منتدى شباب العالم.. رسالة سلام فى مواجهة أبواق الحرب.. وبنيان حق فى مواجهة هشاشة الباطل.. ودعوة حوار فى مواجهة ثرثرة الرويبضة.. وطوق محبة بين أمواج الكراهية.. وسيادة للإنسانية على مساعى الهيمنة.. فالمنتدى الذى استضافته مدينة السلام شرم الشيخ، كان رائعًا وبراقًا لأنه اعتمد على المواجهة الفكرية، التى اتخذتها مصر فى محاربة التطرف بتبادل الحوار واحترام تعدد الثقافات وخصوصية مختلف الحضارات، فالمؤتمر قد حقق وجهته واستطاع أن يخلق حالة رائعة سنبنى عليها من أجل أن يكون العالم أفضل، فمصر تسعى إلى تغيير الحاضر المرير، وإنهاء الحروب والصراعات، وتحويل الحضارات إلى التكامل وليس التصارع، فقد دأبت قوى الهيمنة على مدار العقود الماضية فى تغذية الصراعات بين الدول تحت مظلة صراع الحضارات، لضمان الهيمنة، التى تحقق مصالحها ولو على دماء الشعوب، إلا أن مصر باتت تقدم نموذجا متفردا فى تغليب الإنسانية على المصالح، وتدعيم قوى الخير فى مواجهة محور الشر، الذى دأب على مدار عقود فى دعم التطرف والإرهاب، كما أن المنتدى قد أعطى رسالة قوية مفادها أن الثقافة والموسيقى والآداب يجب أن تكون لغة التواصل بين الشعوب، من أجل الارتقاء بالنفس البشرية ومن ثم لا يجد التطرف للشباب طريقًا ولا ملاذا آمنا، فالنجاح الباهر للمنتدى تعبر عنه شراسة الهجمة عليه من قوى الشر مدعومة بأبواق دول الهيمنة، فالحرب بالأساس نفسية تسعى لإحباط الشعوب ليسهل الانقضاض عليهم وتدميرهم، وبالتالى يجب تشويه كل ما يدعم النفس البشرية ويرسى ويغلب المبادئ الإنسانية.
قد يغفل الكثيرون أن ما حدث من المصريين فى 30 يونيو 2013 قد أحبط ما هو مخطط منذ عقود وعكفت عليه قوى الهيمنة فى البحث عن أكثر ما يمكن أن يؤجج الصراعات بين دول إقليم ما سموه بالشرق الأوسط، فكان الصراع الدينى حاضرًا بقوة، فكيف لا وقد قضت الصراعات الدينية فى أوروبا فى العصور الوسطى على الأخضر واليابس، وسقط فيها ملايين البشر عبر سلسلة من الصراعات الدامية، التى لم يوقفها سوى التحضر والرقى والعلم، فالتعصب لأى دين مهما كان هو نتاج للجهل والانغلاق والاهتزاز النفسى، وعدم الاتزان الإنسانى، لذلك كان الصراع الدينى والطائفى خيارًا استراتيجيًا فى إعادة تقسيم الشرق الأوسط للقدرة على السيطرة عليه، حيث تنبسط من المحيط للخليج ثروات العالم وخيراته لسنوات طويلة، كما شهدت هذه البقعة من العالم بعثات الأنبياء وميلاد الأديان اطلعت على معظم حضارات العالم القديم، وما تركته فى حاضرنا من آثار لا تقدر بثمن.
ومن خلال تحقيق قوى الهيمنة للهدف الاستراتيجى، كان لابد من العمل على عدة عناصر، بداية من تصعيد النعرة المذهبية، إلى خلق كيانات سرطانية تكون بمثابة الخلايا الأولى للورم الخبيث، إيذانا بالتفشى فى جسد المنطقة، التى تمنح بين حين وأخرى جرعات دواء تبقى على الحياة، ولكن دونما زوال للمرض، التى تحرص قوى الهيمنة على بقائه حتى لا تستفيق تلك الأمم أبدًا، فكانت بالإضافة للعدو الواضح إسرائيل دويلة قطر إحدى الخلايا السرطانية وفى قرب تحقيق قوى الهيمنة للهدف حيث تداعب الابتسامات شفاه الخبثاء تطل على حافة التاريخ وجوه طيبة وعيون سوداء حائرة وحناجر صاخبة بصدور عارية تهتف بحرية القرار الوطنى ليزيح المصريون السرطان من كبد الهوية الإخوان هؤلاء الذين تنكروا للوطن وأهله ولم يقدروا له ثمنا، ولم يبكوا يوما خوفا عليه، بل تباكوا عشقا فى حب الجماعة، وطنهم وحظيرتهم، لتتكالب علينا أراذل الأمم، بحثا عن الانهيار المنشود الذى قطع جذوره المصريون ولكن بقى الأمل لديهم فى استعادة فوضى غائبة من رحم خان يخون إخوان، ومن هنا كان تفجير الطائرات لضرب العلاقات مع روسيا وفرنسا وبزوغ واقعة ريجينى لتدمير العلاقات مع إيطاليا.
المجتمع الدولى فى فترات ماضية قد ترك جميع المشكلات والملفات المفتوحة وعلى رأسها إهدار حقوق الشعب الفلسطينى، ويتحدث عن جماعة كانت تقيم اعتصاما مسلحا بشهادة الجميع وبالصور والفيديوهات التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى، كالأكفان المتحركة، بالإضافة إلى المشاهد التمثيلية التى كانت تحمل زورا وجود انتهاكات من أجهزة الأمن، فالجميع يتغافل ما يدور فى عدد من دول العالم من تدخل عسكرى مباشر فى سوريا وغيرها من دول الجوار، وكالانتهاكات الواضحة للقانون الدولى من المحتل الإسرائيلى، وأيضا تجاوزات حقوق الإنسان فى الدول التى تسعى للهيمنة، ومشاهد تعذيب المعارضين كالتى تقع فى تركيا، ليتحدثوا عن حقوق جماعة إرهابية حملت السلاح على الشعب المصرى.
لقد بات الضمير العالمى فى إجازة، وباتت بعض المنظمات والمحافل الدولية منصات لحماية حقوق
الإرهاب، فنحن إزاء موجة جديدة من الحرب النفسية، فإذا أردت أن تنال من أمة فعليك بكسر الإرادة، ودحر الأمل، وتصدير اليأس والإحباط، فتنهار الأمة معنويا، ومن ثم تنهزم ماديا، لكن هيهات ليس هنا، فأنتم فى رحاب الصمود والجلد، فمصر لا تعرف عبر تاريخها الخنوع أو اليأس أو الاستسلام، فمصر تكمن عظمتها فى جلد إرادتها، فقد استطاع المصريون أن يدمروا أحلام قوى الهيمنة بوقف سرطان الإخوان من أن ينمو ويصبح جزءا من مسلسل كبير لخلق حلف سنى يقوده التنظيم الدولى، لتأجيج الصراع الطائفى مع الحلف الشيعى فى المنطقة، ومن ثم ضمان مساحات رحبة للهيمنة بأن تلقى بظلالها، على مقدرات الأمة وقراراتها إلى يوم الدين.
لقد كان
منتدى شباب العالم صرخة حق وعدل فى مواجهة طاغوت الهيمنة والدول الداعمة للإرهاب، فلم يعد لدينا إلا المواجهة ليس من أجل العيش فحسب، وإنما من أجل بقاء الإنسانية فقد قال المهاتما غاندى «هناك كفاية فى العالم لحاجة الإنسان ولكن ليس لجشعه».
نقلا عن اليوم السابع