الرهان على الشباب
مقالات مختارة | بقلم : مفيد فوزي
٠١:
٠٥
م +02:00 EET
السبت ١١ نوفمبر ٢٠١٧
أكتب لكم من مدينة السلام، سيدة المدن، حاضنة المنتديات والمؤتمرات والمهرجانات، والنائمة على لسان خليج. المدينة الجاذبة الفريدة «شرم الشيخ»، الدنيا تتناقل أخبارها، وقد رفرفت أعلامها، علم الدولة ليس قطعة قماش تعلو الهامات والصوارى، إنما هو رمز لأرض على خريطة اليابسة، وحين كنت فى قاعة المنتدى الضخمة الممتلئة بشباب الدنيا كانوا يتسابقون أمام العدسات المتناثرة، لنرى أعلام بلادهم ثم يصيحون شوقاً وحنيناً، يدخل العلم والنشيد والسلام الوطنى تلافيف المخ ويقيم فى غرفة الوجدان طول العمر.
■ ■
«عمار يا مصر» هكذا كنت أهمس لنفسى وأنا أرى فنادق المدينة تحتضن كل الجنسيات فى مظاهرة عالمية تغنى لحن السلام، تلك هى شرم الشيخ تعيش لحظة استثنائية هى «المواطن العالمى»، على حد وصف مفكرنا د. مصطفى الفقى، هنا، لغات ولهجات ولكنات وضحكات ودموع بكل لغات العالم، ليتنى شاعر بقدرة نزار قبانى تسكن شرم الشيخ قلبه وتحرضه على قصيدة! هل رأيتم مدينة فى حالة فرح وانتشاء بعد طول صمت مبلل بالشجن؟ قصص وحكايات وشهادات. مرة نضحك، ومرة تلمع الدموع فى عيوننا ونحن نصغى لتجربة عبث داعشى، تلمع الدموع وتكاد تتحول إلى رصاصات للثأر، تجارب العالم مع الإرهاب موثقة، وشرم الشيخ تدعو للسلام والتسامح، هنا فى هذا التجمع العالمى يحدث التفاعل، نعم، قيمة المجتمعات فى تفاعلها الوجدانى.
■ ■
طائرات تنقل وفنادق تستقبل وقاعات تفتح أبوابها، واللغات واللهجات تنصهر فى سبيكة حب، نظام دقيق، نحن قادرون على ضبط النظام والتنسيق حين ننشد ذلك، لأول مرة ندخل القاعات ومعنا الموبايلات، اعتدنا أن نسلمها بإيصالات ثم تعود إلينا بعد الحفل، بيد أنه فى شرم الشيخ دخلنا القاعات فى وجود الرئيس، لأنه يدرك أن التكنولوجيا هى لغة هذا العصر وجسر هذا الأوان، لم أكن أعلم أن مسؤولية هذا المنتدى العالمى كانت على أكتاف رجل يحيا فى الظل وقلما تسلط عليه الأضواء، إنه صانع هذا الإبهار ويرفض أن يتحدث عنه وأن يسوقه إعلامياً، أتحدث عن «عباس كامل»، مدير مكتب الرئيس وربما كان يجلس بجوار الرئيس لأول مرة، شباب الرئاسة عزفوا وراء المايسترو عباس كامل دون أى نشاز، إنهم مدربون علمياً وعملياً على اللباقة واللياقة، مدربون على الصبر والنفس الطويل، مايسترو المنتدى عباس كامل يقتدى بصفات الرئيس «الجوهر قبل المظهر»، و«المضمون قبل التفاصيل»، و«الإنجاز قبل الكلام»، وإذا كنت أشيد بمنتدى رئاسى عالمى، فأنا أشيد بتجربة مصرية لها طعم عالمى سارت كعقارب الساعة لا تقدم أو تؤخر، نعم، عين الله حارسة لشباب العالم وضيوف مصر من الشخصيات، ولكن وفق نظام دقيق من الأمن والبراح الإنسانى واستيعاب عادات الشعوب وتقاليدها فى منظومة أفخر بها كمصرى وكقلم متواضع لى تاريخ مع مهرجانات كان صوت النشاز فيها عالياً.
■ ■
أفكار ورؤى تلألأت فى القاعات المكتظة بالشباب وفى الطرقات وفى الجلسات وفى اللقاءات، لعلها فى الغالب سمة المنتديات.
من هذه الرؤى أن الحياة ليست حقيقة صماء بل «طريقة»، ومنها «المنتدى فرصة رائعة لقافلة شبابية من عوالم أخرى تسمع وترى تاريخ مصر الموغل فى القدم».
ومنها «أن التفاعل بين الحضارات أمر حتمى».
ومنها «موجة القتل على يد الإرهاب ليس بعقاب مرتكبيها بل بتغيير أفكارها».
ومنها «الاتجاه للشباب يؤكد الرغبة فى الحياة بلا صراعات مذهبية».
ومنها قول نيلسون مانديلا «العلم يقرب بين الشعوب».
ومنها ما قاله الرئيس «الإرهاب يعتدى على الإنسانية».
