الأقباط متحدون - عُبّادُ الوثن.. عشّاقُ التماثيل
  • ٢٣:٤٧
  • الخميس , ٩ نوفمبر ٢٠١٧
English version

عُبّادُ الوثن.. عشّاقُ التماثيل

مقالات مختارة | بقلم :فاطمة ناعوت

٠٢: ٠٩ ص +02:00 EET

الخميس ٩ نوفمبر ٢٠١٧

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

 ما الفارقُ الذهنى بين «الوثنى» عابدِ الأصنام، وبين مَن يثيرُ شهواتِه تمثالٌ من الرخام؟ وما الفارقُ الفلسفى والفنى بين رجل يعشقُ تمثالَ امرأةٍ فيحطّمه مخافةَ أن تُغويه، وبين «بِجماليون» النحّات العظيم الذى نحت تمثال امرأة جميلة، ثم وقع فى غرام التمثال فتوسّل إلى الآلهة أن تدبَّ فيه الروحُ، حتى يضاجعه، فاستجابت الآلهةُ لتوسلاته؛ وصار الحجرُ امرأة فاتنةً، كما تقول الأسطورة الإغريقية؟! لنُجيبَ عن تلك الأسئلة، علينا أن نعود إلى تعريف المفردات السابقة.

الوثنى: يؤمنُ بأن هذا الوثن، أو ذاك، مما يقفُ أمامه أو يركعُ رافعًا صلواتِه ودعاءه، ليس تمثالا أصم، بل هو إلهٌ حى مدرك ما يدور حوله، وإن كان من الحجر. يؤمن الوثنى بأن الوثنَ يسمعُ الصلواتِ ويجيبُ الدعاءَ. كذلك الآخرُ، الذى يُحرّم التمثالَ لأنه يثيرُ شهوتَه، ما هو فى الواقع إلا عاشقٌ للحجر. يؤمن بأن التمثال الرخامى إنسانٌ حى فى صورة امرأة مُثيرة، أو رجلٍ مثير. ومن ثمّ، إذا ما وقف أمامه يتأمله؛ سوف تُستثارُ مكامنُ الشهوات فى جسدِه، وربما قضى وطرَه على حوافّه الرخامية!

 
الأمرُ إذن تخطّى مرحلةَ الرجعية والتشدّد وحتى محاربة الفنون، ليدخل فى منعطف شديد الخطورة. إنها العودةُ، ليس إلى عصور البداوة والتصحُّر، بل إلى أبعد من ذلك وأوغل. إنه التقهقرُ إلى عوالم الوثنية الأولى، قبل نزول الرسالات، حيث عِشْقُ الحجر أو الخوف منه، (وكلاهما وجهان لعملة واحدة). عبادةُ الحجر والرعبُ منه؛ عِلّته الذهنية هو الإيمانُ بأن الصخرَ حى وليس جمادًا، وأن الحجرَ يشعرُ بما نشعر، ويُرسل لنا رسائلَ فننفعل؛ ليس بمكامن الجمال والفن الرفيع، مثلما نحن الأسوياء، إنما بمكامن الغرائز البهيمية الدُّنيا، غير المنضبطة! أولئك الذين يُحرك غرائزَهم الحجرُ، عيونُهم ليست فى رؤوسهم، مثلما نحن البشر، بل فى مكانٍ آخر سُفلى، جعله اللهُ لقضاء الحاجات البيولوجية الدُّنيا. والعجبُ كل العجبِ أن أحدًا من أولئك الذين يُستثارون من حجر، فيطالبون بمنعه عن عيون شبابنا، ظنًّا آثمًا منهم أن شبابنا يشبههم، حاشاهم، لم يُندّدوا بتجريد امرأة من ثيابها فى جنوب مصر، وسحلها عارية! ولو حتى من باب مخافة إثارة الشهوات، إن لم يكن من باب النخوة والتحضّر والرجولة والإنسانية! كيف، ولماذا؟ لأنهم عشّاقُ الحجر شأنهم شأنَ الوثنيين.
 
وكأنهم لم يرحلوا عن سمائنا. ما زالوا يحتلّون الأمكنةَ ويخترقون الرؤوس، كما فيروس نشطٍ لا تقوى عليه أمصالُ العالم! وكأن ثورةً لم تشتعل لتُطيحَ بهم. الإخوانُ الإرهابيون مَن أعنى. كأننى أتذكّر اليومَ نفسَ ما قاله أحدُ أعضاء حزب النور المظلم، أيام حكم العياط، عن فنّ الباليه الراقى، مُلقيًا غُثاءه: «الباليه فنُّ العُراة»!! يومها هاتفتنى صديقتى الباليرينا النحيلة وسألتنى باكيةً: «هو احنا فعلا لما بنرقص باليه بنكون مثيرات للشهوات؟» فأجبتها: «لا يا صديقتى، أنتنّ كالفراشات التى تثير الزهورَ فتُطلق الشذى من حولنا، وتنثرُ الجمال والعطر». أولئك الوثنيون هم السبب وراء إحجام طلاب كليات الفنون الجميلة عن دخول قسم النحت. فانظر وتأمل كم نحاتًا مدهشًا، خسرتهم مصرُ، كان يمكن أن يحصدوا لمصر الجوائزَ الدولية فى مسابقات العالم المتحضر!
 
أما «بجماليون»، فمن الظلم البيّن أن نعقد مقارنةً بينه وبين عُبّاد الحجر والرخام. على الأقل لأن بجماليون نحّاتٌ عظيم، حتى وإن كان ابنًا لأسطورة فنية تشيرُ إلى خلق الحياة من العدم. أما أولئك فهم أبناء الأساطير الوثنية، الذين لم يخفقوا فقط فى تقديم شىء عظيم للإنسانية، إنما يعملون على هدم ما قدّمه العظماءُ للإنسانية، من فنون عظيمة، عابرة للأزمان والأمكنة، هى فقط، التى صنعت حضارة الدول المتحضرة، وجعلتها فى مصافّ العالم الأول، ذاك الذى ننظرُ إليه بحسرة، ونتأسّى على حالنا بين عبدةِ الأوثان.
 
يا مَن رزقكم اللهُ إنجاب البنات: علّموا بناتكم فنَّ الباليه. علّموهنّ أن يكُنّ فراشاتٍ رشيقاتٍ تصفعُ بأجنحتها الملونة وجوهَ الغربان الذين يكرهون الجمالَ، ويشتهون مضاجعةَ التماثيل.
نقلا عن المصرى اليوم
الكلمات المتعلقة
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع