فإن هذه الفنانة الكبيرة بإبداعاتها ما بين الغناء والسينما والإذاعة والمسرح الذي يزهو بمسرحيتها الشهيرة «ريا وسكينة» تعد «فنانة شاملة بامتياز في تاريخ الفن العربي».
وابنة الحي القاهري العريق والشهير «الحلمية الجديدة» التي بدأت مسيرتها الفنية عام 1947 بدور صغير في فيلم «أزهار وأشواك» سرعان ما توهج نجمها في سماء الفن لتقوم ببطولة فيلم «العقل في اجازة» مع الفنان محمد فوزي وتتوالى أفلامها التي حظت بإقبال جماهيري مثل: «الروح والجسد» و«الزوجة السابعة» و«صاحبة الملاليم» و«بنات حواء».
وشادية صاحبة الوجه البشوش والابتسامة التي تحمل طعما من ندى حققت إيرادات عالية للمنتجين ومن بينهم الراحل انور وجدي في أفلام مثل :«ليلة العيد» و«ليلة الحنة» لتكون «نجمة الشباك الأولى» لأكثر من ربع قرن كما ذكر سعد الدين توفيق في كتابه «تاريخ السينما العربية» كما عرفت الطريق لمسلسلات إذعية حظت باستماع الملايين مثل :«صابرين» و«نحن لا نزرع الشوك» و«سنة أولى حب» و«جفت الدموع».
ومثل وتر هاجع في الروح وأنشودة لأحلام العشاق في خمسينيات القرن العشرين مضت الجماهير في مصر والعالم العربي ككل تتنفس الرومانسية بأعذب ألحانها ومشاهدها مع شادية في أفلام مثل:«أنا الحب» مع محسن سرحان ويحيي شاهين.
ولن ينسى الجمهور العاشق للشاشة الكبيرة أفلامها مع كمال الشناوي التي كانت أمثولة للرومانسية مثل فيلم «ظلموني الناس» الذي تقاسمت بطولته مع أيقونة أخرى للرومانسية المصرية وهي الفنانة الراحلة فاتن حمامة كما اشتركت معها في بطولة فيلم «المعجزة» الذي أخرجه حسن الإمام وعرض في عام 1962.
وفي ثنايا الزمن وطبقات المشهد المصري بعمقه الثقافي والفني تتجلى أطياف الرومانسية كظاهرة أدبية وفنية أثرت بعمق في ثقافة الجماعة الوطنية المصرية وألوان الحياة بأرض الكنانة وبأفلام قدمتها شادية وكانت دوما تتناغم مع الذائقة المصرية كما يتبدى في أفلام مثل :«حمامة السلام» و«الروح والجسد» و«عدل السماء» و«ساعة لقلبك» كما اشتركت في بطولة فيلم «بائعة الخبز» مع الفنانة الكبيرة امينة رزق والفنانة ماجدة وشكري سرحان وزكي رستم.
والأمر ذاته تجلى في ثنائياتها السينمائية الشهيرة مع النجم الراحل عماد حمدي وأفلام مثل: «اقوى من الحب» و«ليلة من عمري» و«اشكي لمين» و«ارحم حبي» ناهيك عن فيلم «المرأة المجهولة» الذي عرض في نهاية خمسينيات القرن العشرين.
ومع الفنان الراحل صلاح ذو الفقار شكلت شادية ثنائيا جديدا في السينما المصرية مثل: «أغلى من حياتي» و«كرامة زوجتي» الذي قام على قصة للكاتب الصحفي والأديب الراحل احسان عبدالقدوس وأفلام كوميدية مثل :«مراتي مدير عام» و«عفريت مراتي» الذي أخرجه فطين عبدالوهاب عام 1968 وكان آخر أفلام الثنائي صلاح ذو الفقار وشادية.
وإذا استدعت اللحظة زمنا تعددت فيه تجليات الإبداع المصري في شتى المجالات وهو زمن نجيب محفوظ وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعباس محمود العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف شاهين ويوسف ادريس ومحمد حسنين هيكل وجمال حمدان وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وسيد مكاوي وصالح سليم وعمر الشريف وفاتن حمامة وصلاح أبوسيف فإن شادية حاضرة بكل التوهج والجمال في ذاك الزمن بين عشرات الأسماء الأخرى من أصحاب القامات العالية في المجالات الإبداعية المتعددة التي صنعت عن جدارة «القوة المصرية الناعمة» وصورة مصر كما يحبها المصريون ويهواها العالم.