ومنها فكر الفارابى «فى بناء الشخصية يجب النظر إلى الأمور القيمية».
ومنها «أن المنتدى فرصة لصناعة وعى جديد قوامه احترام الآخر».
ومنها «فى المنتدى العالمى تتعارف الشعوب على تاريخها وتراثها».
■ ■
رأيت المبدع حقاً عاشق الأثر والحجر والبشر زاهى حواس فى وصلة بالإنجليزية لجمهور القاعة الكبيرة يحكى بطريقته الدرامية الحواسية ملمحاً من تاريخ مصر المختبئ فى ثنايا التاريخ فأبهرنا وأبهرنى فصفقنا لعلمه ومعلوماته، صفقنا لعشقه للمومياوات ولقلقه على قطعة لها تاريخ، رأيت د. وسيم السيسى يخاطب د. طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، «الغوا المقررات التقليدية وعلموا أولادنا التاريخ»، سمعت وزير أفريقى يقول «الإعلام يقع فى خطأ ويقول الإرهاب فى سيناء وهذا خلط فنحن فى شرم الشيخ والسلام فى كل بقعة والتعميم خطأ»، كان طارق شوقى يقدم لى معاونته الشابة المكلفة بالتعليم الفنى، رأيت هانى عازر الخبرة المصرية فى الأنفاق فى ألمانيا يقول «أتعلم من أولادى التكنولوجيا المتطورة دون استعلاء على التعلم»، أدركت - وأنا أتابع أكثر من ندوة أن من الضرورى مقاومة أمراض الشيب وأهمها رفض الجيل السابق ورفض نصائح الكبار والاستعلاء، وفى مناقشات جانبية كنت أقول إن الخبرة والمعرفة لا تقدر بثمن، وكان بعض الشباب من مصر وبلاد أخرى يقولون «إننا نعانى من إحساس سلبى فهو الشعور أننا «نحتكر» الفكر، إنه احتكار واهم، وأنه فى هذه الحالة، يجب إضاءة المسلمات المظلمة فى العقل الجمعى للشباب. كان بديهياً أن الحوار بين الشباب فى هذا المنتدى هو انفتاح وانصهار وفهم وتواصل، الهدف من التحاور الوصول إلى السؤال بين الأجيال وليس خصاما بين أجيال، الاختلاف فى الآراء وارد دون أن تكون هناك فجوة، نعم، حبل الحوار فى العيلة اتقطع بسبب سيطرة أدوات التواصل، إن منح الشباب حرية الخطأ تجعله يتحدى الخوف وكسب الثقة والجسارة وتصحيح الذات، ولو كانت الشفافية منهجاً فى العهود السابقة - كما قال الرئيس - لكنا أعظم الدول، لهذا يراهن الرئيس بإيمان وثقة بلا حدود على الشباب، إن عبارته «خليكوا جنبى وقدامى مش ورايا» دلالتها أنه يؤمن بالغد، إن مجتمعنا ما زال أسيراً للخطة الآنية والمواطن عبدالفتاح السيسى ابن الجمالية لديه القناعة بالمستقبليات. وما العاصمة الإدارية ومحور قناة السويس إلا نمط من التفكير.
■ ■
الشكر واجب لمحافظ جنوب سيناء خالد فودة، الذى جعل من شرم الشيخ لؤلؤة فى عيون ضيوف مصر فى المنتدى العالمى، الشكر واجب لوزير الطيران أشرف مع «فراودته» على نقل الضيوف جواً بمهارة المحترفين، الشكر واجب لشباب الرئاسة الذين كانوا برجولة على مستوى الحدث.
الشكر واجب لكل من شارك الرئيس رهانه على شباب مصر الواعد، أملك أن أقول إن الرئيس السيسى هو أول رئيس يعطى الشباب هذه المساحة من الاهتمام، وهو ببساطة وطاقة عينه على «الدماء الحارة» تعبيراً عن شباب مصر، وعينه على الخبرات المتراكمة فى عقول مصر، لقد كنت أظن أن الرئيس مركز اهتمامه على شباب مصر، ثم اكتشفت أنه لا يغفل الخبرة والمعرفة وكلتاهما فى عقله ضفيرة واحدة.
■ ■
إن الخطوة التالية مهمة بعد النقاش المهم والحوارات المستطردة: كيف نحول الأفكار إلى واقع على الأرض، كيف نعد أطفالنا من اليوم ونهلمهم كيف يفكرون، كيف نقتحم الوجدان المصرى المنتمى بقيم ثابتة تتحول إلى سلوك، كيف نعيد منظومة اسمها الأخلاق هى عماد نهضة اليابان وواحدة من أسرار اقتصاد النمور الآسيوية.
■ ■
ترقرقت دمعة وأنا أغادر مقر المنتدى إلى موعد طائرتى، لعلها رومانسية لحظة تحية العلم وربما هدير طائرة عائدة من فك إرهاب فى عملية ناجحة تفيض بسالة، نعم، الوطنية ترقى إلى مستوى التدين الواقى.
نقلا عن المصرى اليوم