وكانت شادية على موعد مع إبداعات نجيب محفوظ في الرواية لتقدمها على الشاشة الكبيرة في أفلام تشكل علامات خالدة في تاريخ السينما العربية وهي :«اللص والكلاب» و«زقاق المدق» و«الطريق» و«ميرامار» فيما وصفها هذا الأديب النوبلي المصري بأنها تمثل «فتاة الأحلام لأي شاب».
وبطلة أفلام «حب من نار» و«الهاربة» و«التلميذة» و«ألف ليلة وليلة» «الشك ياحبيبي» و«لا تسألني من أنا» هي التي قدمت ايضا للأديب ثروت اباظة فيلم «شييء من الخوف» كما قدمت من إبداعات يوسف السباعي فيلم «نحن لا نزرع الشوك».
وشادية بطلة فيلم «وادي الذكريات» والتي ودعت العمل الفني في عامها الخمسين وهي في ذروة مجدها وتألقها كفنانة بقت وستبقى دوما حاضرة في قلوب وعقول الجماهير والذاكرة الثقافية والفنية باعتبارها «أمثولة الرومانسية التي تمشي على قدمين».
وواقع الحال أنها قدمت أروع التجليات الفنية للرومانسية المصرية التي تجلت في أوجه عديدة على مستوى الأدب والفن وطرحت العديد من الأفكار الأدبية كما فعلت على سبيل المثال فإن «مدرسة الديوان» في الشعر التي كان من أعلامها العقاد والمازني وشكري وأكدت ضرورة أن تعبر القصيدة عن ذات صاحبها بعد أن القصيدة القديمة تبتعد كثيرا عن ذات قائلها.
ولئن ذهب البعض إلى أن الرومانسية اليوم في أزمة غير منكورة مع استحقاقات «العصر الرقمي» الذي يختلف كثيرا عن زمن الشاعر إنجليزي ويليام بليك الذي قضي في الثاني عشر من اغسطس عام 1827 ويقول النقاد في الغرب أن أعماله شكلت حجر الأساس للرومانسية في الشعر فالنقاش مستمر على المستوى الثقافي في الغرب حول «الرومانسية الغائبة» كما هو الحال في كتاب «الإنجليز في الحب: القصة الحميمة لثورة شعورية» لكلير لانغامير.
وهذا الكتاب يسرد ما حدث في بريطانيا من سقوط لمفاهيم الرومانسية والحب العذري وهي قضية مطروحة أيضا منذ سنوات طويلة في الشرق والعالم العربي فيما كان الشاعر السورى الراحل محمد الماغوط الذي قضى في الثالث من أبريل عام 2006 قال وكأنه ينعي زمن الرومانسية :«لقد أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب».
ومع ذلك فالرومانسية شعور إنساني غلاب أحيانا وفي سديم الصخب وايقاعات الحياة السريعة في العصر الرقمي هناك من يبحث عن بلسم أو ترياق مضاد فيعود مثلا لشادية بملامحها البريئة والرقيقة كرمز لزمن يسيل بعذوبة مصرية مع رقة اللفتات والهمسات وسحر الأنغام والحنجرة الذهبية فيما اسس محبوها وعشاق فنها موقعا يحمل اسمها على شبكة الانترنت ويعرض مقتطفات عن أفلامها البالغ مجموعها 117 فيلما فضلا عن أندر أغانيها .
وشادية التي غنت: «مصر اليوم في عيد» و«ادخلوها آمنين» تشكل جزءا عزيزا من مشاعر أجيال فيما يحمل صوتها بهجة وحضورها صورة عذبة للجمال علقت في ذاكرة الملايين في جميع بلاد العرب وهي أيضا الفنانة التي تبلسم آلام الناس بأغانيها وافلامها لتكون بحق أمثولة للرومانسية المصرية اسهمت بإبداعها في صنع زمن جميل لا يبارح القلب .
ولئن حمل أحد أفلامها عنوان :«ماليش حد» فإن الكثير من المصريين والعرب ككل يعتبرون أنفسهم على صلة قرابة وقربى من شادية التي مازالت أغانيها وأفلامها تشكل واحة رومانسية لكل من يشده الحنين لعصر الرومانسية ويذوب شوقا لمرحلة ذهبية في الفن المصري امتزجت فيها ملامح الجمال بألحان وأوتار وأنغام الإبداع فيما أمست صاحبة أغنية :«يا حبيبتي يا مصر» و«ست الحبايب» محبوبة الملايين في كل أرض عربية من المحيط إلى الخليج.
وهذا الزمن مازال يشد بالحنين أكثر من جيل من المصريين الآن حتى أن بعضهم يبحث في أفلام شادية عن أشياء شخصية تخصه في مرحلة من عمره و«يختلي بالذاكرة وقد يحاورها بحميمية» فيما يتوزع ما بين المسرات والأسى وهو يستعيد مشاهد من حياته ويستبطن لحظات كثيفة مترعة بالأفراح والأحزان معا !.
إنه «زمن شادية» الذي ينساب عبر أغانيها التي تقترب من الـ600 أغنية وأفلامها التي تجاوزت الـ 100 فيلم على الشاشة كعطر الأحباب ورائحة باقية ونفاذة في القلب تستدعي قصص حب وعالما بأكمله من وجوه تشكل كل منها قصة أقوى من الزمن والنسيان.
وهذه هي «شرعية شادية وقوتها في الوجدان المصري والعربي وهكذا يمكن وصفها بلا مبالغة بأنها»من المقومات الوجدانية لأجيال من المصريين والعرب ككل من المحيط إلى الخليج«.. فلاريب أن شادية صاحبة مكانة خاصة واستثنائية إلى حد كبير في قلوب المصريين وكل العرب.
وهي التي قدمت أغاني تعزز بحق قيمة الانتماء وتشدو باسم مصر في كل المنعطفات وساعات المحن وأيام الانتصارات وفي الوقت ذاته حملت راية الرومانسية وخفة الظل وبهجة الروح في الغناء العربي عبر أغان تتذكرها الأجيال مثل: «يا دبلة الخطوبة» و«مكسوفة منك» و«شباكنا ستايره حرير» و«عالي».
وهكذا ففي سديم الضوضاء وإيقاعات العصر اللاهثة هناك من يعود دوما لأغاني شادية وأفلامها كرمز لعصر وصوت يسيل بعذوبة مصرية مع رقة اللفتات والهمسات وصدق العينين فيقضي ساعات هانئة مع :«لحن الوفاء» وعلى «شاطيء الذكريات» و«ربيع الحب» و«عش الغرام» و«موعد مع الحياة» وهو فيلم تقاسمت أيضا بطولته مع فاتن حمامة وشكري سرحان.
وصاحبة أغاني: «خلاص مسافر» باتت جزءا من ثقافة رجل الشارع المصري الذي عادة ما يصلي الفجر في «الحسين» ويعشق صوت الشيخ محمد رفعت في تلاوة القرآن وبعد أن يعود لمنزله من عمله يتابع مباريات كرة القدم ويهوى مشاهدة فيلم من أفلام شادية وفاتن حمامة وماجدة وهو يشعر بالحنين والشجن.
ومازالت مشاهد شادية في أفلامها مع عماد حمدي وكمال الشناوي وصلاح ذو الفقار وعبدالحليم حافظ الذي قاسمته بطولة فيلم «معبودة الجماهير» تشكل زادا وجدانيا لأصحاب الذائقة الرومانسية وعلامة سينمائية على عصر بأكمله.
إنه «زمن شادية» الذي ينساب على الشاشة بعذوبة وبهاء كعطر الأحباب ورائحة باقية ونفاذة في القلب تستدعي قصص حب وعالما بأكمله من وجوه تشكل كل منها قصة أقوى من الزمن والنسيان رغم ان هذه الفنانة الكبيرة ابتعدت عن الشاشة الكبيرة والصغيرة والحفلات الغنائية منذ بداية الشطر الثاني لثمانينيات القرن العشرين بعد رائعة «خد بايدي» في حفل الليلة المحمدية عام 1986 والتي كانت آخر ماغنت.
وها هي ملايين القلوب تدعو بالشفاء العاجل لمحبوبة الجماهير وصوت مصر وأن تتجاوز هذه السيدة العظيمة المتعبدة المحسنة المطمئنة أزمتها الصحية..شادية: لأجلك تبتهل الملايين.. فسلام على إنسانة وفنانة جمعت لنا الندى ورومانسية البنفسج على ضفاف النيل.